• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

انصرفوا في صمت (قصة قصيرة)

انصرفوا في صمت (قصة قصيرة)
سواري العروسي


تاريخ الإضافة: 24/8/2015 ميلادي - 9/11/1436 هجري

الزيارات: 5416

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

انصرفوا في صمت

 

هأنذا محمول على الأكتاف، ليس كما جرت العادة في السياسة إلى البرلمان، بل ربما إلى جهنم هذه المرة، وأنا بالعلم التام الذي لا يأتيه الشك من أي فجٍّ، لم أكن لا على هدى من ربي، ولا على طريق الحق، كنت زائغًا كنظرائي أجمعين، إن لم يغفر لنا ربنا، فسنكون لا ريب من الخاسرين.

 

شهد شاهدون من أهلي والمقربين أنه قبل أن يضعوني على سرير رحلتي، غسلوا جسدي بماء دافئ، وطلَوْه بالصابون، وهم يفعلون ذلك، زال البعض من أوساخ جلدتي، لكنهم لم يستطيعوا النفاذ إلى الأوساخ التي جمعها لساني وقلبي ونفسي، إنني لست بحاجة لأؤكد لكم أنني سودتها مع العباد قبل خالقي، ولن تجدوني أبيضَ ناصعًا، أفعالي وضعف إيماني لازمني طيلة حياتي، أنا أعترف لكم أن رأسي لم يكن مملوءًا إلا ببرامج مصالحي ومصالح أتباعي، كنت كريمًا مع بعض هؤلاء، على الأقل مع أصحابي وأقربائي.

 

ولأنني كنت أدعي أنني مسلم بالوراثة، صلَّوْا علَيَّ صلاة الغائب، وقد أعلنوا للملأ أنني مت وانتهيت، نعم انتهيت ولم يعد لي وجود بين أحبائي، هذا ما تمنَّاه لي خصومي، أنا الذي كنت قويًّا أملأ الدنيا، وتاريخي حافل بكل شيء، صرت لا شيء، مُحيت وبُدِّدت سريعًا كما تمحى وتُبدَّد أكوام الغيوم البيضاء السابحة في السماء.

 

كنت كأموات المسلمين ملفوفًا بالأبيض، ممددًا فوق سرير رحلتي المزين بأغطية مزركشة بالأحمر والأصفر، في طريقهم إلى عتبة جهنم، مأْواي الجديد، تناوبت الأكتاف على حملي إلى حفرة لا تلائم ما كنت أحظى به من قيمة عند الناس فوق الأرض، لا أخفي عليكم أنني كنت دومًا ثقيل الظل على أغلبيتهم قبل فراقي لهم، كنت فظًّا، وانفضوا من حولي شيئًا فشيئًا، إلى أن أصبحوا على عجل من أمر إخفاء وجودي من حياتهم، كنت أشعر بهذا، ولم أكن أنوي أن تكون نهايتي سريعة هكذا، نهايتي حزينة، وقد كنت عند بداياتي في أوج عطائي، حتى وإن كنت حملًا ثقيلًا عليهم، كانوا مزهوين لا بد لهم من الصبر لبلوغهم بي باب جهنم.

 

الحياة، آه منك يا حياة، تخليت عني بشكل لا أكاد أصدقه، الشيء الذي لم أفهمه وأنا على قيدك هو ذاك التخلي السريع والمفاجئ عني، كنت منحازة إليَّ بكل تفاصيلك، عشقت فيك المال والسلطة، أليس هذا هو ما يبحث عنه البشر؟!كنت أعيش العيش الرغيد ولا أكترث من أقوال الحاسدين، فما السبب الذي جعلك تُوقِّعين مع الموت على عدم وجودي؟

 

آه منك يا حياة، حتى وأنت تعرفين كل المعرفة أنني لم أنجب ولم أخلف، انسحبت مني وسلمت روحي وجسدي للموت، ليس فداءً لأحد، وإنما رغمًا عني.

 

عشقك أعمى بصيرتي أيتها الحياة.

أنت من ألَّف بين قلبي وقلب عشيرتي وأتباعي.

عشقك أنساني الشيخوخة وهي تدب بين أضلعي، نسيت أن أبدية الأحوال من المحال.

أقول عنك: خائنة، نعم أنت خائنة يا حياة.

مجرد أضغاث أحلام أنت.

كانوا يسيرون بثقلي وأنا أهذي.

 

الجمع السائر بتثاقل اكتسى الأبيض كسرب من طير البلشون (بلارج)، كانوا يبدون قلقين ومبعثرين كبرلمانيين مستنفرين في يوم جمعة.

 

عند نهاية الطريق إلى القبر المحفور حديثًا، توقفت الجنازة أمام ترحيب بعض الكلاب المنبوذة التي كانت تنبح بشراسة، وتهدد بمهاجمتها، كانت مكشرة عن أنيابها، والرغوة تسيل من أفواهها، بعد هنيهة هدأت ولم تعد مهتمة بما فيه الكفاية، حدرت أنوفها نحو الأرض، واستسلمت للصمت، توارت إلى الوراء، واختفت بين شواهد القبور، انفتح الطريق أمام الجمع الذي تقدم نحو القبر، همس أحدهم في أذن رفيقه:

• لقد تفشى المرض في جسم المحمول في السنوات الأخيرة.

• لقد عاش أكثر مما ينبغي له أن يعيش، ومع ذلك تمنى لو طال عمره أكثر.

• يظهر من كلامك أنك حاقد على المحمول، بالرغم من أنك كنت من أتباعه!

• لقد كنت أنا وأنت من المنجرين وراءه كما تنجر العربة وراء الحمار.

• عفا الله عما سلف.

• ألم تستفد من وجوده؟!

• أبدًا، بل هو الذي استفاد من تبعيتي له، وهل استفدت أنت؟

• في الحقيقة، كلنا في الهوى سَوَا، ولكن اذكروا موتاكم بخير.

• على كل حال يرحم الله الجميع.

• في نهاية الأمر لم يخلف ولم يأخذ من الأرزاق شيئًا!

• وهو كذلك!

 

كان هذا الكلام يشي أن الناس لم تكن تحبني.

 

أرقدوني في الحفرة التي ذكرت، وضعوا فوقي ركامًا من التراب، يا حسرتاه عليك أيها الحزب العتيد، كم جمعت من الناس! وكم هم من خدمت مصالحهم! تركت الساحة فارغة، كل شيء أصبح من الماضي، بدأ جسدي يتعفن، نبع منه الدود الذي سينخره إلى أن يختفي، أما عظامي فستبيض وتتهشم وتتحول إلى تراب يسكن قبري.

 

انصرفوا في صمت.


• من أنت؟

• أنا مؤسس ورمز حزب، بل أنا الحزب الذي كان بلحمه ودمه... تركت مجموعة من الشركات والعقارات، منها: العمارات والفيلات، مفتوحة، لدي مجموعة من الحسابات البنكية، إن فراق أحصنتي وأبقاري وأغنامي شيء صعب علي، أنا الآن في قبري، ألست ثابتًا؟!

 

من.. ن.. ن، يكلمني؟!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة