• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

حواء: هل هي الظالمة أم المظلومة؟

حواء: هل هي الظالمة أم المظلومة؟
د. زهرة وهيب خدرج


تاريخ الإضافة: 8/5/2016 ميلادي - 30/7/1437 هجري

الزيارات: 6142

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حواء: هل هي الظالمة أم المظلومة؟

 

لن أخبركم أين تسكن؛ لأنَّ ذلك غير مهمٍّ، فقصَّتها تتكرَّر دائمًا، ولا تَقتصر على مكان دون آخر في العالم العربي، ولكن كونوا على ثِقة أنَّها موجودة هنا، تتنفَّس في مكانٍ ما، كما لن أذكر اسمها؛ فهي اعتادَت أن تكون دائمًا نكِرة، تنفِّذ الأوامر بصمتٍ وحَسْب، فما الجديد في هذه المرة عندما أتحدث عنها بقول: هي؟ لن يستجدَّ جديد بالنسبة لها.

 

وجدَت نفسها مغروسةً وسط أسرة كبيرة ممتدَّة عندما زوَّجها والدها قبل أن تتمَّ الرابعة عشرة من عمرها، ولحظِّها العاثر فقد أنجبَت للدنيا سبعًا من البنات، كرهَتها أسرةُ زوجها كما كرِهوا بناتها، هم يريدون ذكورًا، ولكن لأنَّ هذه المرأة (نحس) في نظرهم فهي تُسقِط كلَّ جنين ذكرٍ تحمل به قبل نِهاية الشهر الخامس من الحمل، وعندما تكون أنثى يكتمل الحمل، ولأنَّ الحَمل اكتمل هذه المرَّة، فالجميع يعلم أنَّها ستكون أثنى.

 

بعد أن انتهَت من وضع وليدَتها وحيدةً في غرفتها ووحيدة في البيت أيضًا، تحاملَت على نفسها، وتجاوزَت على مضض جميعَ ما علق بجسدها من آلام المخاض والولادة، ونهضَت بتثاقل، لفَّت صغيرتَها بقطعة قماشيَّة خشنة، وتركتها وحيدة في الفراش تَبكي غربتها التي وجدَت نفسها فيها فجأة.

 

وانطلقَت تعدُّ الطعامَ للأسرة الكبيرة التي سيعود أفرادُها في المساء من مزرعتهم التي يعملون جميعهم في زراعتها وجنيِ ثمارها، بصحبة قطيع الماشية التي يأخذونها للرَّعي طوال النهار؛ لهذا يجب أن تكون جميع الأمور على ما يُرام، وإلَّا فالويل ثم الويل إن كان هناك تقصير ما، لن يرحمها أحَد، وخاصَّة مع مولد البنت الثامنة ستسوء الأمور أكثر فأكثر.

 

وضعَت بعضَ اللحم داخل المرق على الموقد، وتركَته لينضج، وخلال ذلك وضعَت بعض الشعير للدَّجاج والحَمام الذي يعيش في الحظيرة إلى جانب البيت، لكنها لم تتمكَّن من كنس الحظيرة بسبب آلام الوضع التي لم تتخلَّص منها بعدُ، ولا زالت تضرِب بقسوة في بطنها وأسفل ظهرها.

 

وقبل غياب الشمس كانت قد انتهَت من تحضير الطَّعام، وغسل الملابس، وتنظيف البيت، وتحضير المكان لاستِقبال الماشية التي ستقوم بحلبها وتصنيع اللَّبن والجبن من حليبها فور عودتها من المرعى، استلقَت إلى جوار طفلتها لتأخذ قسطًا من الرَّاحة وتحاول إرضاعَ الصَّغيرة قبل عودة الغائبين، ولكن الطِّفلة رفضت بإصرار تقبُّل ثدي والدتها، وتابعَت بكاءها بقوَّة.

 

وصلَت أولى الوفود، التي ابتدأَها قطيع الماشية يسوقه أحَدُ إخوة زوجها، أدخل الماشيةَ حظيرتَها وأغلق وراءها الباب، وانطلق ليصلح شؤونَه ويرتاح، ثمَّ وصلَت حماتها وبصحبتها بقيَّة أفراد العائلة، راعهم صوتُ الصَّغيرة الباكية بمجرَّد دخولهم البيت، فبادرَتها حماتها:

♦ أهي بنت؟

أجابت مطأطئة الرَّأس:

♦ نعم.

♦ إذًا، ها قد أنجبتِ البنت الثَّامنة، واللهِ لا أدري ما الذي يجعلني أصبِر عليكِ حتى الآن، سأزوِّجه من أخرى تنجب لنا الذُّكور، وأنت سأُبقي عليكِ هنا في البيت لترعي بناتك وتقومي بأعمال البيت خلال غيابنا، أنتِ لا تستحقين حتى لقمة الأكل التي تأكلينها في بيتنا.

 

انفطر قلبها حزنًا وكمدًا، وترقرقَت من عينيها دموعٌ جاهدَت نفسها لتخفيها دون جدوى، اقتربَت منها صغيراتها العائدات للتوِّ من العمل في المزرعة، قبَّلنَ يدها ومسحن دموعَها، وذهبنَ برفقتها لرؤية الطِّفلة الجديدة، وهنَّ يبدين فرحًا طفوليًّا بريئًا لقدومها للدنيا ولتشاركهنَّ العيش في كنف هذه الأسرة، حتى وإن كانت أسرةً تكرَه الإناث وتمتصُّ جميعَ طاقاتهن الجسديَّة للعمل في المزرعة، وتنكِر عليهنَّ أي طاقة عقليَّة قد تسوقهنَّ للخروج عن المألوف.

 

أمَّا زوجها، فقد لاذ بالصَّمت كعادته أمام والدته وكلامها الجارِح الذي تقذِفها به باستمرار، وخفض عينَيه في الأرض حزينًا لعجزه في الدِّفاع عنها، واكتفى بعد أن ضمَّته الغرفة وإيَّاها وحيدين بقوله:

♦ الحمد لله على سلامتك، أنا آسف لما يجري.

ولم يتجرَّأ أن يتحدَّث في موضوع اختيار اسمٍ للطفلة؛ لأنَّ ذلك من اختصاص والدته، كما لا يَستطيع مخالفة رأيها فيه.

 

طلبَت منه الاستقلال عن بيت الأسرة مرَّات عديدة؛ لأنها لم تعد تحتمل العبءَ الثقيل الملقى على عاتقها، ولكنَّه رفض في كلِّ مرة بشدَّة؛ ليس لأنَّه يجد في بقائهم ضمن الأسرة الممتدَّة الراحة والطمأنينة؛ وإنَّما لأنها تعوزه الجرأة للإعلان عن رغبته في الانفصال، ولعجزه عن طلَب حصَّته في الدَّخل الشهري من والدته ليكون بمقدوره الانفصال.

 

فكَّرت مرات أن تغادِر هذا الجحيم الذي لا يُطاق إلى بيت والدها، ولكنَّه رجل كبير في السنِّ، ومتزوج من امرأة غير والدتها، ولكلِّ واحد من إخوتها حياته وهمومه التي يصعُب عليها إقحام نفسِها في وسطها، كما أنَّ والدها قد أخبرها في مرَّة سابقة أنَّه يرحِّب بعودتها وحدها إلى بيته، ولكن لا قِبَل له ببنات النَّاس، ولكن كيف لها أن تعيش بعيدًا عن زهراتها الثمانية اللواتي لا ترى في الحياة أملًا سواهن؟

 

استمرَّت تُكابِد الحياة القاسية في بيت الأسرة الكبيرة، وتعيش صمتًا أنساها الكثيرَ من مفردات الحياة الجميلة، وتُسلِّي نفسها أحيانًا بأنَّ هذه الحياة لن تدوم هكذا للأبد، لا بد وأن يتغيَّر الحال في يومٍ ما، كانت تشفِق على صغيراتها اللواتي أحنَت ظهورَهنَّ قسوةُ العمل وشدَّته، فلكل منهن نصيب من الشَّقاء اليومي الذي لا تسامح في التهاون في إتمامه.

 

وفي ظهيرة ذات يوم عاد الغائبون إلى البيت على غير عادتهم، وكأنَّ على رؤوسهم الطَّير، ليكون ذلك إيذانًا بتغيُّر جذريٍّ في حياتها، لا تدري إن كان للأسوأ أم للأفضل، وربَّما يكون بداية تحوُّل خطيرة كان لا بدَّ منها رغم تأخُّرها؛ أخبروا أنَّ الجرار الزراعي انزلق على زوجها خلال حِراثة الأرض، وتركه أشلاء.

 

وبعد انتهاء العزاء، خيَّرَتها حماتُها بين أن تبقى على حالها في بيتهم مقابل عملها هي وبناتها في البيت والمزرعة، أو أن ترحَل وبناتها إلى حيث تشاء.

 

طالبَت بحقِّ زوجها وبثمَن تعبها وتعبه، فكان الجواب:

♦ لا حقَّ لكم عندنا.

فاختارَت خوضَ المجهول رغم خوفها الشديد منه، بعد أن رجحَت أنه لن يكون أقسى حالًا ممَّا هي عليه الآن.

ضمت بناتها الثمانية إلى صدرها، ورحلَت عن البيت الذي لم تجِد فيه سوى الجفاف والقسوة ونكران الجميل، استأجرَت بيتًا صغيرًا جدًّا يؤويهنَّ، وأخذَت تشتري الحليبَ وتصنع منه الجبنَ واللبن وتبيعه في المدينة المجاورة، صحيح أنَّ حياتها لم تصبح أحسَن حالًا وأقلَّ تعبًا وإنهاكًا ممَّا كانت عليه، إلَّا أنها باتَت أكثر هدوءًا وطمأنينة.

 

استطاعَت بعد عام أن تشتري نعجةً لها، أرسلَت بناتها للمدرسة، وبدأَت ترى تقدُّمهن وتفوُّقهن، وتحسُّن حالهن، وتمنَّت لو أن زوجها لا زال على قيد الحياة ليذوق طعمَ الحياة الكريمة برفقتهنَّ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة