• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / من روائع الماضي


علامة باركود

الصحافة

الصحافة
مصطفى لطفي المنفلوطي


تاريخ الإضافة: 20/2/2014 ميلادي - 20/4/1435 هجري

الزيارات: 7840

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الصحافة


اختيار: شبكة الألوكة.

الكتاب: النظرات.

المؤلف: مصطفى لطفي بن محمد لطفي بن محمد حسن لطفي المَنْفَلُوطي (المتوفى: 1343هـ).

الناشر: دار الآفاق الجديدة.

الطبعة: الطبعة الأولى 1402هـ - 1982م.

عدد الأجزاء: 3.


يا صاحب النظرات:

أنا عاملٌ من العمال في دائرة من دوائر الحكومة، أتناولُ منها في كل شهر عشَرةً ذهبًا، وقد أشار عليَّ بعضُ الذين يعتقدون أنني صاحبُ قلم أن أستقيلَ من ذلك العمل وأشتغلَ بالصحافة، وحُجَّتهم في ذلك أن الصحافي يخدُم أمتَه أكثرَ مما يخدُمها غيره، وأنه يربح من المال أكثرَ مما يربح سواه، وقد أوشكتُ أن أُصغيَ لقولهم، وأعمل برأيهم, فماذا ترى؟

 

أشِرْ عليَّ برأيك؛ فقد أصبحتُ أعتقد أنك أعقلُ الكتَّاب وأكثرهم إخلاصًا, والسلام..


موظَّف.


أيها الرجل، لا تفعل؛ فإنك إن فعلتَ خسِرت ماضيَك من حيث لا ينفعُك مستقبلُك، فاحذَرْ أن يخدعَك عنك خادع، واربَأْ بنفسك أن تكون من الجاهلين، إنك لن تستطيع أن تكون صحافيًّا رابحًا إلا إذا كنت صحافيًّا كاذبًا، فإن كانت منزلةُ الأخلاق عندك دون منزلة المال، فامضِ لشأنك.

 

أنت في مستقبل أمرك بين اثنتين؛ إما أن تكون صاحبَ الصحيفة، أو أحدَ المحرِّرين فيها.

 

فإن كنت الأولَ، فأنت بين خاصةٍ لا يُرضيهم إلا أن تصعَدَ عندهم، وعامةٍ لا يعجبهم إلا أن تهبِطَ إليهم، فإن صعِدتَ إلى الأوَّلينَ هلكتَ؛ لأن الخاصة هم الأقلون عددًا، والأقلون مالاً، وإن نزلتَ إلى الآخِرينَ خسِرتَ؛ لأن العامة يُبغضون الحقيقةَ، ويُبغضون لأجلها المحقِّين، وإن وقفت في منزلة بينهما سخِط الفريقان عليكَ، وارتابَا بك، وأقسما جَهد أيمانِهما إنك من المرائين المتقلِّبين، وإن كنت الثاني فسيبتليك الله برئيسٍ يُحرج صدرك بمقترحاته، ويجرَح قلبك بمؤاخذاته، ويطلب عندك من الرأي والفهم والأسلوب والنَّسق ما عند نفسه، وهيهات أن يجد عندك ما يريدُ منك إلا إذا صح مذهبُ التقمُّص، واستطاعت نفسُ كل منكما أن تتسرَّب في أطواء صاحبتها, وتتلاشى فيها.

 

ذلك إلى ما يرزَؤُك به كل يوم من الوقوف بينك وبين عقلك، فيستكتبُك ما يريد، ويحُول بينك وبين ما تريد، فكأنما يعمِدُ إلى عقلِك - وهو أثمنُ من الجوهر - فيبتاعه منك بلُقَيماتٍ لا تكاد تُقِيم بها صُلبك، وكأنما إدارة الجريدة التي تعمل فيها آلةٌ ميكانيكية أنت فيه عمودٌ يدور اضطرارًا، لا إنسان يتحرَّك اختيارًا.

 

إن هؤلاء الكاتِبين الذين تراهم جلوسًا على مقاعدهم في إدارات الجرائد المصرية أسوأُ الناس حظًّا، وأعظمهم شقاءً، يكتب أحدُهم في الصباح ما يستحيي له في المساء, ويقول في المساء ما يكتُبُ غيرَه في الصباح، ويظل طول حياته كُرَةً تتلقفها الأحزابُ في أنديتها، والجرائد في إداراتها، ولقد يكتُبُ أحدهم الرسالة يُذيب فيها دماغه، ويُريق فيها عصارةَ مخِّه حتى إذا استوت له, وظن أنْ قد بلَغ من الإحسان غايتَه، رفَعها إلى رئيسه، فما هو إلا أن يقرَأَها ويرى فيها مدْحَ مَن لا يحب, أو نقْدَ ما لا يكره حتى يرمي بها وجهَه، ويردَّها عليه ردَّ المبتاع على البائع سلعته، فيعود بها باكيًا مستعبِرًا، ولا يعلم إلا اللهُ ما يُلم بقلبِه في تلك الساعةِ من الحزن على حياة كلها نفاقٌ ورياء، وذلٌّ وضَرَع، يتلمس فيها عقله فلا يجده؛ لأن الصحافة قد ملكَتْه عليه، وسلبَتْه إياه، ويسائل عن فهمه وإدراكه فلا يهتدي إليهما، ولا يعرف لهما وجودًا خاصًّا بهما؛ لأنه أصبح لا ينطقُ إلا بلسان غيره، ولا يكتب إلا بقلم سواه.

 

لولا أن الله سبحانه وتعالى صنَع لهؤلاء المحررين، فرحِمهم بتلك البساطة التي أودعها عقولَ السواد الأعظم من هذه الأمَّة - لَمَا وجدوا في الناس مَن يسمَعُ لهم قولاً, أو يعتمد لهم رأيًا.

 

مَن ذا الذي يحفِل بفكرةٍ يعلم أنها لم تخالِطْ قلب الكاتب، ولم تمتزج بأجزاء نفسِه، ولم تلتئم مع ما يُعرَف له من أخلاقه وطباعه وميوله وأهوائه، وما هي إلا طريدةٌ من طرائد الحاجات، وصنيعةٌ من صنائع الحوادث، تعرِض ثم تزول، كما تعرض وتزول نقائضُها وأضدادها، كالأمواج يأخُذُ بعضها برقاب بعضٍ، وتحُلُّ أُخراها محلَّ أُولاها.

 

مَن ذا الذي يحفِلُ بفكرةِ كاتب يحرر في "المؤيد" اليوم فينتقد اللواء وكاتبه، ويحرِّر في "اللواء" غدًا فيذم "المؤيد" وصاحبه، حتى إذا صار إلى "الجريدة" ذم الجريدتين، واستهجن الخُطتين.

 

أنا لا ألوم المحرِّرين على تقلُّبهم في المذاهب، واضطرابِهم في الآراء، ولا ألوم أصحابَ الصحف على وقوفِهم في حياتهم هذه المواقفَ التي ساقهم إليها العيشُ، ونزولِهم تلك المنازل التي ألقَتْهم فيها يدُ الحاجات، وإنما ألوم الأمَّةَ على استهانتِها بأدبائها، واحتقارها لكتَّابها، وأنها لا تقيم من الوزن لحملة المحابرِ والأقلام ما تُقِيمه لحملةِ المزامير والعيدان، حتى إنك لترى الرجلَ الذي لا بأس بعقلِه ولُبِّه وفهمِه وإدراكه يسهُلُ عليه أن يمنح مائةَ دينار لِمُغنٍّ واحد غنَّى له صوتًا واحدًا في ليلة واحدة, ولا يسهُلُ عليه أن يمنح مائة قرش لجمعيةٍ من جمعيات التأليف والنشر في كل عام، وتراه يُنفِق في العام على مسح نعاله عشرةَ دنانير، ولا ينفق واحدًا منها على مجموعة ثمينة مؤلَّفة من كتاب "التربية الاستقلالية"، و"رُوح الاجتماع"، و"البؤساء"، و"سر تقدُّم الإنجليز"، و"تحرير المرأة"، و"عيسى بن هشام".

 

إني أتمنى على اللهَ الغِنى، لا لأني في حاجة إلى المالِ؛ فقد رزَقني الله منه ما لا يَعنيني أن أطلب لنفسي مِن بعده مزيدًا، بل لِأجمع خمسة من كتَّاب هذه الأمَّة، وخمسة من شعرائها، وعشَرة من علمائها في منزلٍ واحد، وأُسبِغ عليهم وعلى عيالهم من نعمة العيش ونعمة المال ما تثلُجُ به صدورُهم، وتطمئنُّ به نفوسهم، ثم أقول لهم: دونكم هذه الأمَّة؛ فاكتبوا لها من الرسائل، وانظموا لها من القريض، وألِّفوا لها من الكتب ما تعلَمون أنه يأخذ بضَبْعيها، ويطير بها من قرارة الجهل إلى سماءِ العِلم، وكونوا فيما تأخذون به أنفسَكم أحرارًا غيرَ مقيَّدين، وطلقاء غير مأسورين، لا يُزعجكم عن مكانكم مُزعج، ولا يكدِّر صفاءَكم مكدِّر، ولا يعجلكم عن أمركم معجل، ولا يصُدَّنَّكم عن سبيلكم خوفٌ من كساد بضاعتكم، أو حذَرٌ من هياج الجاهلين عليكم، ثم أعمِد إلى نَفَثاتِ أقلامهم فأنثُرها على رؤوس الناس نثرًا من حيث لا أبتغي لها ثمنًا، وأطلب عليها أجرًا، غير ذلك الأجر الذي يدَّخِره اللهُ في دار جزائِه لعباده الصالحين.

 

فليتَ شِعري، هل يمنَحُني اللهُ طَلِبَتي، أو يُلهم قومًا من الأغنياء فِكرتي، فيتم للأمَّة على يدِ تلك الجمعية العِلمية الأدبية الحرَّة في عملها, المستقلَّة برأيها في عشَرةِ أعوام ما لا يتمُّ لها على يد هؤلاء الصِّحافيين المقيدين, والمؤلِّفين المغلولين في عشرة أعوام:

أمنيَّة شُغِفتْ رُوحي بها زَمَنًا
واليومَ أحسَبُها أضغاثَ أحلامِ

 

أيها السائل، لا تحسُدْ حملةَ الأقلام على صناعتِهم، ولا يغرَّنَّك ما ترى لهم في نظر الأمة أحيانًا من مظاهرِ الإجلال والإعظام، وما يطرُقُ آذانَهم كلَّ حين من أصوات التحبيذ والاستحسان؛ فإنما هي صورةٌ ظاهرة لا تُسمِن ولا تُغني من جوع، ولا تقُلْ: إنهم يخدُمون الأمَّة؛ فلن يخدُمَ الأمةَ مِثلُ الغنيِّ عنها الذي لا يبالي بها؛ رضِيَتْ أم سخِطَتْ، قامت أم قعدت، ولا تقل: إنهم يربَحون، فإنما هم يستنبطون أرزاقَهم من شق القلم، وشق القلم لا يجُود بالرِّزق إلا إذا جادت الصخرةُ بالماء الزُّلال.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة