• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / من روائع الماضي


علامة باركود

شاعر الوفاء

سعيد بن أحمد بن عبيد باسليمان


تاريخ الإضافة: 16/5/2011 ميلادي - 13/6/1432 هجري

الزيارات: 39780

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شاعر الوفاء

سلسلة: روائع أدبية (1)

 

"يستوقف المرء في أثناء مطالعاته مواقف تجذبه إليها، بما حوتْه من معانٍ إنسانيَّة نبيلة، ومروءة فذَّة تَمضي الأزمان وتبقَى هي متلألئة كقِطعة الألْماس بيْن الرِّمال، لا تحيل الأيام بهاءَها، ولا ينال الزمن مِن نفاستها، وأيَّة عظمة أسْمى من خُلُق الوفاء، وتحمل المشقَّات في سبيله بعد أن تغيَّر الزمن، وتبدَّلتِ الحال في زمن يجري الناسُ فيه وراءَ أصحاب الجاه والسُّلطان، وينسون مَن كان يملأ أسماعَ الدنيا بالأمس حينما يذهَب سلطانه، ويُصبح أسيرَ بيت لا يكاد يجِد فيه الكفاف، وهو الذي كانتْ تغمر عطاياه كلَّ مَن حوله، ويقصده المادحون مِن أقصى الأرض؟!

 

في هذا الجوِّ تجِد رجلاً يأسره الوفاء، وتشدُّه المروءة، فيعرف لصاحبِ الفضْل السابق أياديَه، ويذكر مجدَه بعدَ الأفول ويَطوي الأرض وراءَ مَن كان بالأمس ملءَ سمْع الدنيا وبصرِها بعدَ أن صار نزيلَ الأسْر والفقْر والحاجة، فتستوقفنا عظمةُ نفْسه ونُبل وفائه، وتستحقُّ منَّا التسجيل والإشادة".

 

أما صاحب ذلك الموقِف النبيل فهو الشاعِر أبو بكر الداني محمَّد بن عيسى بن محمد اللخمي، المعروف بابن اللبَّانة، أديب وشاعِر أندلسي مِن أهل مدينة (دانية) بالأندلس، تُوفِّي بجزيرة (ميورقة) عام 507هـ، وهي التي يسميها الجغرافيون (جزائر البليار)، يقول عنه عبدالواحد المراكشي: "وشِعْره نبيل المأخَذ، وهو فيه حسنُ المهيع، جمَع بين سهولة الألفاظ ورشاقتها، وجودةِ المعاني ولطافتها".

 

كان ابن اللبانة مِن شعراء بني عباد، أنشد فيهم عيونَ قصائده، وإنْ كانت مدائحه لهم يُشاركه فيها الشعراءُ الذين كانوا يعيشون في أكتافهم بَيْدَ أنَّ ذلك ليس مجال حديثنا هنا، إنَّما مجال حديثنا هو وفاؤه وشِعره في بني عباد بعدَ أنْ زال مُلكهم، وضاع سلطانُهم، وأصبح المعتمد بن عباد الملك الشاعِر أسيرًا منفيًّا في (أغمات) بالمغرب، هنا نجد ابن اللبَّانة قد ضرب أروعَ الأمثلة في الوفاء الإنساني، فلقد رثَى دولة بني عباد بمرثية مِن عيون المراثي في الشِّعر العربي، ومنها:

تَبْكِي السَّمَاءُ بِدَمْعٍ رَائِحٍ غَادِي
عَلَى البَهَالِيلِ مِنْ أَبْنَاءِ عَبَّادِ
عَلَى الْجِبَالِ الَّتِي هُدَّتْ قَوَاعِدُهَا
وَكَانَتِ الْأَرْضُ مِنْهُمْ ذَاتَ أَوْتَادِ
يَا ضَيْفُ أَقْفَرَ بَيْتُ الْمَكْرُمَاتِ فَخُذْ
فِي ضَمِّ رَحْلِكَ وَاجْمَعْ فَضْلَةَ الزَّادِ
وَيَا مُؤمِّلَ وَادِيهِمْ لِيَسْكُنَهُ
خَفَّ القَطِينُ وَجَفَّ الزَّرْعُ بِالوَادِي
إِنْ يُخْلَعُوا فَبَنُو الْعَبَّاسِ قَدْ خُلِعَوا
وَقَدْ خَلَتْ قَبْلَ حِمْصٍ أَرْضُ بَغْدَادِ
حَانَ الوَدَاعُ فَضَجَّتْ كُلُّ صَارِخَةٍ
وَصَارِخٍ مِنْ مُفَدَّاةٍ وَمِنْ فَادِي
وَالنَّاسُ قَدْ مَلَؤُوا الْعَبْرَينِ وَاعْتَبَرُوا
مِنْ لُؤْلُؤٍ طَافِياتٍ فَوْقَ أَزْبَادِ
سَارَتْ سَفَائِنُهُمْ وَالنَّوْحُ يَتْبَعُهَا
كَأَنَّهَا إِبِلٌ يَحْدُو بِهَا الحَادِي
نَسِيتُ إِلاَّ غَدَاةَ النَّهْرِكَوْنَهُمُ
فِي المُنْشَآتِ كَأَمْوَاتٍ بِأَلْحَادِ
كَمْ سَالَ فِي الْمَاءِ مِنْ دَمْعٍ وَكَمْ حَمَلَتْ
تِلْكَ القَطَائِعُ مِنْ قِطْعَاتِ أَكْبَادِ
مَنْ لِي بِكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ إِذَا
مَاءُ السَّمَاءِ أَبَى سُقْيَا حَشَا الصَّادِي
وَأَيْنَ أَلْقَاكُمُ فِي الرَّوْعِ مِنْ فِئَةٍ
مُدَرَّبِينَ عَلَى الْهَيْجَاءِ أَنْجَادِ

 

ألاَ ما أروعَ الوفاء! وأجمل الرِّثاء! وأصدق البكاء! إنَّها بحقٍّ مرثية فريدة مِن نوعها تحمل صدقَ التجرِبة، وفداحة المصاب، وعظيم اللوعة والحُرقة، فعندما أُطالعها أجِد نفْسي مجبرًا لأن أعيد قراءتَها مرَّاتٍ ومرات، حتى لقد حفظتُ الكثيرَ منها لكثرة تَكْراري لها، أجِد كلَّما قرأتها كأني أمامَ والد أُصيب فجأةً في ولده الوحيد، أو أمٍّ ذُبِح وحيدها في حجرها، وكأنها ليستْ من رجل يرثي ملكًا لا يربطه به أيُّ شيء سوى الوفاء وحْده، وكفَى.

 

ولعلَّ القارئ يلاحظ ذكْر (حمص) في الأبيات السابقة، فيتبادر إلى ذِهنه حمص الشام، لا فليستْ هي المقصودة، ولكنَّ المسلمين كانوا إذا فتَحوا مدينةً في الأندلس أطلقوا عليها اسمًا مشرقيًّا إضافة إلى اسمها، ولعلَّ ذلك يُذكِّرهم بمواطنهم الأصلية التي نشؤوا فيها، وحِمص التي وردتْ في الأبيات هي مدينة (إشبيليَّة) حاضرة بني عبَّاد وعاصِمة مُلكهم.

 

ونسير مع شاعِر الوفاء، فلمَّا استقرَّ المعتمد ابن عباد بأغمات بالمغرب، سار إليه ابن اللبَّانة قاطعًا المسافات، يدفعه الوفاء، ويحدوه الاعترافُ بالجميل لرجل أحسن إليه يومَ كانت الدنيا طوْعَ بنانه، ثم هو اليوم أسيرٌ لا يبرح مكانه، مغلَّلة يداه بالقيود، ففاضتْ قريحته بقصيدة باكية يقول عنها الفتح ابنُ خاقان: "ندبه بكلِّ مقال يلهب الأكباد، ويُثير فيها لوعة الحارِث بن عباد، أبدع مِن أناشيد معبد، وأصْدع للكبد مِن مراثي أربد، أو بكاء ذِي الرمة بالمربد، سلَك فيها للاختفاء طريقًا لاحبًا، وغدَا فيها لذيول الوفاء ساحبًا"، ومنها:

لِكُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ مِيقَاتٌ
وَلِلْمُنَى مِنْ مَتَائِيهِنَّ غَايَاتُ
وَالدَّهْرُ فِي صِبْغَةِ الْحِرْبَاءِ مُنْغَمِسٌ
أَلْوَانُ حُلَّتِهِ فِيهَا اسْتِحَالاَتُ
انْفُضْ يَدَيْكَ مِنَ الدُّنْيَا وَسَاكِنِهَا
فَالْأَرْضُ قَدْ أَقْفَرَتْ وَالنَّاسُ قُدْ مَاتُوا
وَقُلْ لِعَالِمِهَا الْأَرْضِيِّ قَدْ كَتَمَتْ
سَرِيرَة َ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ أَغْمَاتُ
مَنْ كَانَ بَيْنَ النَّدَى وَالْبَأْسِ أَنْصُلُهُ
هِنْدِيَّةٌ وَعَطَايَاهُ هُنَيْدَاتُ
رَمَاهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَسْتُرْهُ سَابِغَةٌ
دَهْرٌ مُصِيبَاتُهُ نُبْلٌ مُصِيبَاتُ
وَكَانَ مِلْءَ عِيَانِ الْعَيْنِ تُبْصِرُهُ
وَلِلْأَمَانِيِّ فِي مَرْآهُ مِرْآةُ
أَنْكَرْتُ إِلاَّ الْتِوَاءَاتِ القُيُودِ بِهِ
وَكَيْفَ تُنْكَرُ فِي الرَّوْضَاتِ حَيَّاتُ
لَهْفِي عَلَى آلِ عَبَّادٍ فَإِنَّهُمُ
أَهِلَّةٌ مَا لَهَا فِي الْأُفْقِ هَالاَتُ

 

ويمرُّ ابن اللبانة بفخْر الدولة ابن المعتمد بن عبَّاد، وكان أبوه قد أعدَّه ليتولى الأمرَ من بعده، وجعله وليَّ عهده، فأعجلتْه الأيام عن مقصدِه، وتبدَّل الحال بفخر الدولة بعدَ ضياع الملك من أبيه، فلم يجِد له بابًا يرتزق منه ويستعين به على مطالبِ الحياة سوى أن يبحَث عن عملٍ يؤدِّيه، أو صنعة يُتقنها فنزل إلى سوق الصنَّاع، وتعلَّم الصياغة، وأصبح كلَّ يوم يجلس في الحانوت ينفخ الكيرَ ويشعل الفحْم، ويصنع الحُلي، ويراه ابن اللبانة على هذه الحال فيشتعل قلبُه من الأسى، وتبتدر دموعه، وتجيش خواطره وانفعالاته مِن هذا المنظر الذي رآه، ويقارن بين ما هو عليه، وما كان مؤملاً له، فينشده قصيدةً نابضة تحسُّ وأنت تقرؤها بما كان يضطرم في قلْب ابن اللبانة مِن الحسرة، وما يعتصر فؤادَه مِن الأسى، وإليك بعض أبياتها:

أَذْكَى القُلُوبَ أَسًى أَبْكَى العُيُونَ دَمَا
خَطْبٌ وَجَدْنَاكَ فِيهِ يُشْبِهُ العَدَمَا
أَفْرَادُ عِقْدِ المُنَى مِنَّا قَدِ انْتَثَرَتْ
وَعَقْدُ عُرْوَتِنَا الوُثْقَى قَدِ انْفَصَمَا
شَكَاتُنَا فِيكَ يَا فَخْرَ الهُدَى عَظُمَتْ
وَالرَّزْءُ يَعْظُمُ فِيمَنْ قَدْرُهُ عَظُمَا
طُوِّقْتَ مِنْ نَائِبَاتِ الدَّهْرِ مَخْنَقَةً
ضَاقَتْ عَلَيْكَ وَكَمْ طَوَّقْتَنَا نِعَمَا
وَعَادَ كَوْنُكَ فِي دُكَّانِ قَارِعَةٍ
مِنْ بَعْدِ مَا كُنْتَ فِي قَصْرٍ حَكَى إِرَمَا
صَرَفْتَ فِي آلَةِ الصُّوَّاغِ أُنْمُلَةً
لَمْ تَدْرِ إِلاَّ النَّدَى وَالسَّيْفَ وَالْقَلَمَا
يَدٌ عَهِدْتُكَ لِلتَّقْبِيلِ تَبْسُطُهَا
فَتَسْتَقِلُّ الثُّرَيَّا أَنْ تَكُونَ فَمَا
يَا صَائِغًا كَانَتِ الْعُلْيَا تُصَاغُ لَهُ
حَلْيًا وَكَانَ عَلَيْهِ الْحَلْيُ مُنْتَظِمَا
لِلنَّفْخِ فِي الصُّورِ هَوْلٌ مَا حَكَاهُ سِوَى
هَوْلٌ رَأَيْنَاكَ فِيهِ تَنْفُخُ الْفَحَمَا
مَا حَطَّكَ الدَّهْرُ لَمَّا حَطَّ مِنْ شَرَفٍ
وَلاَ تُحَيِّفُ مِنْ أَخْلاَقِكَ الكَرَمَا

 

وبعدُ، فهذا موقِف شاعر آثَر الوفاءَ وعرَف للمروءة قدرَها، فلم يألُ جهدًا في القيام بحقوقهما، ولم يبالِ أيَّ مكروه يتعرَّض له بسببهما، فاستحقَّ منا الإشادة وحُقَّ للتاريخ أن يسجِّل موقفه النبيل، وللأجيال أن تذكُرَه فيمَن تذكُر من أهل الوفاء.

 

رحِم الله ابن اللبانة، وجازاه عن وفائه خيرَ الجزاء، وإلى رائعةٍ أخرى مِن روائع أدبنا الجميل - إنْ شاء الله.

 

مراجع البحث:

1- مجلة الوعي الإسلامي العدد 23 مقال للأستاذ/ إبراهيم الجيوشي.

2- كتاب الأدب العربي وتاريخه.

3- الموسوعة الشعرية الإلكترونية.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
3- اجناد الملثمين
سيدي ول محمدفال - مورتانيا 28-02-2013 02:32 AM

لما كان حريا بابن عباد اكرام يوسف واستضافته خال الأخير أنه عليه دفع تكلفة الحرب حتي تحريرها كلها فنسوا أن ابن عباد ليس مسؤول عن ضعف الأندلس فعفو ملوك البربر من القتل والسجن ونفوهم إلى مركش بأمولهم وأطبقوا اللثام علي المنتصر بشعره وخبرته الملكية حيث بقصائده القليلة أوصل من شخصيته ما فاق خالعيه حيث وصل نسبه المناذرة أمااصحاب الإمبراطورية القابرة والقصور الفاخرة فكانت ثقافته عمامته وكان لثامهم ستارهم اين المقاتل سير ابن وركوت من المليك القايدالفارس القاضي الشجاع الفارس الرقيق وصاحب القول البليغ والعربي العتيق

2- عفوا
سعيد بن أحمد باسليمان - اليمن 19-09-2012 01:53 PM

بارك الله فيك أخي عادل وهذا من حزن ظنك ببضاعتي المزجاة ،أتمنى لك سعادة دائمة وشكرا على مرورك الرائع

1- شكر
عادل البلهان - السعودية 30-10-2011 10:00 PM

أسعدك الله في الدارين أخي سعيد
شاعر وفيّ بحق.
لقد شجعتنيي - بارك الله فيك - لكي أبحث عن ديوانه وأرتشف من غرر قصائده رحمه الله.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة