• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

ذكريات حفيدة (قصة)

أم حسان الحلو


تاريخ الإضافة: 13/4/2011 ميلادي - 9/5/1432 هجري

الزيارات: 8286

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

راودت وفاءَ مشاعرُ متباينةٌ، منذ الصباح وطيفُ تلك الجدة الحبيبة يلاحقها، توقفت وفاء قليلاً وتساءلت: لِمَ لَمْ يفارقني هذا الطيف الحبيب؟


آه! ربما لأني رأيتها في منامي قبل أيام، رأيتها تخاطبني بصوت مرتفع، لم أعِ منه الكثير، وأذكر أنها كانت غارقة في ضباب أسود كأنه امتداد ألسنة لهب، صحوت وأنا أردد الآية الكريمة: ﴿ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 13، 14].


لهف نفسي عليك أيتها الجدة الحبيبة!


انهمرت دموعها ساخنة، فأغرقت وجهها فاتحة صفحات ماضيها القريب.


أذكر جيدًا يوم أن طردتْ أمي جدتي العجوزَ من الفيلا؛ لأنها كانت لا تهتم برونق بيتنا؛ لكثرة وضوئها! وأذكر كيف سكنتْ جدتي غرفةً هوائية على السطح بعد وفاة والدي بأيام، وأذكر، وأذكر جيدًا كيف كانت تلهث في الهجير، وتتجمد في البرد!


وعاد إلى مخيلة وفاء ليلةُ وفاة جدتها، ففي ليلة عاصفة لم تذق فيها وفاءُ طعمَ النوم، شعرت بأن تلك الغرفة القابعة على السطح سوف تقع على مَن فيها؛ لشدة العواصف، حاولت وفاء أن تدفئ نفسها، فلم تستطع؛ فقد كان البرد قارسًا جدًّا.


وتخيلتْ حال جدتها في تلك الغرفة الباردة، إن معاني الجفاف والجفاء والوحدة والبرد قد اجتمعت الليلة على جدتها الحبيبة، فكيف يزور الكرى جَفْنَي وفاء المتعاطفين مع جفني الجدة؟!


تخيلت أن الجدة سوف تفزع إلى الصلاة والتضرع، وستضطر للوضوء بماء شبه مثلج!


حاولت وفاء النهوض من فراشها، لكن التيار الكهربائي انقطع أيضًا؛ مما جعلها تقبع في فراشها خائفة، وحاولت أن ترهف السمع نحو النافذة، فقد يترامى لسمعها نداء أو طلب مساعدة من جدتها، فتناهى إلى سمعها خطوات جدتها الواهنة فوق السطح؛ لكنها ارتجفتْ من قمة شعرها حتى أخمص قدميها، وصرخت مستغيثة عندما سمعتْ صوتَ ارتطام قويٍّ بالأرض، مزَّق سكونَ ليلها، وترجم وجيب قلبها، وكاد أن يفقدها صوابها؛ إذ أيقنتْ أن هناك كارثةً ما قد وقعت، خاصة بعد أن سمعتْ صوتَ أنينٍ ضعيفًا منبعثًا من موقع الارتطام.


هُرعت لتطرق الباب على أمها بخوف وهلع، وبعد لأْيٍ فتحتْ أمُّها الباب، ومسحت عينيها وهي تستمع لابنتها، ثم قالت ببرود:

انتظري حتى الصباح لنستطلع الخبر.

أحست الأم أن وفاء ترفض اقتراحها، فقالت بغضب:

هل تريدين أن نخرج إلى الشارع في منتصف الليل؟ أي اقتراح مجنون هذا؟!


أرسلت وفاء دموعًا متوسلة إلى أمها، لكنها لم تفلح، فأضافت الأم:

اسمعي، أنا أعرف حججك الواهية، تريدين أن تطمئني على تلك العجوز الشمطاء؟ يا لك من فتاة عاقَّة!


جرَّت وفاء خيوط الخيبة والحزن، ودخلت غرفتها عازمة على اللجوء إلى مصلاَّها، والابتهال لبارئها؛ لكن، ماذا؟ حاولت وفاء أن تصغي السمع مرة أخرى، أجل إن باب بيتهم يقرع بعنف.


ركضت وفاء نحو الباب وقد كساها الخوف، فوجدت أمها تسير بخطوات واهنة نحو الباب، وتسأل: من بالباب؟

أجابها صوت أحدهم: جاركم.


وامتزج مع صوته صوت باكٍ حزين، لم يكن غريبًا على وفاء، إنه صوت جارتها.

وقبل أن تطرح الأم سؤالاً آخر، طلب منها الجار فتح الباب بسرعة.


- خيرًا، قالت وهي تفتح الباب.

وإذ بجارهم وجارتهم يحملان الجدة وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة.


قالت الجارة وهي تخنق دموعها:

يبدو أنها حاولت الاتكاء على عصاها، فوضعتها بجوار السور المنخفض، فاتكأت بكل قوَّتها على الهواء بدل أن تتكئ على أرض صلبة.


استعجمت الكلمات والأنفاس والحركات على فم وقلب وجوارح وفاء، فرأتْ كل من حولها يمد يد المساعدة لجدتها التي لفظت أنفاسها الأخيرة، ودخلت وفاء في غيبوبة.


كانت تلك صفحات ماضٍ قريب، لكن ما شأن ذاك اليوم بيوم وفاء الحاضر؟ إنها تتساءل: ما دلالة هذه الرؤيا الغريبة التي رأتْها لجدتها؟


وما هي إلا لحظات، وإذ بصوت أمها يرتفع صارخًا مذعورًا:

اخرجي يا وفاء بسرعة؛ إن الفيلا تحترق، لقد أكلتْها النيران!


لم يستطع رجال الإطفاء إنقاذ شيء من الأثاث سوى ما كان موجودًا في تلك الغرفة القابعة على السطح، لم تجد أم وفاء بدًّا من الصعود إلى تلك الغرفة هي وابنتها ليعيشا فيها.


ونقشت وفاء على جدارها:

بالأمس احترقت القيم والمعاني الفاضلة، وخرجت جدتي من الفيلا، واليوم احترقت الفيلا، وارتمت رمادًا قاتمًا على رصيف الحياة، واستذكرتْ رؤيا جدتها : ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ [الفجر: 14].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة