• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

دلو برتقالي

دلو برتقالي
د. سعد مردف


تاريخ الإضافة: 11/11/2021 ميلادي - 6/4/1443 هجري

الزيارات: 2112

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دَلْوٌ بُرتقاليٌّ

 

التَقَى دَلْوانِ صَغِيرانِ برتقاليَّان في مَحَلٍّ لبَيعِ الأواني المنزليةِ، وكانَ البائعُ قد رَبَط كِلا الدَّلْوَينِ بِخَيطٍ واحدٍ مع بعضهما البعض، فصارَ كلَّما عَرَضَهُمَا للزبائن وضعَهُما جنْبًا إلى جنْبِ داخِلَ الحَانُوتِ، أَوْ خَارجَهُ، فعاشَا زمنًا، وهُما صديقانِ، يتحدَّثَان مَعَ بعضِهِمَا البعض، ويَمْزحَانِ بينَ الأواني، ويتفرَّجَانِ على الشارع، وعلَى العابرينَ فيهِ دُونَ أنْ يشْعُرَا بالمللِ، فإذَا أَظلمَ الليلُ، وأَغْلَقَ صاحبُ الدكَّانِ دُكَّانَهُ، ومَضَى، أَخَذَ الدَّلْوَانِ يَرْوِيَانِ لبعضهمَا طُولَ اللَّيلِ ما وقَعَ لهما في مَعْمَلِ صناعةِ اللَّدَائنِ، وتَحْويلِها، وما كانَ مِنْ أَمْرِهِمَا مَعَ التجارِ، والبَاعَةِ، الذينَ نَقَلُوهُمَا مَعَ كثيرينَ إلَى هذَا الموضعِ في هذهِ المَدِينَةِ الكَبيرةِ.

وَقَدْ ظلَّا كذلَك حتَّى جاءَ رجُلٌ ذَاتَ يومٍ إلى الدكّانِ، وأعجَبَهُ الدَّلْوَانِ الصَّغيرَانِ فأخَذَهُمَا الاثنينِ، وعَادَ بهمَا إلَى دَارِهِ، وهُمَا حَائرانِ فِي مَا سَيَعْرضُ لهمَا في حياتِهِمَا الجديدَةِ.

 

لَمْ يَكْنْ الصَّغِيرَانِ مُخْتَلفَينِ فَكلَاُهمَا برتقاليَّانِ، بمِحْمَلَيْنِ مُقَوَّسَينِ مِنْ حَديدٍ يُمْسِكُ كلُّ طَرَفٍ مِنَ المِحْمَلِ بأُذْنِ الدَّلْوِ مِنْ نَاحِيَةٍ، ودُونَ أنْ يأخُذَ الرَّجُلُ كبيرَ جَهْدٍ مِنَ التفكيرِ فَصَلَ بينَ الدَّلْوَينِ ووَضَعَ أَحَدُهُمَا داخِلَ الحَمَّامِ، وأمَّا الآخرُ فقدْ وضعَهُ في ناحيةٍ منَ المَنْزلِ، وجعَلَ بجوَارهِ كُوبًا كيْ يستعملَهُ الجميعُ للشربِ.

 

تَغَيَّرَتْ حَيَاةُ الصديقينِ كثِيرًا، وبَدَآ يُحِسَّانِ بأنهمَا لم يُخلَقَا للجلوسِ في زاويةٍ مِنْ زَوَايَا الدكَّانِ يتبادَلانِ الأحَادِيثَ، بَلْ صَارَ كلُّ واحدٍ منهمَا يقُومُ بوظيفةٍ عَلَيهِ أنْ يُحْسِنَ أدَاءَهَا حتى يُحَافِظَ على بقائِهِ، غيرَ أنَّ مَا كَانَ يقُومُ بهِ دَلْوُ الشرابِ لمْ يكُنْ مُؤْذِيًا أبَدًا، فكُلَّ صبَاحٍ يُغسَلُ جيِّدًا، ويُنظَّفُ على نَحْوٍ منَ الإتقَانِ قبْلَ أنْ يُمْلأ َعنْ آخرِهِ بالمَاءِ الصَّافِي، وتُضَافَ إليهِ قَطْرَةٌ صغيرةٌ مُنْعِشَةٌ منْ مَاءِ الجَافِيل المطهِّر، كَانَ الدَّلْوُ يَسْمَعُ في كلّ مرَّةٍ كَلامًا طيِّبًا منَ الشارِبينَ، فمَا أنْ يَضَعَ أحدُهُم شفتَيهِ على كُوبِ المَاءِ حتَّى يقُولَ بسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرّحِيم، فإذَا شَرِبَ قَال: الحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، وهكذَا كانتْ حيَاةُ دَلْوِ الشُّرْبِ الجَدِيدَةِ رَاضِيَةً: مَكَانٌ نظيفٌ، وجِسْمٌ نَقِيٌّ، وذِكْرٌ طَيِّبٌ.

 

أَمَّا دَلْوُ الحَمَّامِ فقدْ رُكِنَ في مَوضعٍ مِنْهُ عَلَى نَحْوٍ مَا، وتُرِكَ لرَحْضِ الأوْسَاخِ، والتّنَزُّهِ من الحاجة، كانَ كلُّ من اقتَربَ مِنَ الدلوِ داخلًا استعاذَ باللهِ، وكلُّ مَنْ غَادَرَ المَكَانَ حَمِدَ اللهَ عَلى النجاةِ، ورَأَى الدَّلْوُ كيفَ كانَ الجميعُ يَنظرُ إليهِ نظرَةَ احتقَارٍ، حتَّى بَدَأ لَونُهُ يَمْتقِعُ، ويَحُولُ، وتَجَمَّعَتْ في أَسْفَلِهِ الأتْربَةُ، وشيئًا فَشَيئًا زالَ عنهُ مِحْمَلُهُ، وتَمزَّقَتْ أُذْنَاهُ، وأَحَسَّ بحقَارَتِه لَمَّا شَعَرَ بأنَّهُ قدْ أصبحَ في مَوضِعٍ مَهِينٍ لا يَطيبُ للكَريمِ أنْ يُقِيمَ فِيهِ.

 

مرَّتْ أَيَّامٌ أَحَسَّ فيهَا كلُّ دَلْوٍ بالمكانةِ التي نالَهَا في المنزلِ، فأخذَ العُجْبُ دَلْوَ الشرابِ، وأَحَسَّ بالمكانةِ المَرْمُوقَة التي حَظِيَ بهَا، وممَّا زادَهُ تِيهًا أنْ رفعَهُ رَبُّ المنزلِ فوقَ دكَّةٍ مُرتَفِعَةٍ، وَوَضَعَ فوقَهُ غِطاءً بلاسْتِيكيًّا جَمِيلًا زاَدَه بَهَاءً، فداخلَهُ الكِبْرُ، والغُرُورُ، ولَمَّا عَلِمَ بشأنِ صاحِبِه، والموضعِ الذِي جُعلَ لَهُ تَمَنَّى أنْ لَوْ لمْ يكُنْ عَرَفَهُ مِنْ قَبْلُ، وحتَّى عندمَا سمَعَهُ ذَاتَ ليلةٍ يُنَاديهِ بمَرَارَةٍ ليشْكُوَ لهُ هَمَّهُ ردَّ عليهِ ردًّا سيِّئا عَنيفًا، وطَلَبَ منهُ أنْ لا يُكلِّمَهُ مَرَّةً أُخْرى مِنْ بعيدٍ، أَوْ منْ قَريبٍ، مُدَّعيًا أنَّ أهلَ البيتِ إنْ علمُوا بمَا بينَه، ودَلْو الحَمَّامِ رُبَّمَا أَبَتْ نُفُوسُهُم أنْ تتخذَهُ للشربِ لأنَّ وظيفة ًكهذهِ تَأْنَفُ لصاحبِهَا أَنْ يُخَالطَ مَنْ هُمْ دُونَهُ مِنَ الأوَانِي مَنْزِلةً.

 

أَمَّا دَلْوُ الحَمَّامِ فقدْ رَضِيَ بما قُسِمَ لهُ، وإنْ سَاءَهُ ما كانَ مِنْ صاحبِه، وعلِمَ أنَّ الأوانيَ حتى، وإنْ كانتْ مِنْ مَعدِنٍ واحدٍ، فإنَّ مَا تُصْرَفُ إليهِ منَ الأعمَالِ، والوظائفِ مِنْ شَأنهِ أَنْ يَرفَعَ بعضَها فوقَ بعضٍ، ولكنَّهُ رأَى أَنَّ بكاءَهُ على حالِهِ لنْ يُفِيدَهُ في شيءٍ، وأنَّ ما يَقُومُ به من الأعمَالِ لا يَخْلُو منْ فائدَةٍ، ولا غِنَى للنَّاسِ عنْهُ، وهُوَ في هذَا المَوضِعِ أرفَعُ مكانةً منْ كثيرٍ مِنَ الأواني المَطْروحَةِ في السُّوقِ، اطمَأَنَّ دَلْوُ الحمَّامِ لهذه الأفكارِ، وسَكَنَ لها مُنذُ أنْ سَمِعَ إبْزِيمَ المَاءِ يُحَدِّثُه بهَا ذاتَ يَومٍ، وقد رآهُ حَزِينًا، فَرَضِيَ عَمَّا هُوَ عليهِ مِنْ حَالٍ، ولكِنَّ شيْئًا واحِدًا ظَلّ يُحْزِنُهُ، ويَبْعَثُ الحَسْرَةَ في نفسِهِ، وهوَ تَنَكُّرُ صَدِيقِهِ البرتقاليِّ الواقفِ هُنَاكَ في بَهْوِ الدَّارِ كأنَّهُ مَلِكٌ مُتَوَّجٌ.

 

بعدَ شهْرَينِ كاملَينِ فُوجئَ دَلْوُ الحَمَّام ببابِهِ يُفْتَحُ، وإذَا صَاحِبُ الدارِ يَرْفَعُهُ بلُطفٍ، ثُمّ يُفرِغُهُ ممَّا فيهِ منَ المَاءِ، ويحْمِلُه بيَدِهِ، وَيضَعُ دلْوَ الشرابِ مكانَهُ، وهُوَ يقُولُ: لقدْ أصبَحَ هذا المَكَانُ ألْيَقَ بكَ بعدَ أنْ تَمَزَّقَ أُذْنَاكَ، وفَقَدْتَ مِحمَلَكَ، ثُمَّ مَضَى بدَلْوِ الحَمَّام القديمِ، وركَنَهُ في الحديقَةِ، ومَلَأَ جَوفَهُ تُرابًا ثُمّ أَقْبَلَ بعدَ قَليلٍ، وفي يَدِه شَتْلَةٌ منْ زَهْرِ اليَاسَمِينَ، فَحَفَرَ لهَا حُفْرَةً في وَسَطِهِ، وغرسَهَا، وسقَاهَا مَاءً عذْبًا ثُمَّ مضَى.

 

أيَّامًا قَليلةً بعْدَ ذلكَ أخَذَتْ زهرةُ الياسمينَ تَعْبُقُ برائحَتِها الطيبةِ فِي الأنحَاءِ، وصَارَ منْظرُهَا دَاخلَ الدَّلْو البرْتقَاليِّ أجْمَلَ ما يَكونُ، وعندمَا نَمَا ساقُ الزهرَةِ، واخضَرَّ، رأَى صاحبُ الدارِ أنْ يضَعَهَا في مَكَانٍ لائقٍ بها، فاتخَذَ لدَلْوِهَا مَوضِعًا مُرتفعًا داخلَ الحَديقةِ حتى ينْأَى بهَا عنْ أيْدِي الأطفَالِ، وهَكَذَا عَاشَ الدّلْوُ حيَاةً جَدِيدَةً نَسِيَ معَهَا كُلَّ ما حَلَّ بهِ، بعْدَ أَنْ حوَّلَهُ صَاحِبُهُ أصِيصًا للزهرِ، وأصْبَحَ الجَمِيعُ يُشِيرونَ إليهِ حينَ يَتَحَدَّثُونَ، ويُجيبُونَ كلَّ سائِلٍ: إنَّ رائحةَ الياسَمينِ التِي يَعْبُقُ بهَا المَكَانُ مُنبعِثةٌ مِنْ تلكَ الزَّاوِيَةِ حَيْثُ دَلْوُ الياسَمِينِ البُرتُقالِيُّ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة