• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

رجع رسالة

جمال معاذ البيضاوي


تاريخ الإضافة: 10/6/2010 ميلادي - 27/6/1431 هجري

الزيارات: 5301

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

رجع رسالة[1]

الحمدُ لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، أمَّا بعد:

أيُّها الصَّديق القديم، قد وصلتْني رسالتُك، فعرفت منها ما عرفت، وأنكرتُ ما أنكرت، عرفتُ منها اتِّصال مودَّتك، ودوام نصحك، فسُرِرتُ لذلك، وما هو عن حَميدِ أخلاقكم بغريب.

 

أمَّا الذي أنكرتُه من شأنك - أيُّها الصَّديق - مِمَّا دارت فحْواه بين طيَّات سطور رسالتكم، فممَّا لا يكاد يَخفى؛ تقول: إنَّك رأيتَني بعد ما استجدَّ من أمري، فما كدتَ تعرفني، لولا تلك الشَّامة أسفل ذقني، وكيف تَعْرِفُني وأنا نفسي قد أنكرتُني، فما أنا بالَّذي عهدتُني بدايةَ شبيبتي!

 

لقد خلَّفتُ ذاك البسيطَ وراءَ دفَّتَيِ التاريخ، وأوصدتُها دونَه بإحكامٍ، وفتحتُ صفحاتٍ جديدة من كتاب حياتي، اخترت كتابةَ أسطُرها بيَدي، ورسم مُستقْبلها بنفسي، دون أن أترُك للماضي سبيلاً إلى التحكُّم في مَصيري، لقد استبْدلت (بِذْلَة) الغربي - التي تَزدريها - بِجلْباب أبي، فارتضيتُها لنفسي بعد أن خَبَرتُها، فما عدت أبغي عنْها بديلاً.

 

مأفونون[2] أولئِك الذين ينعَون علَيَّ احتِضاني للمدنيَّة، وممرورٌ من يعيِّرني بالاندِراج في طبقة الأرستقراطيَّة، وهل هُما إلاَّ التحرُّر من قيود الماضي المعطَّلة، ونَبْذُ أسباب التخلُّف والرجعيَّة؟! هذا هو الحال، أو هكذا ينبغي أن يقال! بل هي الحقيقة التي يَجب أن نُلزم عقولَنا تقبُّلها، ونَرُوضُ أنفُسَنا على تشرُّب مذاهبها.

 

وقد لا أُخفيك إن كنت سائلي، أمُقتنع أنا بما أقول، أم راضٍ عن نفسي بما أصنع؟ فسأقولها بصدق: إنَّما أنا متبنٍّ لهذا القول، وإن لم أقتنع به، راضٍ بِمركزي، وإن لم يكن مُنتهى آمالي، ومتى كانت النفوس الكبار تطْمح إلى غايةٍ دون مجْدِها، ولو على حساب جُملةٍ من مصطلحات الأخلاق التي تزرَّيت[3] علَيَّ فيها.

 

وقد نعيتَ عليَّ فيما نعيت، التأكُّلَ بقلمي، وما علمتُ الزَّمانَ زاد متأكِّلاً بقلمِه إلاَّ وجاهةً وعزَّة، ولا علمت أحدًا أُسبِغَت عليه الألْقاب تتْرى كرجُل عَرَف الَّذي يريده النَّاسُ، فأجابهم إليه، وما أنا بذاك الأخْرق لأُوَلِّي وجهي عن بابٍ يُفضي إلى رياضٍ غنَّاء، وأسلك طريقًا لا يأْتيني منْه إلاَّ السَّموم[4]!

 

علِمتُ أنَّ بَذْلَ الرَّجُلِ حياتَه، أو ماله، أو راحتَه في خدمة مجتمعِه - جاعلٌ منه شريفًا في نفسِه، وأنَّ التَّضحية بذلك كلِّه من أجل حظوظ النَّفس جاعلةٌ منه شريفًا أمام النَّاس، فاخترت الشَّرف الظَّاهر، وأدركت أنَّ شرفَ العِرْض لا يُساوي سحتوتًا، فاخترت شرف الدِّرْهَم والدينار، ونظرتُ إلى القِيَم، فإذا هي سوادٌ سُطِر في بياض على كتُب الأخلاق والآداب، فآثرت قِيَم المنصب والجاه.

 

خذْها نصيحةَ مشفِق إن كنتَ ذا نفسٍ طَموح: دعْك من ألْفاظ تُلاك حول الفضيلة، وشعارات تردَّد عن الكرامة، وانْأَ بنفسك ما استطعت عن إرث الأجداد، فإنَّها معطلات أيّ معطلات!

 

وإنَّ الأريب لَمن يكسر القيود، ويُقوِّض الأركان، ما دامت تَحول دونَه وأحلامه، حتَّى إذا كسَرها قيدًا قيدًا، ودكَّها رُكنًا ركنًا، رماها خلْفه في مَزْبَلَة النِّسيان، وأصمَّ أُذنيْه عن سماع هسْهستِها[5]، وزكم أنفه عن تَهَمَةِ عَرفِها[6].

 

فإن كنتَ محتذيًا، فبي وبأمثالي، وما الطَّريق بعسير، وقد علِمتك مثقَّفًا ذا قلم سيَّال، لكن عيب هذا القلم أنَّ مداده لا يسيل إلاَّ مع أنفاس الثَّكالى والأيامى، ولا يَجري إلاَّ بالدَّعوة للفضيلة ونبْذ الرَّذيلة، وهو قلم رجعي كما عهِدته، لَمَّا يتحرَّر من أَرْسَانِ الماضي، فهو يتغنَّى بأمجاده، أعشى عن رُؤية مزايا المدنيَّة، فلا يرى منها إلاَّ السواد، فلو أنَّك هُديت إلى كلِّ رشد أزَحت عنه غُبَار الدِّمَن، وأنرتَ قرطاسه بفتوح المدنيَّة، لكُنتَ أنْجَعت[7].

 

ودونك موضوعات، كالمناداة بالحرِّيَّة، والمطالبة بحقوق المرْأة، والدَّعوة إلى إرْساء قواعد الديمقراطيَّة، فأجرِ المداد دفَّاقًا حولها، وإن تكن قليلَ الصَّبر، متعطِّشًا للتصدُّر، فما هو إلاَّ أن تملك الجرأة على الدَّعوة إلى إعادة النَّظر في الثَّوابت، حتَّى تَجِد اسمك تصدَّر لائحة المفكِّرين، والمناصب تنثال[8] عليك من كل جانب، وإذا أنت واحد من العِلْيَة[9]!

 

هذا رجْع رسالتك، فإن تعمل فيه بعقْل فهو ذاك، وإلاَّ، فهي صفحةٌ من صفحات الماضي حان طَيُّها، والسلام.

ـــــــــــــ
[1] جواب رسالة.

[2] المأفون: المأفوك، والأفَن: ضعف الرأي.

[3] تزرَّى عليه: عاتبه ولامه.

[4] السَّموم: الريح الحارة.

[5] الهسهسة: كلُّ شيء له صوت خفي، كهساهس الإبل في سيرها، وصوت الحلي، وحركة الرِّجْل باللَّيل ونحوه.

[6] التَّهَمَة: خُبْثُ رِيحٍ مثل الزُّهُومَة، والعَرف: الريح طيبة كانت أو مُنْتِنة.

[7] يقال: أنجع إذا نفَع.

[8] تنثال: تنصبُّ.

[9] العلية: السادة والأشراف.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
2- لا فض فوك
عبد الله - المغرب 06-06-2012 02:03 PM

قرأت المقال أكثر من مرة .. هكذا يكون الأسلوب المبطن الإيجابي

1- شكر
عماد - سوريا 17-06-2010 03:40 PM

جزاكم الله خيراً مقال مفيد

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة