• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

بكر في المحروسة

فاتن فاروق


تاريخ الإضافة: 24/11/2009 ميلادي - 7/12/1430 هجري

الزيارات: 5580

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
في ستِّينيات القرن الماضي، حَضَر "بَكْر" من قريته إلى القاهرة، طالبًا بالأزهر.
 
أقامَ في حُجرة بحي الحسين، كانت سعادتُه بالغةً وهو يسير في الشارع بزيِّه الأزهري، وتبلغ قمتَها إذا ناداه أحدُهم بمولانا، أو لاقى التبجيلَ والترحيب؛ لأنَّه الأزهري، فيُقبِل على دروسه في أمَّهات الكتب ينهل دونَ شبع؛ حتى لا تنزويَ عنه هذه المكانة، خاصَّة وأهل قريته ينظرون إليه بالإعجاب، ويرَوْنه الشيخَ الطليعة، والنبتَ الطيِّب الوليد.

يجلس بين كُتبِه وأوراقه، يحفظ ويعلو صوتُه، يتضايق رفيقاه النائمانِ لبعض الوقت، يَعِدُهما بتخفيض صوتِه دقائق، ويعود صوته جهوريًّا مرَّة أخرى، فيزداد تبرمُهما أكثرَ وأكثرَ، فيخرج إلى الشرفة حتى يبتعدَ عنهما، ويحفظ أثناء سيرِه جيئةً وذَهابًا، وكانت طريقة مثالية؛ لكونها أبعدتْه عن رفيقيه، والهواء يداعب جلبابه مخترقًا رئتيه، وعمومَ أعضائه، فيشعر بالانتعاش الذي يَزيد من حماسه في إقباله على دروسه.

في الشُّرفة المقابلة وقفتْ فتاة تتطلَّع إليه خلسةً، ولكنَّه لَمَحها فحرَّكتْ مكنونَه، خاصَّة وأنها جميلةُ الملامح، ذات شعر بُنيٍّ مموَّج، ينسدل على كتفيها بأريحية، وعيونها نجلاوين، ترتدي (فستانًا) منزوعَ الأكمام، مبديًا جِيدَها ونَحْرَها، ومَفْرقَ نهديها المتكورَين، تلتفتُ وتواصل سيرَها إلى داخل البيت، تسير الهُوينَى عامدةً؛ لتُظهِرَ قوامًا منسقًا جميلاً، وساقين ملتفَّتين، مُتقنتَا الصنع!

وقف يرنو إليها، وقد بدتْ كتمثال بشري يُؤسَر الناظرُ إليه، وقف لا يُبدي حراكًا، كأنَّما دُقَّ في الأرض، تتوقَّف قليلاً، وتلتفت تنظر إليه لتتوثَّق من تأثيرها عليه، فتنبئها ظواهرُه عمَّا اعتراه، فتبتسم، ثم تواصل السير، وقد خلف بداخلها ارتياحًا يُرضِي غرورَ الأنثى.

يَقتحم أُذنيه صوتُ بائِع الترمس، فتدبُّ الحياة في التِّمثال، ويعود للسير جيئةً وذَهابًا، ممسكًا الكتاب بين يديه، يُذاكر ويحفظ، ولكنَّها نالتْ من ثباته واستقرارِه، فأصبح مِن آنٍ لآخرَ ينظر إلى شُرفتِها، علَّها تعود للظهور مرَّة أخرى، فإنْ رأى طَيفَها من داخل شقَّتها وخَزَتْه سعادة لثوان، فإن استبدل الطيف بحضور كامِل منها غمرتْه السعادة لوقت غير قليل، وهكذا بدَأ يَنسِج بينهما خيوطًا ملموسة غير محسوسة، تُبرَم المواعيد والأوقات التي يستطيعَا منها التلاقي بالعيون من دون حوارٍ، أو لقاء مادي.

الأيَّام تتلو بعضَها، والسِّنون، وتكبر الشتلةُ فتصبح شجرةً، وفي كلِّ يوم يحلم باليوم الذي يقترن بها فيه، وكلما استشعرتْ وأدركتْ بنموِّ مكانتها بداخله، كلما اطمأنتْ بقُرْب النهاية المحتومة.

تخرَّج وعُيِّن معيدًا، وأورق حلمُه بالزواج منها، فلم يجد بُدًّا من التصريح لآله برغبته فيها، فارتأَوْا أنَّ خيرًا له أن يقترن بواحدة من قريته، تربَّتْ بين أيديهم، ونبتتْ تحت عيونهم، ولكنَّهم في نهاية الأمر أذعنوا لرغبته، وحضر والداه وأعمامُه إلى بيت فتاتِه لخطبتها، فقوبل بالإيجاب والترحيب، وتبارتِ الألسن في تقديم آياتِ التبارك والتهاني بهذا الزواج، وهدأ قلْبُ "بكر" الذي - أخيرًا - فاز بمَن اختار.

وفي يومِ الزِّفاف حضر "بكر" وآلُه ما بين رِجال بـ"بدلات" عصرية، وآخرين بعمائم و"جلابيب"، وشوارب مفتولة، ونساء بملابس عصريَّة، وأخريات بـ"الملس".

عُلِّقت الزينات على بيْت العروس، وامتدتْ بطول الشارع، وأُقِيمت الولائم، وصُدِحت أصوات الأغاني والزغاريد، وفي نهاية اليوم زفتْهم العوالِم إلى بيتهما، الذي علاَ بيتَ أسرتها.

رنا بكر لعروسه المدثَّرة بثوب الزِّفاف، يُمنِّي نفسَه بهناءة البال، واستقرار الحال، وسعادة مقيمة، وبدأ اللحظاتِ الأولى من حياته بالحبِّ الأثير، وكلمات من الغزل الصريح، يبثُّها شوقه إليها منذ أن رآها، وتطلُّعه الدائم لذلك اليوم، وبادلتْه الحبَّ بحبٍّ أشد، فهمَّ "بكر" بإزالة المانع البيولوجي؛ ليغترفَا معًا مِن ينابيع السعادة والإقامة في جنانها.

لحظات، يُجدِّد المحاولةَ، فيتأكَّد له الانطباعُ الأوَّل الذي تحوَّل إلى حقيقة كاملة، فقد سَبَقه آخرُ بإزالة هذا العائق، فلم يكن هو رُجلَها الأول، فشملتْه كُدرةٌ مقيمة، وتبدَّلت أحوالُه من النقيض إلى النقيض، فانكفأ أربدَ الوجه، مُكدَّر السريرة، ولَمَّا عاتبها لأنها أخفتْ عنه، قالت: إنَّها كانت تظنُّ أن حبَّه لها سيغفر لها خطيئتَها، فتصاعدت ألْسِنة اللَّهبِ من رأسه، ووجد جسدَه محاطًا بنار، فخرج إلى الشُّرفة الثانية بعدَ منتصف الليل، ورغب في أن يستيقظ أهالي المحروسة؛ ليعزُّوه في مُصابِه الأليم، فنادَى بأعلى صوته: يا أهالي المحروسة، الْحقوا بَكْرًا!!




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
5- يعطيكي العافيه
حماده - الكويت 15-01-2012 10:30 AM

أسلوب جميل ويداعب الخيال
الكاتبه متأثره بعض الشئ بنتاج نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ويظهره البعد المكاني والتفصيلي لحي الحسين وطالب الأزهر (المحروسة)+الوصف الجسدي الدي يحمل إسقاطات مرحلة زمنيهلم يسع لعمر الكاتبه أن تعايشها إلا من النتاج الأدبي لكتاب هده الفترة.
-تعكس الكاتبه التناقض المتأصل في الشخصيه المصرية
علي مستوي الديني وهالة البكرية

وفقك الله يا أستاذة

4- وفقك الله ورعاك
يمنى الحسينى - الامارات 05-01-2010 07:44 AM
جميلة جدا بس مع تحفّظي على الوصف الجسدي
وربنا يوفقك وأقرأ لك المزيد والمزيد
3- الى الامام
ندى - مصر 11-12-2009 11:57 PM
نتوقع للاستاذة الكاتبة فاتن فاروق مستقبل باهر والى الامام دوما
2- قصة جميلة
IBRAHIM EL SHAFEY - EGYPT 05-12-2009 11:47 AM
قصة جميلة يا أستاذة فاتن فاروق، هذه القصة التي كتبتها تطوي الأيام طيا.

نتوقع لكِ مستقبلا كريما وكبيرا في عالم الكتابة الأدبية

وفقك الله
1- الى الافضل دائما
إيناس محمود عبد المؤمن - المنصورة 29-11-2009 03:58 PM
الى الاستاذة الكاتبة إلى الافضل دائما.
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة