• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

صائد الإسفنج (قصة قصيرة)

صائد الإسفنج
محمد نظمي محمد عبدالمعبود عوض


تاريخ الإضافة: 5/1/2012 ميلادي - 11/2/1433 هجري

الزيارات: 15889

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

صـائد الإسفـنج

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)

 

مسكين أنت يا ولدي، يا قطعةً منِّي، ويا أحبَّ أبنائي إلى قلبي، أتساءل: كيف لي أن أعيش يومًا واحِدًا دون أن أراك؟ وما طَعْم الحياة أن تُوجد فيها؟ ويا ترى ما لون أيَّامي القادمة، هل هي سوداء قاتِمة؟ لست أدري يا ولدي.

 

الذي أعيه جيِّدًا أنه قد وُئِدت أحلامك وآمالك قبل أن يُقدَّر لك أن توجد، كانت أحلامك يا ولدي كبيرةً، وآمالُك عريضة، وأمنياتك ورديَّة، وطموحاتك عظيمةً، كنتُ فخورةً بك، وبفِكْرك وعقلك الكبير، مسكين أنت يا ولدي، ويا كبدي، ويا قرَّة عيني، أتَذكَّر طُفولتَك، نعم أتذكَّرها جيدًا؛ لقد كنتَ منذ نعومة أظافرك شعلةً من الذَّكاء، كتلةً من المشاعر والأحاسيس الفياضة المتدفِّقة، كنت طفلاً لَمَّاحًا وقبل أن تخطو خطواتك الأولى نحو السُّلم التعليمي، نعم يا ولدي، تعدَّدتْ مواهبك وقدراتك؛ سواء في الفن أو الرسم، حتى مبادئ القراءة والكتابة، وقبل قبولك، حتَّى في سنِّ الحضانة، كبرتَ أمام عيني يا ولدي، وكبرت أحلامك وطموحاتك، تفوَّقتَ في دراساتك في جميع مراحل التعليم المختلفة، وكُنَّا سُعَداء بتفوُّقِك واعتمادك على ذاتك، ودون أن تُكلِّفنا أو تُرهِقَنا ماديٍّا في دروس خصوصيَّة كما يَفعل أقرانك!

 

أتذكَّر كلماتك يا ولدي جيِّدًا، يوم أن جئتَ سعيدًا مبتسِمًا، تستقبل أيَّامَك بحبٍّ ووُد، قائلاً: لقد انتهى العامُ الدراسيُّ يا (ست الحبايب)، وكما عوَّدتُكم على التفوُّق الدراسي دائمًا، نعم يا أمي، حقَّقتُ ما أصبو إليه من التفوُّق، والآن سوف أستغلُّ هذه العطلة الصيفيَّة الكبيرة فيما يعود عليَّ بالنفع يا أمي، سأبحث عن أيِّ عمل أشغَلُ به وقت فراغي؛ لأستفيد ماديًّا، ولأضمن أنَّ وقت فراغي لَم يذهب سُدًى.

 

ووقْتَها قلتُ لك يا ولدي: لقد بذلتَ جهدًا كبيرًا طوال العام، وآن لك أن تسريح من عناء هذا الجهدِ، وذلك التحصيل الذي أثلجَ صُدورَنا، ولكنَّك أبيتَ وقلت: راحتي يا أمي في العمل، وشَغْل وقت فراغي فيما يُفيدني ويعود عليَّ بالنفع العظيم.

 

يومها كنت أسعد أمٍّ على وجه الأرض، أحسستُ أنني أمتلك كنوز الدُّنيا، وثروتي لا تُقدَّر بمالِ العالَم كلِّه، ولِمَ لا؟ وأنا أرى أبنائي - ثروتي الحقيقيَّة - متفوِّقين، يشقُّون طريقهم في الحياة، ويَنْحتون في الصَّخر؛ لِيَصِلوا إلى أهدافهم التي حدَّدوها ورسموها لأنفسهم، وجاء العام الدراسيُّ، واستقبلتَ عامك بكلِّ الحب والأمل في عامٍ مُشرق كسابِقَيْه، والتَّصميم على التفوُّق كما عودتَنا دائمًا.

 

حقَّقت أحلامك وأحلامنا يا ولدي، وحصلت على الثانوية العامَّة وبالتفوق المعهود.

 

- أخيرًا يا أمِّي حقَّقتُ حلمي الذي كنتُ أصبو إليه، بذلتُ الجهد الجهيد، وسهرتُ الليالي، وكلَّل الله جهدي وتعَبِي، وسهرَ الليالي بالنَّجاح الأكيد، إنني سعيدٌ سعيد، بل أسعد إنسان على وجه الأرض، وتم قبولي في كلية الهندسة، معشوقتي، والتي كنت أرغبها، وأجِدُ نفسي فيها؛ لأحقِّق حلم حياتي.

 

- كنت متأكِّدة أنَّك ستنال كلَّ ما تتمنَّاه وتفكِّر فيه يا ولدي، تعبتَ كثيرًا، وكانت عزيمتُك قويَّة، وطموحُك كبيرًا، وكنتَ تبغي النجاح والتفوُّق، وقد كلَّل الله هذا الجهدَ بالنجاح والفلاح، إنَّك يا ولدي أحببت أسرتَك الحبَّ كله، هل نسيتَ كلماتك لي؟ والتي تعبِّر عن مكنون قلبك يومَ أن قُلتَ:

 

- إنَّني أحبُّكِ كثيرًا يا أمِّي، وأحبُّ أبي وأشفق عليه، لقد تَعِب وضحَّى تضحيات جسامًا في سبيل راحتنا وإسعادنا، لقد غرس فينا كلَّ ما هو جميل، وواصلَ اللَّيل بالنَّهار؛ لتدبير كلِّ احتياجاتنا، ولسد رمق أبناء لهم مَطالب كثيرة، الحِمل والمسؤوليَّة جسيمة يا أمِّي على أبي، أفواهٌ كثيرة، مطالِبُها أكثر؛ ملبس، ومشرب، وتعليم... لقد صممت على أن أعمل في إجازة آخِر العام؛ لأُدَبِّر مصاريف تعليمي، ولأوفِّر على أبي تعب وشقاء الليل، إنني أعدُّ الأيَّام والشهور، وأتمنَّى أن أُغمِض عيني وأفتحها وأراني وقد أكملتُ تعليمي، وحصلت على الماجستير والدكتوراه؛ لأردَّ الجميل لأبي، ولكِ يا (ست الحبايب)، ولإخوتي، أريد أن أُسعِدكم جميعًا، ثم في آخِر المطاف أقترن بِمَن أحبُّ وأهوى.

 

- وهل في حياتك إنسانة تحبُّها يا أحمد؟

 

- نعم يا أمي، خطَوْنا خطواتنا معًا، كانت تشجِّعني دائمًا على التفوُّق؛ لأكون جديرًا بها وبأسرتها، إنَّها يا أمي مِن أُسرة ميسورة الحال.

 

- وأنت يا ولدي طموحاتُكَ لا حدود لها، وغدًا بإذن الله ستكون في سلك التَّدريس الجامعيِّ، وستكون وزيرًا في المستقبل.

 

- أرجو ذلك يا أمي.

 

وتمرُّ الأعوام من نجاحٍ إلى نجاح، لقَدْ حقَّقتَ ذاتك يا ولدي، وكنتَ الأول على دفعتك، وأصبحت قابَ قوسين أو أدنى على مشارف التخرُّج، وجاءت نتيجة آخر العام مُعلِنة تفوُّقَك وحصولَك على بكالوريوس الهندسة، وبتقدير ممتاز كما عوَّدتَنا دائمًا.

 

كانت سعادتُنا بك لا توصف، وكانت فرحتك أنت عظيمةً، أحسست أنَّك حقَّقتَ آمالك وأحلامك، وطرقت باب محبوبتك طالِبًا وُدَّها، والاقتران بها، ووافق أهلُها، وتم الاتفاق على كلِّ شيء، ثم تُوِّجتْ سعادَتُك بقبولك معيدًا في الكلية التي بالأمس القريب كنتَ طالِبًا بها، أتذَكَّر يا ولدي يوم أنْ جئتني سعيدًا، وقلت لي:

 

إنَّني حقَّقتُ كلَّ ما كان يشغل بالي، وأحمَدُ الله على أن وفَّقني وأعانني، والآن أريد أن أقتَطِع من وقتي أسبوعًا واحدًا، أريح فيه نفسي من تعب السنين، لقد قرَّرتُ يا أُمَّاه أن أذهب إلى "مَرْسَى مطروح"؛ لأروِّح عن نفسي أسبوعًا واحدًا فقط، أعود بعده كلِّي نشاط وحيويَّة، سأعود وقد حقَّقتُ أهدافي من رحلتي، الهدف الرئيسي هو أنني سَأُشبع رغبتي في رياضتي المفضَّلة والمحببة إلى قلبي وعقلي وكلِّ جوارحي؛ إنها معشوقتي يا أمي، ألا وهي رياضة الغَوْص في أعمق أعماق بحرنا الأبيض الجميل؛ حيث المناظِرُ الطبيعيَّة الخلاَّبة، والأسماك على اختلاف أشكالها وألوانها البديعة، وأحجامها المختلفة، والمياهُ وزُرقتها، وصفاؤها ونَقاؤها، وحيث يوجد الإسفنج، دبَّرتُ كلَّ ما يلزم هوايةَ الغطس.

 

وثاني أهدافي من الرحلة هو الاستمتاع بالسِّباحة، وقضاء أوقات ممتعة على شواطئ "مرسى مطروح" التي تخلب الأبصار والعقول.

 

وثالث أهدافي من رحلتي هذه هو إعطاء نفسي وقتًا للتأمُّل في عجائب الطبيعة، ولأستريح يا أمِّي، وأرجو أن تكون راحةً أبديَّة.

 

- لماذا هذا التَّشاؤم يا ولدي، والحياة متفتِّحة ومغرِّدة أمامك؟

 

- لست أدري، ولكنَّه إحساس يلازمني من وقتٍ لآخر.

 

وذهبتَ يا ولدي، ويومها رأيتُك، وكنتُ أصرخ من داخلي أن ابْقَ معنا، ولا تترُكْنا يا أحمد، كنتُ مكتئبةً في داخلي، ولست أدري لِمَ كلُّ هذا الحزن وذلك القلق النفسيُّ والاكتئاب؟ ولكنه قلب الأمِّ، وإحساس الأمومة الفيَّاض.

 

وسافرتَ يا ولدي، وطال الانتظار والشَّوق واللهفة، على أمَل أن تعود، وقد عُدتَ يا ولدي، ولكن جثَّةً هامدة!

 

آه يا ولدي، ما أصعبَ الفراق! فراق أحبِّ أبنائي وأقربهم إلى قلبي، كنتَ رمزًا للحنان، لعطف ولإسعاد كلِّ مَن حولَك، فارقتَنا، فماتت الابتسامة، ومات الحبُّ والحنان، ومات الأمل في الحياة.

 

بِتُّ أمقت البحر بعد أن كنتُ أعشق مياهه الصَّافية، ولكن هذه المياه الصافية لم تَكُن حنونة على جسد ولدي، وجئتَ يا ولدي إلى مثواكَ الأخير، تركتني لأحزاني، ورحلتَ عن حبيبتك التي كانت تستعدُّ للزفاف، وماتت عها الابتسامة للأبد يا ولدي.

 

أثناء صيد الفتى للإسفنج من قاع البحر، ابتعد قليلاً عن الرِّفاق، ووجد نفسه في مكانٍ لَم يعهَدْه من قبل، وبَيْن أناسٍ لَم يألفهم، أخَذوه عنوةً إلى مكانٍ بعيد، واستَوْلوا على أجهزة التنفُّس ومشتقَّاتِها، وأوثقوه بالحِبال، وأجبَروه تحت السِّلاح على تدريبهم على الغوص، واستمرَّ الفتى في ضيافتهم الجبريَّة، ثم تركوه هائمًا على وجهه في الصحراء، ومِن حُسن حظِّ الفتى أنْ حضرَتْ دوريَّةٌ من خفر السَّواحل للاطمئنان على استِتْباب الأمن على الشاطئ، إلى أن عثَروا على الفتى في حالة إعياء شديد.

 

وكان قد تم البحث عن المهندس المفقود في مكان اختفائه، وعُثِر على جثَّةٍ مشوَّهة، وغير واضحة المَعالِم، وتَمَّ تسليم الجثَّة إلى أسرته؛ اعتقادًا أنَّها جثَّة الفتى المفقود.

 

تم دفن الجثَّة وأثناء تقبُّل الأسرة العزَاء في فقيدهم، إذا به يَظْهر فجأةً أمامهم! وانقلَب المأتم إلى أفراحٍ وأتراح، وكانت أسعدَ المستقبلين والمهنئين حبيبتُه ورفيقةُ مشوار حياته.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- صائد الاسفنج بين الحكى وطول الزمن الداخلى للقص
شعبان المنفلوطى - مصر 06-01-2012 05:11 PM

قصة تحمل ملمح إنسانى ولغة صافية وخط درامى متصاعد وحبكة جيدة لكن هناك بعض الأمور لا بد أن يلتفت اليها الكاتب من تكثيف والاهتمام بجملة الاستهلال واختيار نهاية موفقة يحترم فيها عقلية القارئ لأن النهاية جاءت سطحية لم يبذل الكاتب فيها أدنى مجهود
مزيد من التقدم وأتمنى له التوفيق

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة