• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

هل بقي لنا أمل؟ (قصة)

د. زهرة وهيب خدرج


تاريخ الإضافة: 19/5/2016 ميلادي - 11/8/1437 هجري

الزيارات: 4381

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

هل بقي لنا أمل؟


كانت تفترشُ الأرضَ فوق الركام الذي كان - في زمن مضى - منزلَها، جالسة إلى جانب خيمتِها المصنوعة من الشادرِ الكاكي، شاردةَ الذِّهن تتأمَّل أشلاءَ ما تبقَّى من حياتها السابقة، وحياة الحيِّ الذي كان في أيام ماضية يَعُجُّ بالحياة والأمل، تحملُ دفترَ مذكراتِها، تكتب فيه سطورًا، تحكي القصةَ نفسَها التي تتكرَّر في كل مرة، في كلِّ حرب على البقعةِ نفسها التي أعياها الحصارُ، تستحضر في ذهنها وَقْعَ سقوط القذائف والانفجاراتِ، وأزيز الرَّصاص، وصراخ الأطفال والنساء، والقَصَص الراعِبة التي تروي حكاياتِ الجرحى وحكايات الناس الذين قضَوْا تحتَ قصفِ الصواريخ والمباني المنهارة، وأجواء الرُّعْب الأخرى التي عاشَتْها هي وكلُّ من يسكن البقعةَ الأكثر اكتظاظًا في العالم!

 

كيف لها أن تنسى جدَّها الذي مزَّق جسدَه الصاروخُ الذي مزَّق بيتَهم، وأقعَد والدَها على كرسيٍّ متحرِّك، وأفقد والدتَها إحدى ذراعيها، وإحدى عينَيْها، وترك في نفسها هي جرحًا غائرًا يَصعُب الشفاء منه مهما مضى عليه من الزمن؟ كيف لها أن تنسى خطيبَها الذي انقطعت أخبارُه منذ الحرب الأولى على قطاع غزَّة، فلا تدري إن كان لا يزال حيًّا يرزق، أم أن صاروخًا فتَك به كما الكثيرين، ودُفِن تحت ركام المنازل؟

 

في كثير من الأحيان تتمنَّى لو أنك تسمع خبرًا واضحًا وصحيحًا يطمئِنك عمَّن تحب، حتى وإن كان خبرَ وفاته! لا يهمُّ، ولكن على أقلِّ تقدير تطمئن على أنه مرتاح إلى جوارِ ربِّه، أمَّا أن تبقى معلَّقًا هكذا، تضرب أخماسًا في أسداس، تحسبه مرة حيًّا، وأخرى يشارك الأمواتَ في عالمهم، فهذا ما لا تطيقُه النفس.

 

كيف لها أن تدوِّن ذكرياتها التي تفيض ألمًا وحزنًا وأشلاءً وضجرًا من الحصارِ وجميع ملحقاته من: بطالةٍ، ونقصٍ في جميع المواد الأساسية، وانعدامِ مقوِّمات الحياة، من دون أن تتذكَّر حكايات جدِّها عن الحياة السعيدة التي كان يحياها في عسقلانَ قبل هجرتِه لقطاع غزة في الـ 48؟ كيف لها أن تكتبَ تلك الذكريات دون أن تقارنَ حياتَها السابقة بحياتها الحاليَّة المُحطَّمة بعد أن انهارت الجدرانُ التي كانت تُسجِّل خلفها رواية حياتها التي تضاعف بؤسها أضعافًا مضاعفة؟ تحاول أن تكتبَ، تكتب بموضوعيَّة، ولكن هل يستطيعُ الأسير أن يكتب عن الحرِّية بموضوعية من دون أن يكتب عن بؤسِه، ويُعَرِّجَ على الزنزانة التي تحتجزُ جسدَه وتحيلُ أيام وسنوات عمرِه ركامًا؟! هل يستطيع المريضُ أن يكتب عن الصحَّة من دون أن يُحَمِّل كلماتِه آلامَ جسده وأوجاع روحه؟ تحاول كما الجميع حولها أن تعيدَ بناءَ حياتِها من جديد، وتحاول أيضًا أن تُعيدَ ترميمَ داخلها المُتصدِّع ... تخونُها العَبرات، وتَنسابُ الدُّموعُ على وجنتَيْها اللَّتَيْنِ لوَّحتهما الشمسُ، وصبغَتْهما بلونها لطولِ جلوسها تحتَ أشعَّتِها الحارقةِ في أيام الصيف الطويلة، ولا تدري، أهي تبكي نفسَها؟! أم عائلتها؟! أم تبكي البيتَ؟! أم تبكي البؤسَ والشقاء الذي يعيش فيه الجميعُ هنا في قطاع غزة؟! أم تبكي المستقبلَ المُظْلمَ الذي لا ترى فيه أيَّ كوَّة تتسلَّل خيوط الفجر من خلالِها مهما كانت بعيدة؟ أم تبكي ذلك كله؟! هي لا تعرف الجواب تحديدًا.

 

ليس الماضي فقط ما يحزنُها وتكتب عنه، بل يُحزِنُها الحاضرُ؛ الحاضر الذي ربما لا تكادُ ترى فيه بارقةَ أملٍ بحياة كريمة تحياها كجميع البشرِ على هذه البسيطة، فالكهرباء - على سبيل المثال لا الحصر - رفاهيةٌ لم تَعُدْ تَحلُم بها، وإعادةُ إعمار البيوت التي تهدَّمت، والغاز، والمياه النظيفة ... إلخ، لا مجالَ للحديث فيها في قطاع غزة، ناهيك عن الخوف الدائمِ الذي يسيطر عليها كما الآخرين من أن تفقدَ المزيد في لَمْحِ البصر؛ فكيف سيكون هناك أملٌ في مستقبل أفضلَ إن كانت لا تعرفُ ما يحمله لها اليوم الذي تعيش فيه؟ هل ستعودُ الحرب مرةً أخرى في ظلِّ نار لا تتوقَّف عن الاشتعال، وعدوٍّ غاصبٍ مُتغطرسٍ لا يتوقف عن غطرستِه واستعراض عضلاته، والاستقواء على شعب محاصَرٍ، مستضعفٍ، ممنوعٍ من الحياة؟

 

وتزيح أفكارَها وآلامها جانبًا، وتعود لدفترها تدوِّن فيه: رغمَ كلِّ ما خَسرتُ وخسرنا جميعًا إلا أن رغبتي التي لا تلينُ بحياة حرَّة كريمة أحياها كما ينبغي لإنسان حرٍّ أبيٍّ - تدفعني للاستمرار؛ لإكمال الدرب، وعدم التراجعِ أو الخضوع لليأس، فلا سبيل لحياةِ الكرامة والحرِّية التي أحلمُ بها ويحلُمُ بها جميعُ من هم أمثالي إلا البندقيَّة والمقاومة؛ صواريخ العزة يحملُها المقاومون على أكتافِهم هي الشيءُ الحقيقي الذي يحملُ بارقةَ الأملِ لنا جميعًا، أمامَ عدوٍّ ظالم لا يفهمُ إلا منطقَ القوة، ولا يعتبرنا من البشر الذين يستحقُّون الحياة، بل يرانا صنفًا أدنى منه!

 

فلا نامَتْ أعينُ الجبناء!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة