• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

مذاقات خاصة (قصة)

د. شادن شاهين


تاريخ الإضافة: 1/6/2015 ميلادي - 13/8/1436 هجري

الزيارات: 3501

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مذاقاتٌ خاصة


عندما كنتُ طفلاً في الثامنة، اجتمعَ عليَّ أطفالُ الحي يومًا فأوسعوني ضربًا، حين حاولتُ الاستيلاءَ على كرةِ أحدهم، يومها عدتُ إلى أمي ممزَّقة ملابسي، مُزخرفًا وجهي بشتى أنواع الإصابات.

 

دخلتُ عليها منتفخَ الأوداج، مخبِّئًا آلامي الشديدةَ بين ضلوعي، مختلقًا قصةً وهميةً عن بطولاتي في الحي، وكيف أنَّ سببَ المعركة كان دفاعي عن طفلةٍ حاول أحدُهم إيذاءها، وكيف أنني تصديتُ وحدي لأربعةِ أطفال، فأسقطتهم الواحدَ تلو الآخر، بينما تَحتمي بظهري الطفلةُ الجميلة.

 

كنت أستمتعُ بشدةٍ بنظراتِ الانبهار في عينِ أمي، وشعرتُ أنني فارسٌ من الفوارس حين ربتتْ على ظهري مشجِّعةً، وحكتِ القصةَ لجارتنا وعيناها ملآنتان فخرًا.

 

مرت السُّنون، وظلَّت حكايتي تترددُ في العائلة، تُعيدها أمي في كل مناسبة، بينما أسوِّي أنا ياقة قميصي في عدم مبالاة، وأتظاهَرُ بالانشغال بشيءٍ أهم.

 

وفي العام الذي أعلنتُ فيه خطبتي على زميلتي في العمل، شاءت الأقدارُ أن تمنحَني الفرصةَ لأكون بطلاً مرةً أخرى.

 

يومها كنتُ متجهًا بسيارتي لمنزلِ عروسي، فكادت سيارةٌ أن تلتحمَ بسيارتي في اصطدامٍ مُروِّع، نزلتُ من السيارة، فوجدتُ فتاةً لا يبدو على جمالِها الخارقِ أنه أرضيٌّ، قد نزلتْ مذعورةً من سيارتها، لم أستطع منعَ نفسي من مغازلتِها بشكلٍ مباشر، لكني للأسف لم ألحظْ أن ثورًا جالسًا على المقعَد الأمامي في سيارتها، في الحقيقة لم أجد فرصةً للتراجُع أو الاعتذار، فقد أحالني في دقيقتين إلى كومةٍ من العظامِ واللحم المفري.

 

عندما هُرِعتْ إليَّ عروسي في المشفى، كان بانتظارها قصةٌ محبوكةٌ مطوَّلةٌ عن بطولتي في إنقاذِ عجوزٍ حاصرَه عددٌ مِن المُسلَّحين، ولم تلبثِ القصةُ أنِ انتشرت وتناقلتها عائلةُ عروسي بالكامل، وامتلأتْ حُجرتي بباقاتِ الورد، التي ذُيِّلت بطاقاتُها جميعًا بكلمةٍ واحدةٍ: "إلى البطل".

 

لم تكن هذه آخرَ حكاياتي؛ فقد راقني أنْ أحظى ببطولاتٍ غير مدفوعةِ الثمن، ولم أعدْ أتخيلُ نفسي أبدًا رجلاً عاديًّا.

 

لكن حين هاجمتِ البلادَ جيوشُ العدوِّ، وجاءني استدعاءٌ طارئٌ من الجيش، حاصرتني نظراتُ العائلةِ كلها، كبطلٍ يُعلِّق عليه الجميعُ أمانيهم، كانت نظراتهم تنهال عليَّ سهامًا مسمومة.

 

قضيتُ الليلة كلها وعيناي معلَّقتان بالظلام، تبحث عن مخرَج فلا تجد، فأنا - في الحقيقة - أكرهُ أنْ أُخاطر بحياتي مِن أجْل الآخَرين.

 

في الصباح، فتحتْ زوجتي عينيها وتثاءبت في كسل، قائلةً: "صباح الخير يا بطل"، شعرتُ باختناقٍ شديد، يبدو أنَّ الأمر قد خرَج عن السيطرة، لم يعد لديَّ الخيار، نهضتُ، أعددتُ نفسي، وتوجهتُ من فوري لتسليم نفسي كعسكري في الجيش.

 

وفي ساحة المعركة، تعلمتُ من جديد أبجديات الحياة، وعرفتُ كم كنتُ فارغًا، لا أُحسن تأليف حكايات البطولة، عندما صار الموتُ شيئًا اعتياديًّا، نراه كل يوم، ثم نَقبضُ باستماتةٍ على أسلحتِنا، ونتجاهَل أشباحَ الخوف ومراراتِ الانتظار.

 

كنت أرقدُ على بطني في ساحة الحرب، مُخبّئًا في جيب سُترتي كل أسرار بطولاتي القديمة، ترتعش أناملي على الزناد، وفي صدري قلبُ فأر مذعور، أرقبُ القذائف البعيدة مِن خلال دموعي، وأتعلَّق بأستار الحياة، كلما دوَّت قُنبلة تفجَّر حلم من أحلامي، والبقية تُحتضَر.

 

انتهت المعركة، وعدتُ سالمًا - على غير ما توقَّعت - خالٍ قلبي مِن فرحة النجاة، حاملاً معي تذكارًا بسيطًا، ذراعًا مَبتورًا، ولأول مرة لا أطيق سماع حكايةِ بطولتي، رغم أنها الوحيدةُ الحقيقية.

 

مرت السنون الطويلة، ولا زالت مشكلتي، هي تلك المرارةُ التي لا تفارق حلْقي، بعد أن ذقتُ أخيرًا الثمنَ الذي يَدفعه البطل؛ كي يَحظى باللقب.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة