• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / من روائع الماضي


علامة باركود

الجاهليتان

الجاهليتان
مصطفى لطفي المنفلوطي


تاريخ الإضافة: 6/3/2014 ميلادي - 5/5/1435 هجري

الزيارات: 4886

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الجاهليتان

 

اختيار: شبكة الألوكة.

الكتاب: النظرات.

المؤلف: مصطفى لطفي المَنْفَلُوطي (المتوفى: 1343هـ).

الناشر: دار الآفاق الجديدة.

الطبعة: الطبعة الأولى 1402هـ - 1982م.

عدد الأجزاء: 3.

 

ليست الجاهليةُ الأولى بأحوجَ إلى الإصلاح الدِّينيِّ من الجاهلية الأخرى، بل ربما كانت هذه أحوجَ من تلك إليه.

 

كانت الجاهليةُ الأولى تعبُدُ الأوثان لتُقرِّبَها إلى الله زُلفى، وجاهليتنا تعبُدُ الأحجارَ والأشجار، والأحياءَ والأموات، والأبوابَ والكُوَى، والقواعد والأعمدة؛ تبرُّكًا أو تقرُّبًا، لفظانِ مترادفان؛ مختلفانِ لفظًا، متَّفقان معنًى، ومن ظن غيرَ ذلك فقد خدَع نفسَه.

 

كانت الجاهليةُ الأولى متفرِّقة قبائلَ وشعوبًا، وجاهليتُنا متفرِّقة منازلَ وبيوتًا، بل آحادًا وأفرادًا، فلا تراحُمَ ولا تواصل، ولا تعارُفَ ولا تعاطف، حتى بين الأخِ وأخيه، والأبِ وبَنِيه.

 

كانت جاهليتُهم تسفِكُ الدماء في طِلابِ الأوتار، وجاهليتُنا تسفِكُها في سبيل السَّرقات، وقضاءِ الشهوات، وكان أفظعَ ما في جرائمهم وَأْدُ البناتِ، فصار أخفَّ ما في جرائمِنا الانتحارُ، وكان بعضُهم يَبغي على بعض بسرقةِ ماله، أو استياق ماشيتِه، ففعلنا مِثلَ ما فعلوا، وفوقَ ما فعلوا، ثم فضَلْناهم بعد ذلك بتزويرِ الأوراق، وتحريفِ الصكوك، وتقليدِ الأختام، والبراعة في النَّصب والاحتيال، يكاد يستوي في ذلك العالِمُ والجاهل، والشَّريف الهاشميُّ، والفلاح القَرويُّ.

 

وليتنا إذ أخَذْنا جاهليتَهم أخذناها كما هي؛ رذائلَ وفضائلَ، فيهونَ على المصلحين أمرُها، ولكنا أسَأْنا الاختيار، فلنا خرافاتُهم الدينية، وأَدْوَاؤُهم الاجتماعية، وليس لنا كرَمُهم ووفاؤهم، وغَيْرَتُهم وحَميَّتهم، وعِزتهم ومَنَعتُهم، فكيف لا يكون الأمر خطيرًا، وكيف لا تكونُ الجاهلية الأخرى أحوجَ إلى دعوةٍ كدعوةِ النبوَّةِ من الجاهلية الأولى.

 

نبِّئْني عن الإسلام أين مستقرُّه ومكانُه، وأين مسلَكه ومضطربه، وفي أي موطنٍ من المواطن حلَّ، ومعهد من المعاهد نزَلْ:

أفي الحانات والمَوَاخِير التي يغَصُّ بها الفضاء، وتئِنُّ منها الأرض والسماء، والتي ينتَهِك فيها المسلمون حُرماتِ دِينهم بلا خجلٍ ولا حياء، كأنما هم يشرَبون الماء الزُّلال، ويغشَوْن البُضْع الحلال، ولقد هان عليهم أمُر أنفسهم حتى لو وجدوا بينهم من يرى البُقيا في عملِه، أو التجمُّل في أمره، سمَّوْه جبانًا جامدًا، أو متكلِّفًا باردًا، كل ذلك على مرأَى ومسمعٍ من الحكومة الإسلامية، والمعاهد الدينية، والقضاءَيْنِ الشرعي والنظامي؟

 

أم في حوانيتِ الباعة؛ حيث الغشُّ الفاضح، والغَبْن الفاحش، مزخرَفًا بالأقوالِ الكاذبة، والأيمان الباطلة؟

أم في مجالسِ الأحكام؛ حيث للدينار الأحمر، السُّلطان الأكبر، على سلطانِ العدل، وسلطان الذِّمَّة، وسلطان الشرائع، اللهم إلا ما كان مِن تلك الألواحِ المكتوب فيها: "العدلُ أساس المُلك" أو ﴿ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [النساء: 58]؟

 

أم في المساجد؛ حيث يعتقد المصلُّون أنه لو كانت الفترةُ بين الصلاتين مائةَ عام، وكانت تلك الأعوام مملوءةً بالآثام والجرائم، والمفاسدِ والمظالِم، لكَفَتْ تلك الحركاتُ التي يسمونها صلواتٍ، ويحسبونها حسناتٍ، لِغفران تلك السيئاتِ؟

 

أم في معاهد الدِّين؛ حيث يتلقَّى المتعلِّمون الدِّين جِسمًا بلا رُوح، وعِلمًا بلا عمل، كأنما يتلهَّوْن بدراسة إحدى الشرائع الداثرة، أو أحدِ الأديان الغابرة، وحيث يتلقَّون كشكولاً عجيبًا وخُلُقًا غريبًا من الأكاذيب والتُّرَّهات، فلا تكاد تسمع من أفواههم إلا حديثًا موضوعًا، أو قولاً مصنوعًا، أو خُرافة تاريخية، أو بِدعة دِينية، وحيث يقضون حياتَهم في المُناظَرات والمجادَلات، والتحاسُد والتباغض، والتقاطع والتدابر، وهي بعينِها الأخلاقُ والرَّذائل التي ما جاءت الأديانُ إلا لمحاربتِها والقضاء عليها؛ فهم يهدمون من حيث يظنُّون أنهم يَبْنون، ويُسيئون ويحسَبون أنهم يُحسِنون صُنعًا؟

 

أم في مجالس المتصوفة؛ حيث الألعاب الجمبازية، والحركات البَهْلَوانية، والسَّرقات باسم العادات، وانتهاك الحُرُمات بعنوان البركات؟

 

إنْ أراد المصلِحون لأنفسهم نجاحًا، وللإسلام صلاحًا، فليبدَؤوا عمَلَهم بتهذيبِ العقائد الدِّينية، وتربية النَّشْءِ الحديث تربيةً إسلامية لا تربية مادية؛ أي: إنهم يدخُلون إلى الإصلاحِ مِن باب الدِّين لا من باب الفلسفة، حتى يجمَعوا للمسلمين بين صلاحِ حالِهم ومآلِهم، ودنياهم وآخرتِهم، وحتى يكون الدِّينُ هو الزَّاجرَ والمؤدِّب، والمعلِّم والمهذِّب، والإسلام وإن كان دِينَ العَقْل والفِطرة والتهذيب والإصلاح، إلا أن الخطَرَ كلَّ الخطر على المسلمين أن يكونَ في نظرِهم تابعًا للعَقْلِ، وأن يكون العقلُ هو الحَكَمَ بينهم وبينه، والخيرَ كلَّ الخيرِ في أن يكونَ الدِّينُ حاكمًا، والعَقْلُ مفسِّرًا ومبيِّنًا، فإذا تمَّ ذلك للمصلِحين بالرِّفْقِ والأناة، والحِكمة والسياسة، فقد تمَّ لهم كلُّ شيء، وتمَّ للمسلمين ما يريدونَه من الجامعتينِ الدِّينية والسِّياسية، كما تم لهم ذلك في العهدِ الأول من هذا الباب نفسِه، وفي هذا الطريقِ المستقيم، فهل يستطيعُ دعاةُ الإصلاح في الجاهلية الأخرى أن يكونوا كدُعاتِه في الجاهلية الأولى؟ وهل يستطيعون أن يُخلِصوا للهِ في عملهم جادِّين مُثابِرين، لا تأخُذُهم فيه هوادةٌ، ولا عنه سِنَةٌ، وألا يرى أحَدُهم لنفسِه على أخيه فضلاً إلا بالإيمان والتقوى، وأن يرى كلٌّ منهم نفسَه بمنزلةِ المجاهد في سبيل الله، يتحمَّلُ الأذى، ويستسهِلُ الوَعْرَ، ويحتمل الكريهة، لا يجعل لليأس إلى قلبِه سبيلاً، ولا للهوانِ على نفسِه سلطانًا؟

 

هل يستطيع المُصلِحون أن يكونوا كذلك ليُصلِحوا في الآخِرينَ ما أصلَح المُصلِحونَ في الأوَّلينَ؟

 

"لستُ أدري، ولا المُنجِّمُ يدري".

لَعَمْرُكَ ما تَدْري الطَّوارِقُ بالحَصَى
ولا زَاجِرَاتُ الطَّيْرِ ما اللهُ فَاعِلُ




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة