• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

ليته يحذو حذوه (قصة قصيرة)

ليته يحذو حذوه (قصة قصيرة)
أم حسان الحلو


تاريخ الإضافة: 17/6/2012 ميلادي - 27/7/1433 هجري

الزيارات: 10103

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ليته يحذو حذوه

(قصة قصيرة)

 

كانت عباراتُها متدفقة، تصاحب عبراتِها المنهمرة، وهي تنثر درر عبراتها، لا يكاد السامع يميز الكلمات؛ لشدة تداخلها، وتمازجها، واختلاطها، أحرفُها كانت تتعثر في حلقها، وكادت كلماتها تموت على شفتيها، أشفقت السيدة عالية على محدثتِها تلك، وطلبتْ منها أن تهوِّن على نفسها؛ إذ إن لديها علمًا مسبقًا غير أكيد مما فعله زوج محدثتها؛ لكنها لم تتصور يومًا أنه سيؤدي بصاحبته إلى هذا الانفعال العجيب.

 

حاولت السيدة عالية تهدئة السيدة ساهرة، وسألتْها وكأنها لا تعلم: لكن من هذا الذي أخذ النصيب الأكبر من شتائمك اليوم؟ لم تأبه ساهرة بالسؤال، واستمرتْ برمي عباراتها المتفجرة:

"كنت أظنه إنسانًا رفيع المستوى، فإذا به... دنيء المستوى، إنه لا يستحق ذرة تضحية، ولا لمحة من عين، إنه شخص أناني يحبُّ ذاته، ربما أصيب بما يسمى جنون العظمة؛ لأنه امتلك شيئًا من الدولارات والعقارات".

 

توقفت لتمسح دموعها، فاستغلتْ محدثتها تلك (الهدنة) وسألتها:

المهم كيف حالك أنت وحال أولادك؟

رفعت ساهرة صوتها وقالت: حالي أنا "بالويل"، أنا شبه مجنونة، أما أولادي، فقد تحوَّلوا إلى فشلة، والله يسترنا من العواقب؛ فإن كبيرهم يترصد لوالده يريد أن ينتقم لنا، ويثأر لكرامتنا المهدرة، وهذا أثَّر على مستواه الدراسي بالطبع!

 

وضربت كفيها وقالت: ضاع الولد، ضاع وضاعت الأسرة! ابنتي المخطوبة أصبحت تسمع همساتٍ وتعليقات جارحةً من خطيبها وأهله، خاصة والدته، التي أمطرتْها بوابل من الأسئلة المحرجة، والتعليقات الساخرة، أكاد أجزم أن "فؤادًا" أصيب بالجنون، ويريدنا أن نصبح من زمرته.

 

دار رأس السيدة عالية، وقالت لنفسها: يبدو أن الحقيقة أكبر بكثير من (الإشاعة)، عكس المتوقع تمامًا، كما يبدو أن السيد فؤادًا قد فعل فِعلةً نكراء تمامًا، وربما محرَّمة أيضًا، ولكن...

 

رفعت رأسها وسألت محدثتها بأدب:

اسمحي لي أن أسألك: هل فعل زوجك شيئًا مخجلاً؟

• نعم، شيء مخجل جدًّا، شيء يندى له الجبين، جعلنا أحدوثة بين الناس، يشار إلينا بالبنان واللسان، الذي لم يسمع بنا، سمع عنا.

 

• عفوًا، أقصد هل فعل شيئًا ينكره عليه المجتمع؟

• إن المجتمع ينكر ذلك ويرفضه، ويسخر من فاعله وينبذه!

 

• ولكن، ألا يمكن رأب الصدع، وتصليح الوضع؟

 

انفعلت السيدة ساهرة وقالت بغضب شديد:

مستحيل! أأعود إليه؟! ذلك المجنون الأناني الذي باعنا بقشة؟!! أين كرامتي؟! وأنت تعرفين جيدًا ابنة من أنا، وماذا أحمل من الشهادات، ولا داعي لأنْ أحدِّثك عن وضعي بين سيدات المجتمع الراقي.

 

توقفت هنيهة وقالت: إن الخائن لا يدرك شيئًا من هذا، وسوف أُفهمه ما جهله عني طوال السنين الماضية.

 

تصوَّري، تصوري المجنون ماذا فعل؟ فقد أعلن رغباته الخبيثة سابقًا، فرددتُ عليه ردَّ الزوجة المخلصة المضحية، التي تدفع الغالي والنفيس من أجل الحفاظ على سمعتها وسمعة أسرتها، تصوري ماذا رددت عليه؟

 

ابتسمت السيدة عالية وقالت في نفسها: شيء جميل أن تكون ساهرة من النساء الصابرات، المحتسبات المضحيات!

 

تنفست السيدة ساهرة الصعداء، وتنهدت تنهيدة عميقة، وأجابت على سؤال السيدة عالية: ماذا كان موقفك؟

 

طلبت منه أن يسافر إلى أي بلد يريد، وعلى حسابي الخاص، ويأخذ إجازة؛ ليستمتع بها بالطول والعرض، ثم يعود لي، ولي وحدي!

 

كتمت السيدة عالية صرخةً صدرتْ من قلبها، وكادت أن تمزق ضلوعها، وبحركة عفوية أمسكت رأسها بيدها؛ خشيةَ أن يطير منها، وقالت بانفعال شديد:

وهل هانتْ حدود الله إلى هذه الدرجة؟ وأنتِ، أنتِ الزوجة المحبة المخلصة؟

ثم سافر ذهنها إلى تلك الرحلة، يوم أن كانت (ساهرة) تحدثها عن (فؤادها) الذي يحبها ويذوب شوقًا إليها، كيف كانت إشارة منها تغيِّر قراراتِه واهتماماته، كان لا يستطيع أن يرفض (قشة) من طلباتها، أو يتجاهل (ذرة) من دمعاتها اللؤلؤية؛ خشيةً على قلبها المرهف، يبدو أن أعمدة الأسرة كانت عاطفةً جياشة أمام الجماهير، كالحب الذي يظهر في المسلسلات والدعايات، وتألقًا شكليًّا من أجل إتمام ديكور جميل ألفه المجتمع!

 

كانت الحياة تمر باهتمامات صغيرة وابتسامات، وضحكات وتعليقات، وغمزات ولمزات، ومزيد من المشتريات والمستهلكات، كانت تظن أنها تملك مفاتيح السعادة الزوجية، وتُرِي قصرَ سعادتها لكل غادٍ ورائح.

 

كم حدثتْنا عن العقارات التي تنازل لها عنها، وعن السيارات الفاخرة التي اشتراها لها، عدا الملبوسات والمجوهرات!

 

واستطردت عالية، فحدثت نفسها:

ربما نقمتُ يومًا على زوجي؛ لأنه لم يفعل من أجلي معشار ما يفعل فؤاد من أجل ساهرة، وأرثي لنفسي سوء حظِّها، مع أنني أضاهي ساهرة جمالاً، إن لم أكن أجمل منها بشهادة الكثيرات، كم افتعلتُ مشكلة مع زوجي - غفر الله لي - بسبب مقارنة حياتي بحياتها، وشعوري بالازدراء والصَّغار أمامها! لكني كنت أشعر دائمًا أن أسرتها تفتقد ركنًا شديدًا هامًّا في حياتها، أجل، كنت أظن أنه سيأتي يوم يتمرَّد فيه المارد، ويخرج من قمقمه، مهما كان ذليلاً، سوف يجف نبعه، وينتهي زاده، الآن أبدتْ لنا الأيام أن الدلال لم يعدْ يغري، والجمال ما عاد يغني، والسيطرة عليه أصبحتْ بعيدةَ المنال، وإثبات ذاتها أمامه أمسى تمثيليات فاشلة مكررة سمجة مكروهة، يبدو أنه ملَّ حياته، وذهب ليبحث عن ذاته، وعن حياة جديدة يعيشها، كأني أرى رياش الحياة الذي حصلت عليه، والذي كان متألقًا ومتأنقًا ردحًا من الزمن، بات يحتضر، وأكاد أسمع أنينه المفجع.

 

طالت لحظات الصمت المسافر بين الزميلتين، كانت كل واحدة منهما تبحر في سفينة زميلتها، تتأملها بكل ما أوتيتْ من رغبات وقدرات، وحدثت ساهرة نفسها قائلة:

انظري إلى وجه عالية المطمئن، إنه يعكس صفحات حياتها الحافلة بالطمأنينة والإيمان والرضا، كم كانت تحدِّثني عن الأجواء الإيمانية التي تعمر بيتَهم، وتغمر قلوبَهم! كم كانت سعيدة وما زالت كذلك! من قلبها ينبعُ الحنان، ومن يديها يتدفق العطاء، ومن عينيها يشع الصفاء، وكأني أراها جوهرةً فريدة في زمانها، وكأني أرى أشياءها تشهد لها بالصبر والمصابرة والمثابرة، دنياها تبدو متألقةً بأرفع المعاني في عالم المعالي.

 

ومضات سريعة خاطفة مرتْ أمام عينيهما المسافرتين، أبصرتْ كلُّ واحدة منهما ما كانت عليه الأخرى، عندها أدركت ساهرة المسافةَ بينها وبين عالية، وشعرت أن عالية لا يمكن أن تفهمها أو تشاطرها همومها، لتصبح في لحظةٍ ما نِعْم المواسيةُ لها، ربما شعرت أنها ثقيلة الظل؛ فقامت لتوديع محدثتها؛ لكن السيدة عالية أمسكت بيدها، وقاومت دمعتين تلألأتا في عينيها، وكتمتْ تنهيدة عميقة حزينة ترجرجت في صدرها، وقالت بصدقها المعهود:

ليت زوجي يحذو حذو زوجك!

 

كلمات قليلة، كانت كافية لإعادة انفجار السيدة ساهرة، وقالت:

يبدو أنك أصبحتِ مجنونة!

 

فردَّتْ عالية بوقارها المعهود:

لا يا غاليتي، أنا أقول ذلك وأنا بكامل قواي العقلية؛ فأنا لا أساوي شيئًا بظل زوجي، لا أتصور أبدًا أن يصبح قلبي مغلقًا، وبيتي سوادًا، ودنياي سرابًا، في ظله سعادتي الحقة، وبجواره تغمرني طمأنينة قلبه، صوته يجمع لي ألحان الكون العذبة، وعلى أنفاسه الطاهرة يزهر ربيع قلبي، بحركة من يده تتدفق الدماء في عروقي، وبابتسامة منه تبتسم لي الحياة، وأغرق في بحور من السعادة.

 

ابتسمت السيدة ساهرة ابتسامة مفتعلة، وقالت: أنت مجنونة حقًّا، ولكن من فئة (مجنون ليلى)، وأقل ما يمكن أن أقوله لك: إنك حالمة واهمة، ولربما إنك ما زلت مراهقة، فالرجال كلهم صغيرهم وكبيرهم، رفيعهم وحقيرهم لا يستحقون ذلك منَّا، اسمعي نصيحة مني، وتعلَّمي من تجربتي، إياك أن تشعريه بشيء من مشاعرك تجاهه، وإلا تكبَّر عليك، وتاجر بعواطفك، وسافر باحثًا عن غيرك كما فعل (أبو العيال).

 

فردت عالية قائلة: "ربما لا يستحق ذلك كثيرٌ من الرجال، لكني على ثقة تامة بأن زوجي يستحق ذلك مني وأكثر، لا أستطيع أن أنسلخ من ذاتي يا عزيزتي، فأنا أشعر بذاتي لحظة احتراقي من أجله وأجل أولاده".

 

فاقتربت ساهرة من عالية، وهمست في أذنها قائلة:

ربما حدث تغيير هام في حياتكم، هل ترفع زوجك في عمله؟ أم ازداد رصيده المالي؟ ما الذي حدث؟ دعيني أغزُ قلبك الغامض.

 

فردت عالية بهدوء حزين: زوجي لا يبحث عن منصبٍ أو جاه، ولا يفتش عن شيء لنفسه، أنا التي أبحث له.

 

وأكملتْ: ليت العافية تكلل وجه زوجي الوقور، وتعود القوة ليديه المتوضئتين؛ لأفرش له بساط ورد تحت قدميه، وأنقر له الدف في موكب فرح ونشوة.

 

انحدرت دموعها على خديها، وقد ذكرتْ تقريره الطبي الأخير: نظرًا لارتفاع السكري في الدم، وتأثير ذلك على بصر المريض؛ فإنه من المتوقع أن يفقد بصرَه تمامًا بعد أشهر قليلة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة