• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

ليلة صيف

آلاء غنيم


تاريخ الإضافة: 22/10/2009 ميلادي - 4/11/1430 هجري

الزيارات: 6859

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ليلة صيف

المكان: بوابة متحف الجامع في قرطبة.

الزمان: ليلة صيف من هذا الزمن.
جورج، ستبدأ أولى نوبات حراستك الآن لهذا المتحف.
هكذا خاطبه رئيسه المباشر، كان للتوِّ قد بدأ عمله الجديد في حراسة المتحف.
هو حارس من أكفأ الحراس المعروفين، يَقِظ، متنبه دائمًا، نشيط، عاقل؛ تلك كانت أبرز صفات صاحبنا (جورج إسترادا) حارس الجامع.
بدأ الحراسة في تمام الثانية عشرة، نوبته ستنتهي في السادسة صباحًا، جهز نفسه: أقداح القهوة، ورواية لشكسبير، كانت رواية "عطيل".
بعد قليل انتهى من قراءة فصلين منها، فالتقط جهازه الآي بود الذي حمل له أشهر أغاني مطربه المفضل، وبدأ يتمشى بين جدران الجامع.
الممرَّات الطويلة، النقوش البارزة، الجمال الباهر الذي تحمله كل أعمدة وأسقف الجامع، كل شيء جميل، راقٍ، وزاد من جمال الجامع تلك الإضاءة الخافتة للممرَّات.. هكذا إذن كانت ليلة هادئة ساكنة.
ولكن، هل نظن أن الجامع ساكن لا يتحرك، لا يتنفس، لا يشتاق؟
اشتاق الجامع ليلتها إلى استعادة ذكرياته مع أحبابه القدامى، كانت تلك وسيلة الجامع لإعادة ذلك الحب القديم.
كل الحراس السابقين لم يكونوا على تلك الدرجة من النقاء والصفاء الذى يؤهلهم لرؤية ما يحدث: كيف يعيد الجامع ذكرياته؟ أما جورج فقد كان صافيًا، نقى القلب، يؤمن بالرب إيمانًا صادقًا، ولم تلوث نفسه هواجس الكنيسة.
وفى وسط الجامع فتحت نافذة الزمن، إلى هناك، إلى ذلك العصر القديم.
هناك كان عبدالرحمن القرطبي - أحد تلامذة الإمام القرطبي - كان الجامع يحب استعادة هذا المشهد كثيرًا.
عبدالرحمن يضيء أحد مصابيح الجامع ليجلس تحت سارية من سواريه، كان يعيد قراءة ما كتبه وما تدارسه مع شيخه، في الثلث الأخير من الليل، ويكتب بعض الحواشي على كتابته، كان الدرس في التفسير.
كان عبدالرحمن في العشرين من عمره، كعمر جورج تمامًا، ظلَّ يقرأ ويكتب ويتدارس، وللحظة نظر إلى محراب الجامع، كان جورج يتمشى حينها والتقت عينا عبدالرحمن بعيني جورج.
هتف جورج: مَن هناك؟ وأتى إلى المنتصف.
عبدالرحمن ساكن تمامًا وهادئ.
جورج: لم يسمعني! مَن هذا؟!
تأمَّل لباس الجالس: عمامة سوداء، وعباءة زرقاء، الأوراق بين يديه، قلم البوص، السراج الزيتي.
اقترب أكثر، لا يستطيع عبدالرحمن أن يسمعه ولا أن يراه، زادت حيرته حينما قام عبدالرحمن وتأهَّب للصلاة.
بدأ يدعو الله: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب"، باللغة العربية.
لكن، بما أنها ليلة مختلفة؛ فلماذا لا يفهم جورج مقصود ومعنى كلام عبدالرحمن؟ وهذا ما حدث، لقد فهم الكلمات؛ إنه يدعو الرب؛ لكي يبعده عن الخطايا.
ثم كبر: الله أكبر.. شرع في قراءة الفاتحة بصوتٍ خافت، وقراءة خاشعة، وصوت لا مثيل له في الحسن، وبدأ يقرأ، استفتح سورة مريم، إلى أن وصل إلى قوله - جل وعلا -: ﴿ ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ﴾ [مريم: 34].
زاد الكلام من انتباه جورج، ثم أتى شخصٌ آخر من باب الجامع، كبير تبدو عليه آثار المهابة، يرتدي لباسًا شبيهًا بلباس المصلي. ظل الرجل واقفًا يستمع إلى قراءة عبدالرحمن.
في الركعة الثانية بكى عند قوله - تعالى -: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ﴾ [مريم: 88- 89]، وزاد بكاؤه وانتفض، وقليلاً قليلاً هدأ، وأنهى صلاته.
فوجئ بيد الرجل الآخر على كتفه، عبدالرحمن، سبقتني إلى الجامع كعادتك.
قال عبدالرحمن : منذ متى أنت هنا يا شيخي؟
ابتسم وقال: الساعةَ جئت، لم أدرك قراءتك - وعنى بها قراءته في الفاتحة.
ابتسم عبدالرحمن وقال : والله يا سيدي لم يدعني صوت الوليد للدراسة، فما أن سكتُّ واستقرَّ حتى قلت لوالدته: إنني سأذهب للجامع.
ضحك الشيخ وقال: غدًا يوم سابعه، أليس كذلك؟
قال: نعم.
سأله: وماذا ستسميه؟
قال: محمد؛ أمه اقترحت هذا الاسم.
قال الشيخ: أحسَنَت يا بني، هذا من الإحسان للأهل؛ أن تسايرها في مرضاتها إذا كانت مرضاة لله.
كل هذا وجورج واقف، صامت، ربما حتى لا يعي حقيقة ما يراه، وهنا أدرك الجامع أنه يرى كل ما يحدث، فأقفل النافذة، ولم يكتمل المشهد.
هتف جورج: لا، انتظرا، أريد أن أسئلكما سؤالاً.
قالت: "لا غالب إلا الله" للمحراب: لماذا لا ندعه يكمل المشهد؟ على الأقل حتى تنتهي صلاة الفجر.
قال المحراب: لا، نختبره أوَّلاً ثم إذا تبين أنه لم يخبر أحدًا أكملنا المشهد أمامه، عجيب أنه ما زالت هناك نفوس من بني البشر بهذا الصفاء، سبحان الله!
قال: "لا غالب إلا الله": وإن أخبر أحدًا فستكون هذه مجرَّد خيالات رآها في ليلة صيف، لن يصدقها أحد.
ظل جورج يفكِّر بقية نوبته، ماذا رأيت؟ أهم أولئك المسلمين الذين كانوا هنا فيما مضى؟ وما الذي أتى بهم؟ لكنهم لم يروني، يا إلهي، ما الذي يحدث لي؟!
أحقًّا ما رأيته؟
ما أجملَ صوتَ ذلك الرجل وهو يتحدث عن السيدة العذراء، والمسيح عيسى ابن مريم كما قرأه ذلك الشاب!
أنَّت رأسه من الأسئلة، قبل أن تنتهي نوبته جثا على ركبتيه باتجاه المحراب: إلهي، أعلم أنك موجود وتسمعني، أريد حلاًّ لأسئلتي، لا بد من حل.
في الصباح وفى الجامع كان جورج على حالة من الشرود، لم يعهدوها عنه أبدًا.
عاد في الظهر إلى منزله، نام إلى بعد المغرب بقليل، ثم قام ليطالع دروسه، كان يدرس التاريخ الموريسكي - تاريخ العرب الأندلسيين، وكان مجدًّا في دراسته، يعمل ويدرس في آن واحد.
عندما أنهى دراسته قام إلى الجامع حيث يعمل، وانتظر حتى حل الموعد الذى فتحت فيه النافذة بالأمس، تطلَّع في ترقُّب وقلق لنفس المكان الذي كان يجلس فيه عبدالرحمن.
قالت: "لا غالب إلا الله" للمحراب: يبدو أنه لم يخبر أحدًا، لماذا لا نفتح النافذة الآن، اشتقت إلى قراءة عبدالرحمن.
على مدى شهر كامل رأى جورج نماذج العلم والورع الأندلسي، تطوف أرواحهم بالمسجد الذي كانت نفوسهم معلقة به، رأى عبدالرحمن، وعلي، وجمال الدين، رأى الأبيض، والأسود.
رأى كل هؤلاء، تدعوه أرواحهم جميعها إلى لحظة لقيا، لحظة اجتماع.
قرطبة في القرن الخامس الهجري.
عبدالرحمن يدخل إلى المسجد، وقد أكمل وليده ستة أيام منذ ولد، أوراقه على يديه، وعلمه في قلبه.
وفي ناحية من نواحي المسجد المعمور بالإيمان، جلس شاب أزرق العينين، أشقر، اسمه مسلم القرطبي، كان اسمه فيما مضى (جورج إسترادا)، جلس يقرأ القرآن في خفوت.. ابتسم له عبدالرحمن، وبدأ يتدارس ما تعلمه من شيخه القرطبي.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- الروايات الغربية
شروق - السعودية 20/03/2014 04:19 PM

نظرت في بعض الروايات الغربية فرأيت أن أصحابها يكتبون عن دينهم فيها, فمع كثرة قراءتها يصبح في النفس شيءٌ من التبلد وعدم الغضب عند قراءة الأشياء السيئة, ولأنهم ليسوا متأدبين بأدآب الدين يضعون الأخطاء كأمورٌ يومية مثل اتخاذ الأخدان لذلك من الأفضل ترك كتابة اسم الروايات الغربية فإن أحدًا قد ياخذ الاسم فيبحث عنها ويقرأها ويتأثر بما فيها.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة