• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

الغروب ( قصة قصيرة )

د. غادة نصار


تاريخ الإضافة: 9/12/2014 ميلادي - 16/2/1436 هجري

الزيارات: 15172

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الغروب


عاشت عمرَها تعشق تلك اللحظات التي يتبدل فيها حال الكون، حين ينبجسُ الشفق من عتو الليل، وحين ينزف النهار وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، فتنسكب دماؤه على صفحة السماء، فتختلط بجدائل الشمس الذهبية العتيقة.

ربما كانت الوحيدة بين قريناتها التي ترى في الغروب أملاً، وأي أمل أن تتملكك فكرة أنْ لا شيءَ يدوم، ولا حالَ يستمر؟!فكرة التبدل وانعدام الاستمرارية وحدها كانت كفيلة بهذا القَدْر من السلام النفسي الذي عاشته عمرًا راضية مثابرة، آملة طامحة.


ولكن تلك العاشقة لغروب الشمس، الراسخة بنفسها فكرةُ الزوال، لم تكن تعلم أن ثمة زوالاً من نوع آخر ستلاقيه وتشهده، ليس مراقبة عن بعد ولا عن قرب، بل معايشةً وامتزاجًا بينَها وبينه، فكأنَّها والزوالَ زوالٌ.

امتزاج اختارته طوعًا، حين علمت أن ذاك المرض المميت يزحف في جسد أقرب من لها؛ أبيها، وحينها قررت حرة اليدين والإرادة أن تكبل نفسها بأصفاد الكتمان.

كانت كلماتُ البوحِ ثقلاً جاثمًا على صدرِها، حملته وصعِدت كصعود سيزيف لجبل الأولمب، ولكن صعودها كان على جبل الآلام، ورغم علمها أنها عند قمة الجبل سترمي الثقل ليهوي من بين يديها فيتفتت، اختارت القيد والثقل والآلام طوعًا، طالما أن ثقل الفجيعة حين يتناثر سيكون أبوها في عالم آخر، فلن يصيبه منها نقير.

ما أعجبَكِ يا نفسي! عاشقة الشفق والغسق، فيلسوفة التحول، اعتقدت بتبدل كل حال، وغروب كل شمس، إلا شمس عمرها.

هكذا رددَت لنفسها وهي تتأملُ وجهَه المُغطى بالتجاعيد، ويديه المرتعشتين من جرَّاء انتهاك المرض لحرمة عصبيهما ولحميهما، يدان طالما كدَّا وتعبا من أجلها، وطالما تناستهما فلا تذكر متى كانت آخر مرة حين انهالت عليهما تقبيلاً.

كانت كل مرة حين يهاجمه المرض، وتنهال سياطه على جسده، وتنساب توسلاته الحيرى لها؛ لتكشف له حقيقة مرضه، تضمه لصدرها، وتحاول أن تبعث في أوصاله أمانًا زائفًا، تفتقر إليه.

كانت كورقة شجر ترى فأس الحطَّاب ينهال على جذع أمها الشجرة، تزداد تشبثًا بأفرعها، ولكن انهيال الفأس وإصرار الحطاب ينبئانها أن الفراق قادم لا محالة.

وذات غسق، وبينما دموع النهار النازفة تجتاح جدائل الشمس، كان غسقٌ من نوع آخر تواجهه وحدها، غسق حياته وحياتها.

كانت الدماء الجارية مع تقيؤاته تنبئُها أن الغروب قد حان، حاولت أن تفعل شيئًا، ولكن هل يملك متأملٌ للغروب العودةَ بمسار الشمس قليلاً ليطول الغسق؟!

وحينها علمت أن الفلسفة أحيانًا تكون تأمل العاجز عن التدخل، وقفت عاجزة لا تملك من الأمر شيئًا، ترقب غروبه في صمت، وهنا علا رنين الهاتف، ومنه انبعث صوت أختها تطمئِنُّ على الأب.

نظرة واحدة من نافذة الحجرة إلى عتمة الكون، كانت كفيلة أن تجعلها تقرر أن تحمل الثقل لسويعات أخرى، وأخيرة.

ردَّتْ: لا تقلقي، لا تأتي من بلدتك في الظلام، اجعلي ذلك عند الفجر.

حاولت أختها الاستفسار أكثر، جرت دموعها صامتة، وهي تنظر لجذعها المتيبس الراقد بسكون على سريره، وشعرت بوريقات نفسها تتطاير فزعًا عقب اقتلاعها من الجذور.


علا صوت الأخت أكثر بالاستفسار، استجمعت قُواها، ولملمت شعث نفسها، وقالت: عند الفجر نتحدث، أما الآن فدعيني بنشوتي، كنت منذ لحظات أراقب غروبًا ليس كأيِّ غروب.

بينما صوت أختها يتهمها ببرود الأعصاب، أغلقَت الهاتف، نظرت إلى جسد أبيها، وكطفلة خائفة نامتْ بجواره ملتصقة بجسده، واحتضنت ذراعه، وهي تعلم أن الورقة الحيرى ما عاد لها جذع في هذه الدنيا، وأن هذا الغروب لن يعقبه شروق في دنيانا أبدًا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة