• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

حبيبتي شام

حبيبتي شام
أم وفاء خناثة قوادري


تاريخ الإضافة: 8/5/2017 ميلادي - 11/8/1438 هجري

الزيارات: 21310

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حبيبتي "شام"

 

سَرَى طيفُها بجوانحي، أيقَظ في خاطري الذِّكرى، وهزَّ أوتارَ قلبي، عصفورتي الصغيرةُ، ريحانتي ذات العبقِ والشذى، أسميتها "شام"؛ فاستعارت من مسماها بهاءَه ورونقه، وشاركتْه في الجوى جرحَه وأساه.

♦ ♦ ♦

 

الستائر الورديةُ تتراقصُ في حُنوٍّ، يغدو بها النسيمُ ويجيءُ، تهدهدُ دميتها، تطوِّقُها بذراعيها الصغيرتين، تناغيها في غنجٍ:

♦ تعلمين أنني الحين عدتُ من الحضانة جدُّ متعَبة كما ترين، فلِمَ العتابُ؟! أوَ لا يكفيكِ أنني أقصُّ عليكِ كلَّ عشيةٍ ما يجري بالروضة مع الصويحبات؟!

تهلَّلَ وجهُها فجأة، علاه البِشْرُ، اشرأبَّت متطاولة صوب النافذةِ، صدحتْ قهقهتُها كفحيحِ ملاك، ثم قفزتْ في زهوٍ وانتشاء، ماذا هناك؟ أهو الإيحاءُ الملائكي، مزَّق الحجبَ عن عالم البرزخِ، فأهدى روحَها بشرى الرحيلِ؟ ربما!

♦ ♦ ♦

 

سارعْتُ إلى المطبخ، أتابع تحضيرَ وجبةِ العَشاءِ، فالليلُ بدأ يُرخي سُدولَه، وهذا موعدُ اجتماعِ عائلتي الصغيرةِ.

تناهى إلى سمعي طرقٌ على الباب، شعرتُ وكأن البابَ قد فُتح، ساد السكونُ فجأةً، حتى ابنتي "شام" لم يعد لصخبِها حسٌّ، أوجستُ في نفسي خِيفةً، جريتُ نحوها، وجدتُ البابَ نصف مفتوحٍ، ناديتُ على "شام"، نظرتُ في غرفتها، فتَّشتُ البيتَ وكلَّ أرجائِه، توسلت إليها أن تكفَّ عن مثل هذه الدعابة السمجةِ، وما من مجيب.

 

بخفة وضعتُ الخمارَ على رأسي، وخرجتُ من البيت، كان الضوءُ الخافت يسكبُ في أعماقي خوفًا واكتئابًا، ولما لم أستبنْ شيئًا، عدتُ أدراجي إلى البيت، حاولتُ بيدي المرتعشتين الاتصالَ بزوجي الذي أعلَمَني أنه قد وصل للتوِّ، وهو الآن يركنُ سيارتَه في المَرْأَب، اتصلنا بمصالح الأمن، وبدأنا بحثنا الحثيث عنها.

♦ ♦ ♦

 

"شام" بنتُ الأربعِ السنوات، تُنسيها دومًا فرحتُها بقدوم أبيها تنبيهاتي لها بعدم التسرعِ بفتح البابِ، لقد ظنَّتِ الطارقَ والدَها، فهُرعت لاستقبالِه، تناولها بيديه الخشنتين، أغلق فاها وقد تأبط جسدَها الصغير، نزل السلمَ مسرعًا، واستدار مع الزقاق الضيقِ، ولفَّ باتجاه المقبرةِ المجاورة لِحَيِّنا، وهناك..! هناك افترس الوحشُ فريستَه الصغيرةَ الحالمة.

لم تستطع صغيرتي الصُّراخَ، فقد كمَّمَ فاها، راعها وجهُه المخيف، وأرعبها الظلامُ المُخَيِّم على المقبرة، كان الاختراقُ فوق احتمال جسدِها الغضِّ البريء، فغاصت في بِرَكٍ من الدماء.

♦ ♦ ♦

 

يا من كتَب على نفسه الرحمة، أتُتْرَك البراءةُ في ما ها هنا؛ في ظلماتِ الفزعِ والأنين، وجسد معفَّرٍ بالدماء؟!

كلا، لقد أشرقتِ الرُّوح بنور ربها، تَلَقَّفتْها ملائكة الرحمة، مستبشرةً بها، وزُفَّتْ فَرِحَةً إلى الجنان.

ها هي تحلِّقُ كملاك، لطيفة نورانية ذات إشراقٍ، ترفرفُ بخفة، وقد أُسْكِنَتْ حويصلةَ طائرٍ أخضرَ، يصدح سابحًا في رياض النعيم، عافتِ الدنيا الدنِسة، مَجَّتْها وأهلَها، وما بها عليها من أسف، ولا بها إليها من حنين.

♦ ♦ ♦

 

كوحش ضارٍ، أعمى الضلالُ بصرَه وبصيرتَه، تطاردُه الأشباحُ، وتسكُنه الهلوسة، برأسه دويٌّ لانفجاراتٍ شتى، امتزجت فيها أصواتُ البكاء مع الصراخِ مع الأنينِ، يرمق الجسد البريء الملقى أمامه، وتزغلل عينيه حمرةُ الدم القانية، يحسُّ بالاختناق، يحاول الفرارَ من نفسه، يجري صوب بابِ المقبرة، يرتطمُ بالحائط، يسقطُ على جبينه فيَدمى وجهُه، ويكتسح أطرافَه شللٌ وارتعاش، تهاجمُه الأشباح؛ الأيدي تعاركُه، الأرجل تركلُه، الوجوهُ والأفواه تصرخُ فيه وتصيح، يحاول النهوضَ، يجري هائمًا على وجهه، وحيثما حلَّ تنزَّلتِ اللعناتُ.

يصل مسكنًا مهجورًا، فيرتمي على أرضه في غيبوبة وهلوسة، ليفتحَ عينيه حين يفتحهما على منظر الكلابِ البوليسيةِ المدرَّبة، وقد أحاطت بالمكان، فيصدرُ بكاءً يشبهُ بكاءَ الرُّضَّع، لا.. بل المجانين.

♦ ♦ ♦

 

كنتُ بالمشفى أرقدُ على السرير، حين شعرتُ بها تُطوِّقُني في حب وحنين، تقبِّلُ جبيني وتناديني بأغرودتها المعتادةِ: "أحبك ماما"، أفقْتُ على صوتها الدافئِ، فتحتُ عينيَّ فلم أجدها، صرختُ:

♦ لا يا "شام"! لا تذهبي، لا يا ابنتي، لا تتركيني!

أقبلَتِ الممرضةُ عليَّ، وبدأتْ تهدئُ من روعي، تعزيني في محنتي، وتواسي جراحَ قلبي، مَكَثْتُ أيامًا لم أقدر فيها على تحمُّل الفاجعةِ، لكنني تذَرَّعتُ بالإيمان، واحتسبتُها عند ربي.

♦ ♦ ♦

 

مرت "شام" من هنا، ها هو شذاها يعطِّرُ أجوائي، مرت كسنونوَّة مغرِّدة، في شتاء أيامي، كنت كبجعة في خريف العمر، أنهكها المسيرُ، فتأبَّطت ألمي، عانقتُها وما ارتويتُ، قبَّلتُها وما نفد السِّقاءُ وما سُقيتُ، غاب حلمي، وغربتْ شمسُ الأصيلِ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة