• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

الليلة الثالثة.. أطفال الجبال

الليلة الثالثة.. أطفال الجبال
مصطفى العادل


تاريخ الإضافة: 23/5/2017 ميلادي - 27/8/1438 هجري

الزيارات: 3674

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الليلة الثالثة

أطفال الجبال

 

في يوم جَمَعَ فيه الفتى بين الحَيلولةِ والقَيلولة والعَيلولة، وقُبيل المغربِ استيقظَ أخيرًا بعد هذه الغيبوبة التي استمرت يومًا كاملًا، إنه في الحقيقة لم يكن ذلك اليوم كعادة باقي الأيام، ولم أكن أنا بدوري كعادتي في باقي الأيام، كيف لا؟! وقد نمت مع الأيتام، واستيقظت مع غروب الشمس واضعًا على وجهي اللثام، أغمضت عيني وتذكَّرت الخيام، وسكان الجبال أصحاب الشيم، صعدت الجبالَ فأنا عالي الهمم؛ لأزور سكانها، فلهم مني كل الاهتمام.

 

توجَّهت مرة أخرى إلى الجبل بعدما تذكرت الليلة الماضية - تذكرت توبة السلطان، ودموع الأحبة وحسرتهم بعد سماع الألحان، إنَّها مشاعرُ أوقدت عزمي، رغم أنني لم أجد في نفسي الشجاعةَ للذَّهاب إلى الجبل، وعلى حين تراودني أفكارٌ تجعل من نفسي سيدًا أخضعُ لأوامرها، فهي الآمرة الناهية، إذا بالعزم المتوقد يوحي إليَّ أنني لست خائنًا، ولم أتعلم بعدُ مبادئَ الخيانةِ وأسرارَها، كيف لا وقد واعدت سكانَ الجبل أن أُرافقهم طيلة الليالي الظلماء؟ واعدتهم أن أكون ذلك القمرَ الذي ينوِّر لياليَهم، وذلك الغيث الذي يحيي أراضيهم، وهم عند الإصغاء لكلماتي تراهم وكأنهم نباتٌ مرتخٍ تحت الزوابع والأمطار الطوفانيَّة، وعلى حين أنا في طريقي إلى الجبل إذا بأطفالٍ على قارعة الطريق يلعبون بعلب سردين، تركها رجال القنص في الأسبوع الماضي، لا تسألوني عن حالهم ولا عن لباسهم أو أحذيتهم؛ فإنني لا أجرؤ على الحديث في هذا الأمر المأساوي، ولا التلفُّظ ولو بكلمة على هذا الواقع الذي يعبِّر عن عمق المعاناة، وهأنذا أدخلُ إلى عالم السياسة من دون أن أشعر، يا لحقارة هذا المنظر، جعلني أسير ببطء حتى كاد الحلزون - الذي لا يصل إلى الجبل إلا بعدما ينتهي كلُّ شيء - يسبقني هذه المرة إلى قمة الجبل.

 

في الحقيقة، تعمَّدت ذلك التأخر، كنت أريد أن يعتقد الجميع أنني سوف أتغيب عن مجلسهم هذه الليلة؛ قصد أن يكون اهتمامهم جميعًا بقدومي.

أخيرًا وصلت إلى الجبل، فباغتهم دخولي، ورغم ذلك انكبُّوا عليَّ جميعًا مهلِّلين مرحِّبين وهم يرشونني بأنواع العطورِ، حتى ضايقتني، وافترشت الصخرة كعادتي، فنمت على ظهري وأغمضت عيني، وقد أدرك الحاضرون أن تلك الليلة سوف تأتي بحقيقة أخرى تفجر البكاء، وترفع صوت الحياة العسيرة الكئيبة في سماء الأمل، سوف تصدع بالحق الذي ما فتئ يحيا في قلوبٍ أَبَتْ أن تموت رغم كل الظروف التي لا تنطق إلا بالمَنُونِ، ولا تصور إلا القبور، وكلُّ هذا رغبةً في أن يتحقق ذلك الحلم الذي كبرنا معه في الحياة نفسها، بل كبر ونضج في ألعابنا التي تطوَّرت مع تطوُّر الزمان، وذلك النور الذي سوف يسطع مع شمسِ غدٍ مشرقٍ، يجعل ألعاب أولئك الأطفال ذكرياتٍ في قاع الذاكرة فقط.

 

وبعد لحظة بيضاء، تعمدت التزام الصمت فيها غاية التفكير، واسترجاع صور أيَّام الأطفال الماضية، وترك المجال لقلوب الحاضرين؛ قصد التأمُّل في قوة العبارات ومعانيها، واستعارة الكلمات ومجازها، نطقت الحياة من قلب انبعث من رماده رغبة في حياة لا موتَ بعدها، لتسمع أنين القلوب اللينة للأموات داخل القبور، فَرَكَنَ الجميع إلى الهدوء، فلم أعد أسمع إلا خرير المياه الجارية تساعدني على استعادة حال الأيتام، ووصفه بجميل الكلام، إنه ليل هادئ يجعلني مرتاحَ البال بعد كل الاضطهادات اللعينة التي تستهدفني كلما حاولت التعبير عن الواقع في واسطة النهار، وإن كانت الحال جليَّةً أمام العيان، ولا يحتاج للوصف ولا للتفسير من طرف كسول، لا يفقه شيئًا مما يقول؛ لأنه لا يقوى على تصويره بحقيقته الكاملة الشاملة مهما فعل ومهما حاول.

 

نطقت مني الحياة قائلة: يا كاتب التاريخ، دَوِّنْ أيَّامًا دونها اليأس في الفؤاد، يا عابرًا لا تستغرب إذا سمعت بكاء الأطفال كعصف الرعد في الليلة الظلماء يهبُّ مع الريح من فوق الجبل، يا زائرًا للجبل، ابحث عن أطفال وجدتهم يلعبون بعلب السردين الفارغة بين أنياب التهميش والإفقار، فإن وجدتهم على قارعة الطريق فاقرأ أصواتَهم وحركاتِهم، فإنها تروي الكثير، حاول أن تفهمها لعلك إن عدت إلى المدينة تجيب السائل عن حالنا بما رأيته، فتقول: اسألوا أطفالَ الجبالِ يجيبوكم، فإن أبَوا فاسألوا أحجارها تُجِبْكُمْ، وإن كانت قلوبكم أحجارًا ولم تستوعب ما ترويه فاسألوني أُجِبْكُم، نعم أنا أجيبكم؛ لأنني طفل من أطفال الجبال، بل طفل الجبال، أجيبكم أنكم قتلتمونا وراء الجبال، وكم من أيَّام مرَّت فأَحْيَتْ فينا هذا الوطن، ارتفعت أصواتنا هناك حاملة معها الأعلام والصور أن يحيا الوطن، نعم يحيا؛ لأن عمرَه قد فنِي، ماتَ الوطن لموتنا، ولولا مماتنا لما مات الوطن، إنه يحيا بحياتنا، ويموت بموتنا، يموت كلما قتلتمونا....

 

وأخيرًا، أخبرهم أننا كرهنا فيهم هذا الوطن وكرههم فينا الوطن... هنا توقفت وقد نفد صبـرُ الحاضرين، وأفئدتهم لا تتسع لسماعِ أكثر من هذا عن أيتام تم تحديد مستقبلهم في ذلك اليوم الذي وُلدوا فيه... أي مستقبل؟! إنه المستقبل الكالح الكادح الملوَّن بألوان الفقر والتهميش، مستقبلٌ كالسراب يجري الطفل وراءه ظنًّا منه أنه الماء العذب، وكلما اقترب منه ابتعد السراب بأمتار قليلة، ومع مرور الزمان يزداد الظمأ بأضعاف تجعله في آخر المطاف ضحيةَ الجري وراء السراب.

 

وقفت أخيرًا، بعدما بدأت الدنيا ترقص أمام الجميع وتتمايل، وكأنها شربت من الخمر ما أفقَدَ توازنها، وعُدْتُ مع الفلق، وصاحبتُ الفجر في الطريق إلى أن وصلت بيت الإبداع، فدخلت وأغلقت الباب، واعتكفت على أمل المستقبل، ورغبة في حياة تخفِّفُ عناءَ الفزع.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة