• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

فجر آبق في أروقة البلدة القديمة - رواية (الفصل السادس)

فجر آبق في أروقة البلدة القديمة - رواية (الفصل السادس)
د. زهرة وهيب خدرج


تاريخ الإضافة: 10/2/2016 ميلادي - 1/5/1437 هجري

الزيارات: 3850

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فجر آبق في أروقة البلدة القديمة

الفصل السادس - حادث جديد في أروقة البلدة القديمة


تتشابه بيوت وأزقة البلدة القديمة إلى حد كبير، فجميعها صممت بنفس الطريقة، محال تجارية تفتح أبوابها على الزقاق، تعتلي ظهورها بيوت تتكون من طابق أو طابقين، مبنية من الإسمنت، على شكل أقواس، فأسطح المباني تراها جميعها عبارة عن مجموعات من الأقواس التي تلتقي مع بعضها البعض لتكون شبكات متصلة على امتداد البلدة القديمة، حتى أن معظم الأزقة تجدها مسقوفة بنفس الطريقة...


انطلق "جاد" ووالده يتمشيان في أروقة البلدة العتيقة حتى اقتراب موعد صلاة المغرب في المسجد الأقصى، وعلى الرغم من اقترابهما من المسجد الأقصى واجتيازهما لمعظم الأزقة القدسية العتيقة التي توصلهما للهدف المنشود، إلا أن والده في ذلك اليوم، لم يحدثه عنها كعادته، ويروي له حكاياتها وحكايات أهلها وأصول العائلات التي تسكنها والكثير من المعلومات التي ترسخت في ذهن جاد من كثرة ما سمع من تلك القصص من والده، ورغم ذلك لا يزال لديه فضول في سماع المزيد منها؛ ففكر والده كان مشغولاً بالهموم التي تحكم قبضتها عليه، فما بين ضرائب يجب أن يسددها، إلى بيت مهدد بالمصادرة، وبطالة وفقر يحيطان به، إلى مدينة عتيقة مهددة بأكملها بالتهويد، وتغيير معالمها الإسلامية إلى معالم صهيونية لتغدو وكأنه لم يكن للإسلام وجود فيها يوماً...


حاول جاد أن يخرج والده من الكآبة التي تسيطر على نفسه خلال سيرهما بتوجيه بعض الأسئلة له، وبإطلاق بعض القصص المرحة، إلا أن والده لم يتفاعل معه كعادته، بل كان يستمع له مطرقاً دون أي تعليق، ما دفع جاد في نهاية المطاف إلى الصمت، وغدا وكأن عدوى الكآبة قد انتقلت إليه أيضاً.


ولدى مرورهما من أمام مدرسة دار الأيتام الصناعية، رأى جاد بعض طلبتها يتجولون لدى الباب، تذكر قسوة الحياة التي يعيشها هؤلاء الأيتام، فرثى لحالهم؛ فمنهم من فقد والده أو والدته وهناك من فقد كليهما، وبالطبع لكل واحدٍ منهم حكايته المؤلمة التي قد يحتفظ بها لنفسه، وقد يرويها ويعرِّج من خلالها على تفاصيل الظروف التي أتت به إلى هنا، إلا أنه أخذ يفكر كيف أن هؤلاء الأطفال ليس لديهم الآن ما يخسرونه بعد فقدانهم حنان الوالدين ومغادرتهم لبيوتهم لأنه لم يعد هناك من يقوم برعايتهم، ليصبحوا لاجئين في دار الأيتام... ولا يعود لديهم بيت يخافون من قيام المحتلين بمصادرته وهدمه، كما أنه ليس لديهم الكثير من ديون الضرائب التي يتوجب عليهم دفعها، ولكنه أيضاً يدرك أن لديهم همومٌ أخرى كبيرة، ولكن من نوع يختلف عن همومه.


أخذ جاد يتأمل في وجه والده الذي كانت علامات التعب والإرهاق باديةً بوضوح في ملامحه؛ فلقد عانى الأمرَّين خلال السنوات الثلاث الماضية، من ضرائب متراكمة، ومحاولات ترخيص البيت، لقد فعل كل شيء ممكن؛ التوجه إلى اللجنة العليا للمساعدة في تغطية بعض الأموال المطلوبة للضريبة وتوكيل محامين للتخفيف من الضريبة ورفع القضايا والتقدم للمحاكم والتوجه إلى جمعيات حقوق الإنسان والمؤسسات الخيرية؛ إلا أنه لم يحقق أية مكاسب، أو إيجابيات على الإطلاق، وأصبح متأكداً أنه لن يتمكن في النهاية من دفع المبلغ الآخذ بالازدياد كل يوم مما يهدد بقائه في مدينته الحبيبة، مدينة والده وأجداده، وابنه... وما زاد الوضع سوءاً أنه لم يعد يمتلك مصدراً ثابتاً يدر عليه دخلاً يلبي احتياجاتهم الأساسية؛ بعد تسريحه من عمله في الشركة التي قضى فيها اثنا عشرة عاماً هي خيرة أيام عمره، فتارة يعمل الآن نادلا في مطعم وتارة بائعا في بقالة أو بائع صحف، غير مستقر على أية حال.


دخلا لساحة المسجد الأقصى، وكانت الساعة تشير إلى السادسة مساءً عند وصولهما للمسجد القبلي... فبعد قليل سيعلن وقت دخول صلاة المغرب، تأمل جاد المسجد من الداخل، الأعمدة، المنبر، والنوافذ الفسيفسائية المزخرفة بألوان بديعة حين بدأ المؤذن يصدح بالأذان واخترق صدى صوته كل أرجاء المكان وتردد في عذوبة ليس لها مثيل تضفي على الحاضرين سكينةً وطمأنينة يندر الشعور بمثلها في أي مكان آخر، أشعره هذا الجو براحة نفسية شديده افتقدها بسبب قلقه على والده وخوفه على صحته، فرفع يديه إلى السماء ودعا الله من كل كيانه وقلبه، أن يحميهم ويحمي المسجد الأقصى والقدس من كل شر وأذى وأن يحفظ بيتهم من أذى اليهود وأن تكون نتيجة القضية لصالحهم في النهاية وأن يحفظ له والده ويخفف عنه ما هو فيه.


صلى جاد ووالده المغرب، وخرجا من باب السلسلة في طريقهما إلى البيت؛ فذلك الباب هو الأقرب لبيتهما، لأن باب المغاربة مغلق في وجه الفلسطينيين كما ويُحظر عليهم السير في طريق المغاربة، ما يحدو بهم الالتفاف من باب السلسلة، لكن يبدو أن المتاعب دائماً في انتظارهما، فقد كان جنود الاحتلال يقفون في حالة استنفار، خارج جميع أبواب الحرم القدسي الشريف، يفتشون المارة تفتيشاً دقيقاً، ويستوقفون جميع الشبان الذين تتراوح أعمارهم ما بين الثانية عشرة والخامسة عشرة عاماً بشكل خاص ويحتجزونهم، دون أن يعلم جاد ووالده شيئاً عن ذلك، وعندما شاهدا ما يجرى أمامهما، دعا الوالد ربه أن يمرا بسلام من دون مشاكل.


قاموا بتفتيش الأب، وسمحوا له بالمرور، أما جاد فقد سحبه أحد الجنود من ذراعه بقوة دون أن يفتشه أو حتى يتكلم معه، وضموه لمجموعة من الشبان تم إيقافهم أمام أحد الجدران، يحرسهم الجنود المدججين بالأسلحة والستر الواقية.


همس جاد في أذن الشاب الذي يقف إلى جواره ويدير وجهه إلى الحائط -حال جميع الموقوفين- قائلاً:

• ماذا يجري هنا؟ لمَ يوقفونا بهذه الطريقة؟؟؟


فأجابه الشاب مستغرباً من سؤاله:

• ألا تعلم ماذا حصل!؟

• وكيف لي أن أعرف؟؟ أجابه جاد بنفس الطريقة التي سأله بها.


اقترب الشاب من جاد قليلاً وقال بصوت منخفض: حسناً، لقد قام أحد الشباب المقدسيين بطعن أحد الجنود طعنة قوية في أسفل رأسه وعلى ما يبدو فقد هرب إلى الحرم القدسي الشريف، ويبدو أن الجندي الآن يصارع الموت في المشفى، ويتوقعون أن عمر هذا الشاب يقع ما بين الثانية عشرة والسادسة عشرة، لذا تراهم يستوقفون كل من هو في هذا العمر.

• وماذا سيفعلون معنا الآن؟ سأل جاد.

• في الواقع لا أعلم، أعتقد أنهم سيحققون معنا، أجابه الشاب.

• كم عمرك ؟؟ سأله الشاب.

• ثلاثة عشرة عاماً. أجابه جاد.


التفت جاد باحثاً عن والده ليطمئن عليه، ويطمئنه على نفسه في الوقت نفسه، إلا أنه لم يره ولم يجده في هذا الزحام، شعر جاد عندها بالأسى لأجله، ألا يكفي والديه ما يعانيانه؟ ألا يكفيهما كل ما يحصل لهما بسبب هؤلاء الدخلاء الذين لا حق لهم في ذرة رمل من تراب من هذه الأرض؟ و على الرغم من ذلك فإنهم يتعسفون و يفرضون أنفسهم دوماً بالقوة، وليس هذا وحسب بل إنهم أيضاً يدَّعون كذباً وعدوناً بأن هذه الأرض لهم.


وأخذ يتخيل لو كان المطعون واحداً من المقدسيين، لكان خبر خير، ولكانت هناك أسباب وجيهة لا بد منها لطعنه فربما حاول الاعتداء عليهم -كما يدَّعون عادةً- أو ربما هدد أمنهم وسلامتهم، وربما كان إرهابي خطير لا مناص من ايقافه بغير هذه الطريق، حتى لو لم يكن في الحقيقة قد اقترف أي ذنب، لن يعدموا المبررات الوجيهة التي توجب قتله، ولرحمتهم به وإنسانيتهم طعنوه فقط ولم يقتلوه.


وماذا سيحصل بعد ذلك؟؟ لا شيء بكل بساطة، لا أحد سيسأل و لا أحد سيحاسب، فدماؤنا حلال عليهم... وأما دماؤهم فمقدسةُ وشديدة الحرمة!!!


استشاط جاد غضباً عنما فكر بكل هذا، ثم فكر بوالده ومدى قلقه عليه الآن؛ فأخذ غضبه يزداد حتى شعر بنفسه تغلي وتغلي وكأنه قنبلة موقوتة ستنفجر في أي لحظة... خلَّف ذلك في نفسه دوامةً من الغضب والألم والشعور بالظلم سرت بشراسة داخله، وضغطت عليه بقوة تصر على الخروج بأية طريقة، أيقن بأن مصيبة كبيرة ستحل، إن هو انصاع لهذه الدوامة.


أخرج أحد الجنود جاد من داخله عندما جذبه إلى الأمام وأمسك بذقنه ورفع رأسه للأعلى تجاه وجهه وسأله بعربيته الثقيلة: "كم عمرك ؟؟"


اغتاظ جاد من إمساك الجندي له بتلك الطريقة؛ فأبعد يده عنه بقوة وغضب شديدين.


• عندها ضحك الجندي بسخرية وقال مع ابتلاع بعض الأحرف: "جميل، ولد أخرق يحاول العبث معي! قلت لك كم عمرك، أجب بسرعة وكن ولداً مطيعاً ولا تسبب المشاكل وإلا عوقبت بشدة".


• ضحك الجندي ساخراً مرة أخرى ثم صرخ في جاد قائلا: " قلت كم عمرك ؟".

• " ثلاثة عشرة عاماً " قال جاد بعصبية وقد كتم غضبه قدر المستطاع.

• "- ...قذفه الجندي ببعض الكلمات القذرة وعاد يسأله: "ما اسمك؟"

• "- جاد " رد بامتعاض.

• "- لا لا، أريد الاسم الرباعي".

• "- جاد عادل أحمد العلمي" أظهر جاد ضجره.


•• صمت الجندي قليلاً ثم أشار بيده تجاه شخص لم يستطع جاد رؤيته ثم سأله: "هل ذلك الرجل والدك؟".

نظر جاد في الاتجاه الذي أشار إليه الجندي فرأى والده يرقب الموقف بقلق، فأجاب: "نعم، هذا والدي"، وقد شعر ببعض الراحة لرؤية والده، إلا أن غضبه لم يهدأ.


• "- لا، لا قل نعم سيدي".

فأجاب جاد بعصبيةٍ ظاهرة: "والله بُعْدَك".


فما كان من الجندي إلا أن لطم جاد على وجهه قائلاً بسخرية: أطع الأوامر وكن ولداً مهذباً، وإلا فأنت تعلم ما سيحدث!.


حدق جاد في العينين الزرقاوين اللتين تنظران إليه وهو يفكر كيف لهذا الأحمق الألثغ الذي لا يستطيع الكلام بالعربية بوضوح أن يسخر منه بهذه الطريقة! وقال في نفسه: لن أسمح له بذلك أبداً، فقال للجندي: "نجوم السماء أقرب إليك من ذلك".


قالها بإصرار مثبتاً نظره في عيني الجندي بقوة وصلابة، عندها جن جنون الجندي فأمسك جاد بقسوة ودفعه جانباً وقال:

• " أنت تريد المشاكل إذن... اطمئن لك ذلك".

وأشار الجندي لزميل آخر يقف بالقرب منه، إشارة ما، فما كان منه إلا أن جذب جاد بعنف بعيداً عن المجموعة.


راقب عادل الموقف من بعيد، والقلق يسيطر عليه مما قد يحدث، وعندما رأى ما حصل، همّ ليفاوض الجنود ويتفاهم معهم، إلا أن جندياً أوقفه قائلاً:

• " هل ذاك الولد ابنك؟"، ورفع الجندي يده مشيراً إلى جاد.

فأجاب الوالد: "نعم إنه ابني!!"

فقال الجندي بلهجة آمرة: عد إلى بيتك الآن، لأنه لن يعود معك".


• " لماذا؟ ماذا تريدون منه؟! لن أتحرك من دونه، أبداً لن أتحرك من هنا بدونه" قال الأب ذلك وأخذ صوته يعلو ويقترب من الصراخ.


• " اذهب من هنا، حالاً" قال الجندي آمراً عدل بلهجته العوجاء.


• " قلت لك بأنني لن أذهب من دون ابني" رد الأب بغضب.


• " إذاً سنرى إن كنت ستذهب أم لا"، وأشار الجندي إلى جنديين ضخمي الجثة يقفان جانباً، فأمسكا بوالد جاد بقوة وسحباه قسراً معهما، حاول أن يقاوم إلا أنهما كانا أقوى منه بكثير؛ فلم يتمكن من الإفلات منهما، حملاه وألقياه أرضاً في مكان يبعد قليلاً عن مسرح الأحداث... ووقفا يحرسان المكان لئلا يحاول العودة مرة أخرى.


• عاد الأب إلى المنزل يتملكه الحزن والأسى وكأن، الدنيا قد ألقت بثقلها على ظهره... يتساءل في نفسه عن مصير جاد وإن كانوا سيؤذونه أم لا، وهل سيعود إلى البيت عما قريب، وماذا سيقول لزوجته وكيف سيخبرها بما حدث، وقف في باب البيت حائراً شارد الذهن، لا يستطيع إيجاد طريق للخروج من هذه المتاهة...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة