• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / من روائع الماضي


علامة باركود

أبو الشمقمق

أبو الشمقمق
مصطفى لطفي المنفلوطي


تاريخ الإضافة: 16/1/2014 ميلادي - 15/3/1435 هجري

الزيارات: 9372

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أبو الشمقمق[1]


اختيار: شبكة الألوكة.

الكتاب: النظرات.

المؤلف: مصطفى لطفي بن محمد لطفي بن محمد حسن لطفي المَنْفَلُوطي (المتوفى: 1343هـ).

الناشر: دار الآفاق الجديدة.

الطبعة: الطبعة الأولى 1402هـ - 1982م.

عدد الأجزاء: 3.

 

إن كثيرًا من الفقراء لم تمتدَّ يدُ الفقر إلى رؤوسهم، كما امتدت إلى جيوبهم؛ فهم يُدركون كما يدرك الأغنياءُ، ويفهمون كما يفهمون، وكما أن في أغنياء الجيوب فقراءَ الرؤوس، كذلك في فقراء الجيوب أغنياء الرؤوس.

 

ولقد جلستُ في منزلي صبيحة يوم مع قوم من الماديين المستهترين الذين ملأ المالُ فراغ أذهانهم حتى أنساهم كلَّ شيء، وأنساهم أنفسَهم قبل ذلك، فأخذوا يتجاذبون أسلاكَ الأحاديث الذهبية ما بين تاجر يُعجَب بصفقته الرابحة، وزارع يفخَر بقلَّة ما أَعطى وكثرة ما أخَذ، وآخر يعلل نفسَه بكثرة الغلات وارتفاع الأسعار، والكل متفقون على أن السعادةَ التي أظلتهم أجنحتُها في هذا العهد الأخير؛ عهدِ العدل، عهدِ الحرية والمساواة، عهدِ الترقي والعمران - هي أشبهُ شيء بسعادة المتقين في جنات النعيم.

 

كل هذا وأبو الشمقمق جالسٌ ناحية يخزَرُ طرفه، ويهز رأسه، ويصعِّد أنفاسه، ويمضغ أضراسه، ويئنُّ من قلبه أنينًا خفيًّا يكاد يسمعُ فيه السامع قول الشاعر:

فيا لك بحرًا لم أجِدْ فيه مشربًا
على أن غيري واجدٌ فيه مسبحَا

 

فما هو إلا أن قضَوا لبانتهم من الكلام المملول والحديث المعاد حتى قاموا يطيرون مع الآمال، وراء الأموال، فأشَرْتُ إلى أبي الشمقمق أن يتخلَّف، ففعَل، فسألته: ما لك لم تشترك معنا فيما كنا فيه؟ فأجاب: إني أكره الفضولَ في الحديث، وقد فرَّق المقدار بيني وبينكم في المال، فلا أشترك معكم في المقال، فقلت: ألا يُعجبُك يا أبا الشمقمق حديثُ النهضة الحديثة التي نهضتها الأمةُ المصرية في العهد الأخير، وأنت فرد من أفرادها، وجزء من أجزاء جسمها؛ فنهوضها نهوضُك، وسقوطها سقوطك، والأمة - كما تعلم - هي الفردُ المكرر، والواحد الدائر، فأنت الأمة، والأمة أنت، فقال: والله لا أدري هل تكلِّمني بلسان الصوفية ولست بصوفي، أم بُلَغة الفلاسفة، ولا أفهم للفلسفة معنى، وكأنك تقصدني بالفرد المكرر والواحد الدائر، فإن كنتَ تريد أني فرد مكرَّر كثير الأشباه والأمثال في العَوَز والفاقة، وواحد لا سَنَد لي ولا عضد، ودائر في مدارج الطرق، ومعابر السبل، فقد أصبتَ وأحسنت، وإن كنت تريد معنى غير ذلك، فأنا لا أفهم إلا كذلك، فهل لك أن تُعفيني من هذه المعميات، وتزِنَ كلامك على قدر عقلي، وتحدثني فيما يتناوله سمعي وبصري، فقلت: أنا لم أخرُجْ بك عن المألوف المعروف، ولا أريد إلا أن الأمةَ ليست في الخارج شيئًا غيرَ أفرادها، فإذا سعِدتْ أو شقِيتْ، فالسُّعداء والأشقياء أبناؤها، وحسبُك أن ترى تقدُّمَ الأمة المصرية في ثروتها وعمرانها، وبَذَخها وترفها، وكثرة ناطقها وصامتها، فتسعد بسعادتها، وتسر بسرورها، فقال: إن لم تُبيِّن لي سهمي من هذه السعادة، ونصيبي من ذلك الارتقاء، فلا أصدِّق سعادةً، ولا أتصورُ ارتقاء، وما دمتُ أرى أن لي هوية مستقلة من هوية سواي من السعداء، ويدًا تقصُر عما يتناولونه، وبطنًا لا يمتلئ بما تمتلئ به بطونهم، وما دمتُ لا أرى واحدًا بينهم يلبَسُ معي ردائي الممزَّق، وقميصي المخرَّق، ويقاسمني همي، ويشاطرني فقري، فهيهات أن أسعَدَ بسعادتهم، وأُسرَّ بسرورهم، وهيهات أن أفهمَ معنى قولك: أنت الأمَّة، والأمة أنت، فقلت: إن الغيثَ إذا نزل يسقي الخصيب والجديب، والنَّجد والوَهْد، وينتظم من الأرض الميت والحي، فقال: كلُّ سماء فيها هذا الغيث إلا سماءَ مِصْرَ؛ فإني أراه:

كبدرٍ أضاء الأرض شرقًا ومغربًا
وموضِعُ رِجْلي منه أسودُ مظلمُ

 

ما لي وللرَّوض الذي لا أستنشق رَوحه ورَيحانه، والقصر الذي لا أدخله مالكًا ولا زائرًا، وهَبْ أن الطرق مفروشةٌ بالحرير والديباج، لا بالحصى والمَدَر، فهل أبقى لي الدهرُ من حاسة اللمس شيئًا فأميِّزَ بين خَشن الملمس وناعمه، ومعوجِّ الأرض ومستقيمها، وهَبْني إذا مشيتُ خُضْت في بحر مائج بأنوار الكهرباء، فهل يغني ذلك عني شيئًا، وهل يكون نصيبي منه إلا انكشاف سوءتي ورثاثتي لأعين الناظرين، ولقد حُبِّب إلي الظلامُ حتى تمنيت دوامه لألبَسَ من ثوبه الطبيعي ما يكفيني مَؤونة الرتق والفتق، والتمزيق والترقيع، وبعدُ فما هو الارتقاء الذي تزعُمه وتزعم أنه يَعنيني ويشملني، هل ترَقَّتْ غرائز الإحسان في نفوس المحسنين، وهل خفَقَت قلوب الأغنياء رحمةً بالفقراء، فقلت: نعم، أما ترى الأموال التي يتبرَّع بها الأغنياء للجمعيات الخيرية، والتي يُنفِقها المحسنون على بناء المدارس والمكاتب والمستشفيات، فقال: إن هذه التي تُسمِّيها مكارم، لا يسمِّيها أصحابُها إلا مغارم، ألجأهم إليها التملُّق للكُبَراء، وحبُّ التقرُّب من الرؤساء، والطمع في الزخرف الباطل، والجاه الكاذب.

 

ما لي وللمدارس والمستشفيات وأنا جوعان خبزٍ، لا جوعان علم، ولا مرض عندي إلا مرضُ الفاقة، فهل أجد في المدارس خبزًا، أو في المستشفيات دواءً كذلك الدواء الذي وصَفه أحدُ الأطباء الكرماء لرجلٍ جائع دخَل عليه وشكا إليه مرضًا، فعرَف سرَّ مرضه، فأعطاه عُلبة وكتب عليها: "يؤخَذُ منها عند اللزوم"، فلما ذهب بها الفقيرُ وفتحها وجد فيها عشَرة دنانير.

 

أنا رجل ضعيفُ البصر، ضعيف القوة كما ترى، فلا قدرة لي على العمل، وعندي صبية صغار ليس بينهم من يستطيع عملاً أو يُحسن صُنعًا، ولقد كان لي في الزمن الذي تذمُّونه، والعهد الذي تنقِمون عليه، منفسحٌ عظيم في منازل المحسنين، ومورِدٌ نمير من صدقاتهم وهِباتهم، وظِلٌّ ظليلٌ من تحنُّن الأغنياء ورحمتهم بالفقراء البائسين، أما اليوم فإني أبيت طاويًا، وأصبح شاكيًا، وأغدو راجيًا، وأَروح يائسًا.

 

وهنا أرسَل من جَفْنيه دمعةً ليسَتْ بأولِ دمعة بلَّل بها رداءَه، ولكنها أحرُّ من سابقاتها؛ لأنه لم يبكِ في غير خَلوته غيرَ هذه المرة، ثم نهض ومدَّ يدَه إلي مودِّعًا، فمسحتُ بيميني دمعة واحدة من دموعه الكثيرات.



[1] هو في الأصل رجل أديب من أدباء المولدين كان شديد الفقر.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة