• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

في ساحة شطرنج (قصة)

في ساحة شطرنج
ريم عادل سعد عبدالفتاح السرجاني


تاريخ الإضافة: 1/10/2012 ميلادي - 15/11/1433 هجري

الزيارات: 4642

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

في ساحة شطرنج


سدَّد إليَّ نظراتٍ تَنُمُّ عن تحدٍّ وثورة، مقنَّعينِ ببريق الهدوء المؤثم، وآيات الوقار المتخابث، وأناملُه تستاق جنودًا -لا تملك من أمرها رشدًا- إلى مواقعها المنوطة بها، حسب قواعد اللعبة، دون حيد أو ميل، وكأنها تحفظ لها الأمكنة عن ظهر قلب، فلا تعوزها قيادةُ بصر، أو سلطانُ رؤية؛ ليؤمن لها المستقر.


طَفِقتْ أصابعُه تثبت مُحاربيه على نحو واثق حينًا، وطورًا متأرجح ما بين التؤدة الواشية بكِبر واستعلاء، والهرولة الكاشفة عن اضطراب، عكف على مواراته بحجب الغرور واعتياد النصر، وما أن فرغ من حشد جحافله الجرَّارة، حتى تقمَّصن روحه، واستَعَرن غُلَواء صرامتِه؛ فأَشَعْنَ في جوِّ المكان رهبةَ السلطان، وبطش السطوة الضاربة في عناصر الحياة، تفتش عن سرها، وتنقب عن كُنْهِها؛ لتستأثر بها، وتملكها على الأحياء، فتخضع لها، وترضخ لإرادتها وتستكين.


مسَّنِي سَيْب من القلق، وانتابني نزوع لإنهاء الجولة لصالحه، أو الإحجام عن خوضها؛ تحاشيًا لما لا يحمد عقباه من نتائج، فاحت بها بواكيرُ استعداداته، وأولياتُ عزائمه، إلا أن شيئًا خفيًّا، شعورًا غامضًا تملَّكني ولم أعرف له سمتًا أو سميًّا، زجَّ بي إلى طاولة اللعب، ودون إفصاح عن نوايا، أو تبيان لمراد دفع بي لخوض غمار الوَغَى، برباطة جأش، وصلابة عزم لم إِخَلْهما في نفسي رَابِضين قبل اللحظة الآنية.


استقرَّت نظراتي الزائغة على رقعة الشطرنج، قابعة في هدوء يسبق عاصفة، خدش حياءه وَقْعُ طبولِ الحرب، تقرع بصدرينا بتأهُّب للذبِّ عن مرمى، محتم لأحدنا قنصه دون الآخر، رَصَصْتُ أعواني بثبات وقوة يخامرها الحذر.


كان عليَّ أن أبدأ الهجوم، فلم يَدَع لي خيارًا آخر، بعد أن طوَّح بالكرة في ملعبي بلفظة: "ابدأ"، أهو مكرٌ للإيقاع بي في هُوَّة الاضطراب وتردُّد المبادأة، أم هو إقدام بإحجام؟ أتراه يستمرئ أن تبدو هجماته ردَّة فعل مبرَّرة، لعدوان لا مناص من درئه بهجوم مضاد؟


تلقَّفتها ببشر المحنَّك ببواطن الأمور وخفايا الخصوم، بَيْدَ أني لم أستطع إخفاء ما اعتكر قسمات وجهي من قلق بادٍ، أشرق بنفسه حبورًا، فبادره الرضاء ببشائر النصر، تنسج خيوطه مخيلته العنيدة.


كدتُ أبدأُ، فارتعدتْ فرائصي لوَهْلة، وكأنني سأخطُّ مصيري بيدي، وأحيك معالِمَه بأناملي، لملمتُ ذاتي أَستَلْهِم الجَلَد، مستنكرًا اهتزازي؛ لأهوِّن ضربات الخصم، مستحثًّا عقلي على اعتلاء صَهْوة المعركة، وتقلد لِجَامها برزانة وحكمة.


سرعان ما جاءني المدد، أحكمتُ قبضتي على جواد المَيْمَنة الرابض كلَيْث هَصُور، في عُنْفوان قُوَاه، وذُرا دَهائه، ووعيه المستتر تحت رداء القعود، على أهبة الاستعداد للانقضاض إثر التلويح والإشارة.


أطلقتُ لعنانه الريح؛ ليستقر أخيرًا متشحًا بخُيَلاء البطولة، تَسْرِي في أعطافه، لتمور وسط الجند، تبثهم حياة، وتستنطقهم حروف النصر، أخرج أول عساكره من كَنَف الرفاق، ثم أتبعه بآخر، مانحًا كلاًّ خطوة في محاولة لتطويق الرقعة، وفرض الحصار.


دائمًا ما يحوطني بقِسِي أصغر جنوده "الرماة"، يعملونها بلا هَوَادة أو كلل، فيشكلون حائطًا واقيًا مناعًا للهجوم، صدادًا لأيَّة محاولة للاختراق، يستعذب إجهاض المساعي المبذولة، للتسلل على مَهَل، وإن تسنَّى له وَأدُها في مهدها على حين غِرَّة، يُجِيد فنَّ استنزاف قُوَى الخَصْم، ينشر جنده، يستدرج المهاجمين، يُلاحِقُهم بهجمات مباغتة، وما بين كرٍّ وفرٍّ يمنِّيهم الظفر، فإذا ما استراحوا إلى وهم السيطرة، وخارت قواهم بعد عناء المجالدة، أَجْهَز عليهم يحصد أرواحهم حصدًا، ويطيح بهم خارج حدود لعبة المصير!


اعتدتُ منه هذا المكر الصراح المفتضح؛ فعَجِبتُ لنفسي علامَ ارتضاؤها الانخداع بخطة لا تعرف إلا مسارًا واحدًا لا تملك عنه حِوَلاً؟


حدَّقت في ملامحه أتفرَّس خبيئة نفسه، المتنامية رويدًا نحو الظهور على معالم وجهه الصارمة المقطبة، فلم أبصر إلا عنادًا لا يملك أن ينضح بسواه، كلما حان دوري تابع حركات يدي -المتنقلة بين جنودي- عن كَثَب، وكأنه يَسْتَرجِيها التراجع، دون أن يخلع عن ذاته رداء الكبرياء، أو يمليها الاختيار بنبرة آمرة قاطعة.


بادرتُه بضربة بَدَت قاصمة، تندَّى جبينه عن قطرات فجيعة، مصحوبة بأصابع مضطربة المسار تكفكفها على عجل، بات عليه أن يلعب، ردَّ لي الصاع صاعين.


احتدم الصراع، وحمي أُوَاره، اضطربتْ صفوفي، توخَّيت الحذر فأدبرتُ، ألقى لي بغنيمة ما كانت لتسترعي انتباهي، أَحَسِبَنِي من السفه بحيث آمَنُ مكره؟ شنَّ هجومًا ضاريًا، توالت ضرباته، جابهتُها بالصمود، أقبل وزيره بقضِّه وقضيضه، أوشكتُ أَرْزَح تحت كلاكل جنده، حدَّد خطواتي في بقاع بعينها، ممارسًا هوايته الفضلى "حرب الأعصاب"، انفرط من قبضتي العقد، وبات عليَّ الكثير لأُلَمْلِم شذوره مجددًا، ما عادت سوى تحركات معدودة رابحة صوب جبهة الملك، إنْ حالفه الحظ أو أعمل الفكر، وتنحاز له الغلبة.


استراح للنصر المحتم، هدأت ثائرته إلا أن مسًّا من قلق مازج ملامحَه، قارعًا ناقوس الخطر، فسارع بتأمين واحد من أصغر جنوده، أضحى مكشوفًا معرضًا للقنص والتنكيل، يبدو أنه خَشِي صحوة الموت، فأراد أن يُوصِد دوني كل الأبواب، فحتى هذي يَضِنُّ بها على مَن يُجَابِهُه ويتحدَّى إرادته.


بعد السبح الطويل في مَهَامِه الفكر، أخذت في شَذْب شعث جهودي، وطرفاه يرقبان تحركاتي باستخفاف مستطير، هيأ لي بعضًا من الوقت لأفكر في وسيلة أسدُّ بها خلة جيشي، بعد أن تهاوى دفاعه، إلا من درع واقٍ يَذُود عن الملك، فأوشك على النزوح بآمالي عن منصة النصر المبتغاة.


كل البشائر تجزم بظفره ولا ريب، أنصرٌ من نبع ذكاء، أم من حمق الخصوم؟ لست أدري، ولكن المؤكد أن نظراتِه الثاقبةَ تَغُور في أعماق مكامن الخصم، تتلمس نقاط الضعف، وتعرف طريقها لمختلف الثغور والفجوات، فتزلِّل له العقبات، وتسوِّغ له أكاليل النصر، ولكن! كيف آيس من الكفاح، ومجرد بزوغ النجاح -كاحتمال- من كبد المحال، يُسبِغ على الكفاح رونقًا ونبلاً يخوله استجدار الجهد والطاقة عن استحقاق حقيق؟ استنبطت بمكابدة خطوات له قادمة، فما أظنه بمتبعٍ مسلكَه المعتاد وقد أبيت الانخداع، فاستحلتُ في مساره حجرَ عثرة يقوِّض مساعيَه، ويُعرقِل سُبُلَه، منحتُه أولى خطوات بُغْيَته؛ فاطمأن كما يأمن الصادي لنبع الفيافي فإذا سراب، سألني اللعب في سخرية يحدوها التشفِّي وغُلَواء الغرور، اعتاد الاستهانة بعقول خصومه، والتحقير من مرامي مساعيهم الدؤوبة لصد هجومه وشل دفاعه، فأراح عقله من مشقة استبطان مغزى تحركات الخصم، مُفسِحًا له المجال لخداعه، بروية إثر تمحيص، دبَّر فأحكم التدبير، وأسقط من حسبانه طاقة كامنة بذاتي تفجَّرت ضربةً كاسحة طالت حصونه بغتةً، فانقلب على عقبيه مدحورًا، وما أفلح سعيه.


تململ في مقعده حينما انفلت من يده زمام باكورة الجولات، المعدَّة بعناية لدكِّ سدٍّ منيع يَحُول باستبسال دون الملك "مفتاح النصر".


انبرى يفكِّر في وسيلة للخلاص، لمحت الحَيْرة تُسَاوِر فِكْره، فتتكشف في ناظريه استفهاماتٌ شتى تَتُوق جوابًا، تتأمل تعبيرات ارتسمت بعفوية على معالم وجهي؛ علَّها تُفشِي بسرٍّ به النجاة، جالت عيناه في نطاق طاولة اللعب، تنقب عن مفتاح لغز مَكِين في ساحاتي، فحِيزت لي طلائع النصر؛ إذ أصبحت بسمائه لغزًا يعاند الحلول، كبل انفعاله مليًّا ليصب جام غضبه على ذاك الجندي الجسور الذي انفتل من حصاره؛ ليخترق حصونه، ويُرْدِيه في عِدَاد دافعي الهجوم، مفسدًا عليه نَشْوة السيطرة، صائلاً جائلاً دون رقيب أو حسيب، أقصاه خارج نطاق اللعبة ليغنم وزيره بعين الموقع، بعد أن أثلج صدر قائده بالثأر من باعث كدره وهادم لذَّاته، وقع في الشَّرَك، ألقمتُه حجرًا، وأنا أصدر أمرًا لوزيره -الذي أدار الخسف والتقتيل بجندي- بإخلاء موقعه ليغادر الحلبة، يجر في أعقابه أذيال الخيبة والخذلان، أعلنت خسارته لأعتى جنده وأمنع دفاعاته، أمضَّه ما كبَّدتُه من خسارة، كاد يتميَّز من الغيظ، وقد بات العجز سلاحه الأمضى، انتعشت آمالي الرَّغِيدة، تشحذ إرادتي الكامنة بذاتي، تستنفرها لتتكشَّف من مخبئها، تبثني عزمًا، وتمدني طاقةً؛ لآذنه بحرب ضروس، لا محيص من مهالكها، ولا مفر من ويلاتها، محولاً عليه دفة الهجوم والنكاية، ألح به الهم، وجموعه عنه تفرق، فأبى أن تذرّى ريحه، وتنتثر مطامحه، واستبدَّ به العناد، وتملَّكه الكبر، ذاد عن مرماه بفلول قطعانه، تسربَل الشجاعة وطول النفس، واستغرقه التفكير متثاقلاً في اللعب، مبطئًا في وتيرته ريثما يَستَعِيد نشاطه الذهني الملجَّم ببواعث الهزيمة النكراء، تَحِيق به من كل حدب وصوب، تصيَّد ثغرةً لينفُذ لعقر داري، متهددًا ستور الملك بالانزياح والإزالة، تشبَّث بموقعه ليحوِّل جهودي لدَرْء هجومه في محاولةٍ لإضرام نيرانٍ أذهبها الريح في يوم عاصف، طوَّقتُه بحصار محكم خانق فتحوَّل لجبهة مغايرة، مصوبًا حِرَابه لجند أعزل، متدثِّر بساحات الفراغ؛ جراء انتقال الرفاق للسيطرة على نطاق الخصم، حاص عنه متخذًا خطوة للوراء، متلمسًا دفء الحماية عن بعد، أشرفتُ على الفوز؛ فهدأت من حدة خطواتي مستعيضًا عنها بحلم الظافر، ووقار المحارب الحازم، حتى يتم لي النصر مؤزرًا، غير مشوب برعونة أو معتكر بهوج، أخذ يترنَّح كالذبيح ليزداد شراسة، مزعزعًا أركانه المخوَّخة من فعل تواتر الهجوم، وتردِّي الدفاع مثبتًا دعائمي، طَفِق يتخبَّط في جنبات الرقعة، فتكسرت سِنُو خبراتِه، وتهاوت معالم تمرُّسه لسياسة اللعبة، مستحيلاً أمرد غرًّا طائشَ اللُّب، هبَّ يُجَنْدل جنودي في حركات طائشة، لا يُغنِي جناها فتيلاً، صوَّبتُ له بعضها، وتغاضيت عن بعضها؛ لإدراكي أن حمل عني مشقة النِّزال، ليَضحَى العقبة الكؤود في سبيل تماسكه أمام سيل حشودي الجارف الماحق، أفرغتُ ساحتَه من جلِّ جنوده بتؤدة؛ فغصَّ بجندي الفضاء؛ ليقطعوا الطريق للملك فوتَ الريح، رغم حتمية سماعه لها، تلك الكلمة الحاسمة التي عَجَز -بعناد الصناديد، والجهد الجهيد- أن يَهْوِي بها على مسمعي بمِطْرَقته المسنونة الساحقة، إذ ذاك بُهِت!


نطقتُ بها: "كِش مَلِك"؛ لأقيم سُرَادق عزاء كبريائه العتيد، وغطرسته الراسخة، مع آخر أنفاسٍ لَفَظها ذاك الرمز الباهت، الجاثم على طاولتي قبل أن يمَّحى، والذهول يعتري صاحبه، وثورة الاستعلاء تغشاه، ونفسُه حسيرة، وكأنه ما كاد يظفر بمُنْيَته، ويُحكِم على جمارِها قبضتَه، حتى خذلتْه فروج الأصابع، يلجمه العجز فيرقبها بأسى وهي تساقط ليحوزها الرغام، طويت بساط الشطرنج، فتقشعت الغيوم الملبّدة لسماء الطاولة، في إصرار يأبي عليها ارتحالاً، انتفض الهواء من سباته، وحُلَّ وَثَاقه الوثيق؛ لتتحرر ذراته، متخذةً سبيلها لإحياء الصدور.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة