• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

وكانت النهاية

صافية دراجي


تاريخ الإضافة: 27/6/2013 ميلادي - 18/8/1434 هجري

الزيارات: 5227

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وكانت النهاية


هكذا هي الأشياء الجميلة.. تأتي دون استئذان، وترحل دون وداعٍ.


لم تجد غير حليمة لتبوحَ لها بما يحتوي كيانها من هوى طرق الباب دون إذنها.

 

جلستْ على بساط الفرح والبُشرى تسردُ نشوة السرور.. كانت تتحدَّث بلغة راقية، تختار الألفاظ التي تعبِّر لها بصدقٍ عن وعدِها الجميل، عن نبض قلبها الجديد، صورة لآمالها وغدها.. رأته في أحلامها بعينينِ تقولان صمتًا عن قصة جميلة وغد جميل، وآمال جديدة رسمتها لغدٍ مزهر.. معه تتقاسم طعم رياض فيحاء في ظلِّ كون كبير سيحتويهما وحدَهما.

 

باحَت لها بحبها له.. أعلمتها بأنها ترى في عينيه شيئًا.. وَهَج صامت يُقسِم على لغة الصدق والود والحب.. استنجدَت بها لتحميَها من فيض مشاعرِها الغزيرة التي لا تعرف أن تطأ على ساحل.. لا تعرف أن ترسوَ.. عمرًا كبيرًا قَضَتْه في الأمل.

 

هل تُرى تشكُّ في صدق عزمه؟

هل تُرى فعلاً كانت هوايتُه غرسَ سكاكين الألم في أفئدة تتوهَّج أحلامًا؟

هل تُرى عُقْدته كعُقَد الرجال التي لا تنتهي، انتصارُهم الأعظم حين يرشقون قلوبًا ضعيفة بسهامهم، ثم يرحلون نحو أُفُقٍ آخر، لا يرون فيه إلا أنفسهم وشباكهم التي تمتلئ بقلوب تنزف للنزيف الواحد ألفَ نزيف ونزيف.. وتبكي في الليلة الظلماء إن افتُقد البدر.. لا يهم النور الذي ستبصر به دموعها، المهم أن تتحسَّس مرارة تلك الدموع وملوحتها التي ترسم عيونًا حمراء أنهكها الألم والانتظار.. هل كان فارس هكذا؟!

 

هل كان فارس من الزمرة التي تتلذَّذ بآلام كوكبة من النساء.. لقد حباه الله بنورٍ من نوره، ووضع فيه شيئًا من اسم نبيه.. كل اللقاء كان غريبًا.. كل الصدف التي جمعتهما كانت غريبة.. إنها أكثر من صدف.. كانت إرادة ربانية تفتح وهجًا نحو شيء ما.. لم يُعرَف له سلطان.. لم يُفهَم سره ولونه وعنوانه.. وانتهى من حيث بدأ.. هل ستكون له رحلة أخرى.. ما يهم أنه إلى لحظات كتابة هذه الأهازيج الأليمة، انتهى سلطان الحلم، واستيقظت مملكة الأحلام على وقع كابوس رهيب!

 

غابت عن محيط الوجود تلك الفراشات الخضراء التي كانت تتغنَّى في صمت الصورة عن وعد طويل لفجر بات شيئًا من اللاشيء.. وصار ذكرى من قصص الماضي القريب، التي تحمل نَوْرسًا أسود.. غابت الفراشات الخضراء.. غابت المساحات الخضراء.. غاب انسجام صفاء البياض مع هدوء السماء في زُرْقتها.. غابت صفحة أسيوية كانت تحمل حلمَهما الجميل.. وتحمي حلمهما الجميل..

 

بين أهازيج الوجود واللاوجود قُتِل كل شيء.. مات ذلك الحلم الأخضر الذي رسمته في صفحات فجر جديد.

 

ما هذه العُقَد الجوفاء التي تسكن فؤاده؟ ما تلك الحيرة التي كانت تقول في صمت: لست مستقرًّا على شيء.. مَن خان تلك المشاعر الجميلة التي نبتت وردةً ربيعية جميلة، بعد أن كانت شيئًا داخل تراب لم يعرف كيف يرتفع؟!

 

شيء ما غير واضح.. شيء ما ظل معقدًا طوال مسار اختلاف الرؤى وضياع الرؤية.. شيء ما ظل قابعًا بين أنَّات الألم.. لم أَعُد أفهم فارسًا؟ كيف لذلك الوجهِ الملائكي الذي تحمَّم بفيضٍ من عطاء الدهاء والفراسة، والقداسة التي تجلَّت من خلال آيات القرآن التي كان يحيا بها.. فيض من صفاء.. وهج من عذوبة.. قصة من محيَّاه تنشد تراتيل عذبة تقسم على الصدق.. أي خلق ذاك؟ أم أي وقار؟ أم أي صفاء؟ أم أية حياة جميلة تُهدِيها لنا عذبة غير منسابة بين وقع فجر كاذب.. هل يعقل لهذا الوميض البهي أن يكون لصًّا بارعًا في انتهاك حرمات القلوب؟

 

لا.. أبدًا لم أشكَّ يومًا ولن أشك في صدق وجوده، وبهاء ما يزكيه من فيض عطاء رباني جليل.

 

ولا أدري لماذا هذا الضياع؟ لا أدري ما سر هذا الهروب؟ لا أدري ما سبب هذا التحول البذيء؟

أجابتها حليمة: "لا تنسَيْ أنه رجل.. أي نداء رباني كسَّرته؟ احترسي.. انسحبي عن بساطٍ قد تتأذَّين به.. ((الحلال بيِّن والحرام بيِّن)).

 

صدقت حليمة.. بساط تأذَّيت به كثيرًا.. فكَّرتْ في الحديث النبوي الشريف، ثم فكَّرتْ كيف تستحضر سلطة القدر الأقوى؟ هل القدر ضد عاطفة صادقة تمنحها الأنثى في لحظة ضعف.. في لحظة إعجاب بما يحيط به من أدب رفيع وحياء كبير؟

 

إن احمرار وجهِه لحظة اللقاء أكبرُ من جميل، إن صوته العذب الذي يغرِّد أهازيج ربانية يوم سمعته يقرأ شيئًا من كتاب الله كان كافيًا ليغرسَ تلك الشعلة الطاهرة من الشعور الطيب داخل قلبها، لم تعرف كيف تحب غير مَن لا يحب خصال التسامي والصدق والوفاء؛ ﴿ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ﴾ [الكهف: 98].. لن تظهر الحقيقة الكاملة.. ستموت حتمًا موتَ قصة لم تتم.

 

ثم ما لبثتُ أن حوَّلت نفسي تجاه الأرض التي أبعدتني عنها.. لن أكرَهَها.. لأنني أعرف أنها ستؤذيني حتمًا حين تأتيها فرصة لتؤذيَني.. لقد جربت الطيبة الممزوجة بشيء من البشر الذي تسكنه نفس تقترب نحو الخير ونحو الشر.. ربما صورتُه لا تقاوم.. ربما سحره لا يقاوم.. ربما فكره لا يقاوم.. ربما كل ما جعله الله فيه لا يقاوم.

 

أو ربما شيء من المرأة حضر لحظة الضعف ليتحول الصديق إلى سهم يغرس ما له من سمٍّ على قلب قصة حضرتها من أولها إلى آخرها إلى مرارة نهايتها.

 

هل ببراءتها وضعت للخط الطويل حروفًا حمراء تأذَن بنهاية البداية؟ عمرًا طويلاً قضته في انتظار حلمها الكبير.. ثلاث سنوات انقضت..

 

هل يمكن لمن عزَف على أناشيد الصدق والوفاء أن يرحلَ قبل أن تبدأ البداية.. لطالما حلمت معه بيوم ترتدي فيه ثوبًا للفرح.. ثوبًا أخضر جميلاً يكسرُ أوثان التعب والشوق الذي احتمت وراءه باسم الأخلاق الفاضلة، التي فرِحت بأن توَّجتها في مسار حياتها كلها تاجًا على رأس الفضيلة وأميرة على رأس المُثُل العليا.

 

لم يوضع في قلبها حب الدوني من أوهام مبتذلة، ما فكرت يومًا أن تهتك عِرْض القبيلة التي احتوتها وأعطتها راية تتحرَّك في ضوئها على شرع ربها ومثل أهلها.. وحياء جداتها اللائي نزلن من أعالي جبال الأصالة والشموخ، شيء ما ظل بين سحابات السؤال غريبًا.. ما الذي وقع في لغة الغياب.

 

كنت أستشعر زمن الفضيلة الذي عانقته عمري كله.. زمن الفضيلة وزمن الحب الصافي.. وزمن المثل التي قرأتها على خطى الحب والحبيب المصطفى.. كانت قصتُه مع خديجة سيِّدة نساء العالمين قصةً تبعث على الغَيرة الجميلة في أن يكون لي في هذه الحياة سندٌ صادق أتكئ عليه، وأذوق في ثنايا شرع الله الحياة الوديعة والحِضن الدافئ الصافي.

 

إن أهله أيضًا يحتاجون إليه؟ جاءت كلمات حليمة في لحظةٍ تكسرُ وقع الصمت هُنَيْهة.

 

بعض الكلام لا يحتاج إلى رد.. وبعض التعاليق لا تقبل الجدال.

 

أذكر أنه في ذات زمن كانت شمس الأصيل قد غابت ليستقبلَ قلبي الموجوعُ همسَ ليل هادئ، في بيت أسكنه وحدي، في أرض ذقت طعم الغربة من بابه الواسع، قرأت كلمات ووقفت أمامها لحظة في انبهار وسكون: "قلبي لا يتسع إلا لمخلوق خلق من نور"، تذكرت في لحظة الغياب أنني فعلاً منذ الدهر الأول وأنا أبحث عن هذا المخلوق الذي توضأ من نور الفجر، منذ الزمن الأول وأنا أنتظر هذا البعيد الذي شرب من ماء الطهارة، وارتوت روحه بالسكينة والوقار.

 

تذكَّرت في لحظات ضعفي أن الأيام لا تنتظرني، وأن قطار العمر يسير إلى أجَل لاحق نحو آجالنا.. تذكرت أن الوحدة شبحٌ رهيب، وأن غير نعمة الولد لن تجد الأنثى المحاطةُ بسياج من الذئاب البشرية غيرَ ولدها يحميها من قبضة المستقبل الموحش والرهيب، ويثبِّت دعائم بيتها ويسقيها فرح الأنس والاستقرار.

 

قطار العمر يسير، والحب يموت، والصدق يموت، والأخوّة تموت.. ثمن الفضيلة والقيم أدفعه وحدي في زمن كثر فيه الكلام حول الأنوار، وأظلمت الحياة، وانطفأت أضواء الصدق.. كثر الكلام حول الصدق والحب، ومات الحب، وصمت الصدق!

 

قال وهو يأذَن بالرحيل نحو أُفُق آخر وعالم آخر: "إيَّاك أن يقتلَك النسيان أيها الإنسان"، لم أفهم عبارته لكنني استيقظت على وقع حقيقة مُرَّة.. لقد ابتعد.. رحل كما أتاني، ببذلة سوداء ونظرة سوداء.

 

ثلاثة أعوام من الانتظار المُضْني.. من الألم القاسي.

 

لاحظت أن حليمة بدأت تقترب بخطى واضحة.. وبدأت ترتدي اللون الأسود.. ثم كانت بيني وبينه تلك النهاية.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- طريق الفضيلة
نيروز بن زقوطة - الجزائر 24-01-2014 11:39 PM

قد تكون نهاية الحلم حقيقة أفضل منه، فليرحل الكاذبون ليبقى نصيب للصادقين حقا، فلا أفضل من اتباع الطريق السوي لمن أراد الوصول إلى بر الأمان. ممتعة حقا كتاباتك.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة