• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

خميائي الصحراء (قصة)

خميائي الصحراء (قصة)
زهير اتباتو


تاريخ الإضافة: 1/2/2017 ميلادي - 4/5/1438 هجري

الزيارات: 6803

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

"خميائي الصحراء"


وسط الصحراء أجري ورياحُ الجنوب تهبُّ بنفحاتها الحارة، كأنها سياطٌ من حُمَم بركانية، تلسع جِلْدي بكل قوة وشدة، وبين خطوةٍ وأخرى أحسبُ عمري الذي آن أوانُ انتهائه، مرارة في الفمِ من فَرْط العطش، وريق أبحث عن أثره بلساني؛ كبحث عجوز عن إكسير الحياة ليعيد شبابه دون جَدْوى، أما العرق، فعلى جبيني يسيل كأنه غديرٌ من الماء العَذْب، يسيل على جِلْدي، ويرهق جسدي، وينشف قطرات الماء مِن أوردتي، إنها أشد معاناةٍ شهِدتها منذ أن وُلِدت على وجه المعمورة.

 

وبين ذا وذاك راح عقلي يتخيَّل بين كثبانِ الرمالِ جنانًا وأعراسًا ومنابعَ ماءٍ وغُدْرانًا، كم جَرَيتُ نحو تلك ونحو أخرى، لكن دون فائدة، ففي كل محاولةٍ أعانق فيها فقط حبَّات الرمال.

 

خارت قُواي، وما زال الأمل ممتدًّا، أتضرَّع إلى الله طالبًا النجاة، وآمنت آنذاك أشدَّ الإيمان بكلِّ ما في التضرع للخالق العزيز الحكيم من معنى وحكمة تجارب نكتشف من خلالها سببَ خلقنا.

 

وسط هذا الكم الهائل من الرمال خُيِّل إليَّ تارة أنني صوب الجنة أمشي، وتارة أخرى صوب النار، وبين كل هذا الصراع كان يُداعبني التعب، ويسخر مني كأنه يقول: ما بالك أيها الإنسان، تحسب نفسك أقوى الأقوياء، وأنت أمام اختبار الحياة البسيط هذا عجَزْتَ؟!

 

تمتَمْتُ بتمائمَ وأدعية، فيها كل رجائي إلى الله، لعلَّ وعسى أن أجدَ بين هذا العذاب الأليم مخرجًا، لكن كيف؟

فالصحراء أمامي بساطٌ لا ينتهي، وكثبان الرمال المتعانقة كأنها جبال من البلور، كلما حاولت تسلق الواحدة منها لأتجاوزَها إلا وأحسستُ برجلي تنزلق؛ إذ في كل خطوة أخطوها تمثل أمامي آلاف السنين من المشي وسط الكون، إنها لَمعاناةٌ لم أشهد لها مثيلًا، كل قسم من أقسام جسدي يطلبُ النجدة، أما روحي، فما بقي لها إلا أن تطلب استقالةً من هذا الجسد الكئيب، الذي ما يزيدها إلا حرمانًا وألَمًا لا متناهيين، وجع داخلي فظيع، وآخر خارجي أفظع.

 

بقيتُ أقاوم وأقاوم، حتى أتت الشمس على الغروب، وكل حاسة قد خارت قواها، فلم أَعُدْ أُدرِك معنى وجودي؛ فآذاني أَمْسَتْ تسمع كلامَ الشياطين، وغِناءَ الجنادب، وألحان العفاريت، وصراخَ المَرَدة.

أما عيناي، فشعاع من الظلام انبثق من حيث لا أدري، أعمى بصري، وفتح بصيرتي للتشبث أكثرَ بالرجاء والأمل.

أما ثغري، فقد جفَّت منابعه، وقلَّ ماؤه، وانتهى مجرى ريقه، وبقيتُ بين كل هذه التقلبات أشتهي تارةً، وأرتعد تارة، وأجزع تارة أخرى حين تذكرت أن النهاية قد اقتربت.

 

أصابتني رعشةٌ وسط ذاك الليل الدامس، وانتقلتْ روحي من مقام الواقع إلى اللا معقول، انتقلتُ بروحي إلى عالَم البرزخ دون إرادة ولا مشيئة.

 

رأيت رجلًا ببياض ناصع، ما جعلني غير قادر على أن ألمح جيدًا ملامحه ولا هيئته، بل بفرط الدهشة زادني الأمر حيرةً، فسمعته يقول في وقار: يا ولدي، إن الحياة تجارب، وحياتك بالمثل، وما تمر به إلى تجربة للوجود، فلا تفقد الأملَ ولا تملَّ، فالرجاء إلى الله لا يخيب.

 

وما أن انتهى مِن سردِ كلماته حتى أتاني صوتٌ أنثوي عفيف، فيه من مشارب الحب مشارب، نطق - وإن لم أرَ من الجسد إلا الهندام - فقال: يا بُني، لا تتأسف لحالك، واحمد الخالق، فأنت عند الحبيب محبوب، وعنده مختبر، فكن بقدر الاختبار ولا تملَّ.

 

ما زالتِ الومضات لم تنتهِ حتى انصرف الكل، وبقي شيخ كبير، لحيتُه فيها بين البياض والسواد مزيج جميل، وأنفه كالهلال في تقوسه من الجمال شيء يَعجِز الإنسانُ عن وصفه، وقال مِن فمٍ كالخاتم في دورانه: أعلمُ أنَّك تتساءل: مَن نحن؟ وماذا نريد؟ وما عسى كلامنا هذا يكون؟

 

لكنني سأقول لك يا ولدي: إن الموت وإن أتى، فللحبيب لقاء بعده، فلا تسأل: متى، أو كيف، أو أين سأموت؟ ما دام أنك ستموت في نهاية الأمر، فلمَ السؤال يا بني؟

كابِرْ في الدنيا، وكافح، وكرامات الله عليك عدة، فلا تمل، لا تمل.

على آخر نغمة من نغمات صوتِه العجيب، فتحت عيني، وإذا بالشمس تشرق بعد ساعة غسق طويل، لم أُدرِك طوله إلا بعد العودة من ذاك العالَم العالي، وما أن فتحت عيني، والتعب ينازع أحشائي وأضلعي، وكلي بأجمعي، حتى اكتشفت أنني نائم في جحر مملوء بأفاعي الصحاري القاتلة، لكن أيًّا منها لم يمسَّني، كأن ملاكًا حارسًا قد منعها عني، بل أنا نفسي حين رأيتها لم أفزعْ، كأن قوة داخلية كبيرة بُثَّت في جوارحي، فأصبحتِ الأفاعي - ككل عناصر الكون - مجرَّدَ مكون يكمل المكون الآخر، والعجب كل العجب حين وعيتُ بمكاني، اكتشفت أنني بت الليل في كهف كالجحر على سفح يطل مباشرة صوب أجمل الغُدْران وأروع الأمكنة، فيها من كل فاكهة طيبة صنف ينسيك الصنف الذي ذقت منه قبله، أما الماء، ففي صفائه انعكاس لوجهي الذي نسيتُ معالِمَه القديمة، واكتشفت ملمحه من جديد، كنت من فرط الدهشة غيرَ واعٍ ولا مُصدِّق، فبين الحقيقة والسراب كانت لي بينهما شعرة شك، وما أن ذقتُ الماء وأشبعتُ الجوع حتى علمتُ أن الرجاء لله عز وجل نتيجته مِنَحٌ، يعطيك منها ما يشاء من حيث لا تدري ولا تعلم.

 

أنا المعذَّب قبل اللقاء، والسعيد بعد اللقاء، لا أدري ما حدث تلك الليلة، لكنني أعلم أن اللقاء كرامة، وجهاد الذات إليها مسلك، وبالتنسُّك سأجد معبري، وإلى محبة الله سأبني قنطرتي، قد يعتقد البعض أن كلامي خرافة لا تصدَّق، ولا يستوعب ما قيل من معانيها، لكنني أقول: تعالَ يا بني، واستكن إلى جنبي، وتعلم ممَّا تعلَّمته، وانبذِ الحياة التي تدعو لكل أشكال المتع واللعب واللهو، وستجد بعد التجرِبة أن كلامي حقيقة، وأن الوهم هو ما يعتقده غالب الناس حقيقة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة