• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

خيار عاصف عند مفترق الطرق

د. زهرة وهيب خدرج


تاريخ الإضافة: 8/2/2017 ميلادي - 11/5/1438 هجري

الزيارات: 4083

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خيار عاصف عند مفترق الطرق


إلى بلادٍ تُشرِق عليها الشمس ما بين أربع إلى ست ساعاتٍ شتاءً، ويُظلِم عليها الليل أربع إلى ست ساعاتٍ صيفًا، ركِب زيدٌ رحلته مسافرًا لدراسة الطب.

 

أكثَرَ والداه من الدعاء له وتوصيته، بصعوبةٍ أمسَك دموعه: "نريدك أن تبقى على ما ربَّيناك عليه، وأن تثبُتَ على دينك وأخلاقك، وأن تُحقِّق الهدف الذي خرجتَ لأجله، وأن تُبقِي رؤوسنا مرفوعة عاليًا، لا تلتفِتْ للمحرَّمات؛ حتى لا تقع فيها، فالنظر هو البوابة التي يلج الشيطان منها للإنسان، سيبذلُ الشيطان جهده لإغوائك، فإن وقعت في الحرام مرة، لن يكون بمقدورك أن تنهض مرة أخرى؛ فالحذرَ الحذر، قلوبنا معك، وسندعو الله لك دائمًا، ولكن كُنْ مع الله؛ حتى يكون الله معك".

 

ضحك بملء فيه، فما الداعي لهذا القلق وهذه الوصايا؟ فهو أبدًا لن يخيِّب آمالهم.

ألقى النظرةَ الأخيرة على وطنه الحبيب مِن نافذة الطائرة، بعد أن ارتفعت في الجو؛ حيث غدت البيوت كعُلَب كِبْريت صغيرة، والشوارع كخيوطٍ سوداءَ رفيعة، ثم أخذ يغوص في أَرْوِقة ذاكرته، مستعرضًا رصيد ذكرياته لسنوات عمره الثماني عشرة، التي احتفظت بتفاصيل حياته حلوها ومرِّها.

 

حطَّت به الطائرةُ في بقعة جديدة من الأرض لم يعرفها، أحسَّ بها باردةً وكئيبةً، وبهرَتْه المباني والأضواء والصخب، ورَبَكه عُرْي الفتيات في كل مكان، وأذكى الصراع داخله وزاد إلى كآبته همًّا وغمًّا وحزنًا، خاصة لشابٍّ ملتزمٍ مثله، وأن العَلاقات الحميمة هي الشيء السائد والمقبول في تلك البلاد، وغير ذلك هو الشاذ، فآثر الهروب إلى دروسه والهدفِ الذي جاء من أجله!

 

مرَّتِ السَّنة الأولى بصعوبة شديدة، شعر بها عمره كله، كانت الوحدة والانشغال التام وقلة النوم - أهم سمات تلك السَّنة التي ألقت بظلالها الكئيبة على نفسه.

 

"مصطفى" ابن بلدِه ورفيقه في غربته، الذي سبَقه إلى هذا البلد بأعوام ثلاثة، سخِر مِن عزلة زيد، وإصراره على عدم الاندماج في المجتمع، وأغراه بالمتعة والترفيه وتجديد الطاقات؛ ليكون بمقدوره الاستمرار في دربه الشاقِّ الذي اختاره لنفسه، وأكَّد له بأنه آجلًا أم عاجلًا سينخرط في حياة هذا البلد، فهو وجميع الشباب الآخرين كانوا مثله في البداية، ثم تغيَّروا بعد ذلك تمامًا.

 

في السَّنة الأولى كان القرآنُ أنيسَ قلبه، والصلاة غذاء روحه، إلا أن ذلك لم يَدُمْ، فقد أخذ يُهمِل القرآن، ويُفوِّت الصلوات، ويَعِدُ نفسه كلَّ يوم ويؤكِّد لها بأنه سيعود لسابق عهده مع الصلاة والالتزام، بعد أن تقل أعباء دراسته التي استنفدت وقته وجهده.

 

استبدَّ به الشوق لأهله ووطنه، حتى أصبح يرى والديه في المنام دائمًا، فيصحو عليهما يناديانِه ويدعوان اللهَ له.

أصابته حالاتٌ كثيرة من الإحباط والحزن، والضغط النفسي، حتى سيطرت عليه فكرة الرجوع من حيث أتى، كان يشكو همَّه لمصطفى، إلا أن رفيقه طمأنه بأنه سيتأقلم مع المجتمع لدرجةٍ قد تنسيه أهله وبلده؛ ولهذا ألح عليه كثيرًا بأن يرافقه في السهر مع الشلة؛ عساه يرتاح نفسيًّا، ومع إلحاحه الشديد والمتكرر، وافق بشرط أن تكون المرة الأولى والأخيرة، ويتركه وشأنه بعدها دون إلحاح وضغط.

 

وفي الملهى وجد نفسه غريبًا في جو صاخب جدًّا، شعر فيه بالقرف والاحتقار، وعلا وَخْزُ ضميره منتفضًا ثائرًا على وجوده في مثل هذا المكان، تحفَّز للهروب، أحس مصطفى بمشاعره، فغاب قليلًا ليعودَ برفقة فتاة فائقة الجمال، عرَّفها بصديقه زيد، وأخبرها بأنه متفوق دراسيًّا، ولا صديقات له، وهمس في أذنها طالبًا إدخال السرور إلى قلب رفيقه، اقتربَتْ منه، التصقت به، حاولت إغواءه، ابتعد عنها ولم يستجِبْ، فسحبته من يده لمُراقصتها، قاوَمَها رافضًا، ثم أطلق ساقيه للريح مغادرًا المكان، يضجُّ داخله بمشاعر الاحتقار لذاته، والإحساس بالذنب.

 

لم ينتهِ الصراع داخلَه، بل دخل في مرحلةٍ جديدة منه، فما بين تَكرار السهر مع مصطفى ورفاقه، وإبداء مرونةٍ تليق بالموقف، ثم المُضِي قُدْمًا لتلبية الرغبات التي تلح عليه بإطناب، خاصةً بعد أن أتاح لها متنفَّسًا لم تعهَدْه من قبل، في ظل غربةٍ أحكمت قبضتها على جسده وروحه وعقله وقلبه، وبين أن يسلك الدربَ الآخر، فيبتعد عنها ولا يعود لها نهائيًّا - بات مترددًا بعنف، متوترًا ومضطربًا وقلقًا، إلى درجة أثرت على تركيزه وأدائه الدراسي، رسب في السنة الثانية!

 

قرَّع نفسه، احتقرها، ثم عاد ليؤكد لنفسه أنه يحتاج لقرار صلب ينقذه من العذاب الذي يَسُوطُ روحه، لم يكن في يومٍ شخصًا مستهترًا ضائعًا، يعيش لهدف لَحْظِي، فكيف له أن يسمح الآن لنفسه بأن تتمادى وتغمسه في الشهوات، وتتركه ليحترق بأُوارها الذي سيزداد استعارًا يومًا بعد آخر؟

وجد نفسَه يسير إلى مُصلَّاه، وكأن قوة تجذبه إليه، ركع، سجد، استوى، ثم رفع يديه مناديًا خالقه: اللهم إني أسألُك إيمانًا دائمًا، وقلبًا خاشعًا، وأسألك علمًا نافعًا، وأسألك يقينًا صادقًا، وأسألك دِينًا قيمًا، وأسألك العافية مِن كل بلية، وأسألك تمام العافية، اللهم إليك مددتُ يدي، وفيما عندك عظمَتْ رغبتي، فاقبَلْ توبتي، وارحَمْ ضعف قوتي، واغفر خطيئتي، واقبل معذرتي، واجعل لي مِن كل خير نصيبًا، وإلى كل خير سبيلًا برحمتك يا أرحم الراحمين، فتح كتاب الله فإذا به بآية: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾ [العنكبوت: 2].

 

شعر بطمأنينة لم يعهدها منذ قَدِم إلى هذه البلاد، انطلق يتَّصِل بوالديه، وهو يقول في نفسه: أعدكما أن أكون عند حُسن ظنِّكما.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة