• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية


علامة باركود

القديم والحديث

د. وليد قصاب


تاريخ الإضافة: 21/1/2010 ميلادي - 5/2/1431 هجري

الزيارات: 25657

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
قال ابن قتيبة في موضوع القِدَم والحداثة: "رأيت من علمائنا مَن يستجيد الشعر السخِيف لتقدُّم قائله، ويضعه في متخيَّرِه، ويرذل الشعر الرَّصِين، ولا عيب له عنده إلاَّ أنه قيل في زمانه، أو أنه رأى قائله.

ولم يُقصِر الله العلم والشعر والبلاغة على زمنٍ دون زمن، ولا خَصَّ به قومًا دون قوم، بل جعل ذلك مشتَرَكًا مقسومًا بين عباده في كلِّ دهر، وجعل كلَّ قديمٍ حديثًا في عصره، وكلَّ شرفٍ خارجيةً في أوَّله"[1].

وهذا قولٌ من أنفس ما قيل في النقد الأدبي، بل في تقويم الفكر الإنساني عامَّة، وذلك أنه يُرَسِّخ مجموعةً من القواعد الهامة، وهي: الموضوعية، والمنطق، والواقع، وعدَم التعميم، والعدل الإلهي.

فالموضوعية لا تقبل المعيار الزمني - القِدَم والحداثة - حكمًا على الشعر أو الفكر بالجودة أو الرداءة؛ إذ إن هذا معيارٌ غيرُ عقلي ولا منطقي؛ لأنه لا يتعامَل مع النصوص ذاتها، ولا ينطلق من داخلها، بل يتعامَل مع زمانها، أو تاريخ إبداعها، وهو غير منطقي ولا موضوعي؛ لأنه معيار غير ثابت، ولا ضوابط له، فكلُّ قديم كان حديثًا ذاتَ يوم، وكلُّ حديث صائر قديمًا ذات يوم، فقد كان جرير والفرزدق والأخطل ومئات الشعراء من أمثالهم يُعَدُّون في زمانهم مُحدَثِين، وكان واحدٌ من أمثال أبي عمرو بن العلاء الذي عاصَرَهم وشهد زمانَهم يعدُّهم مُحدَثِين، ولأنه محتكِم إلى هذا المقياس الزمني وحده لم يروِ شعرهم، كان يقول: "لقد كثر هذا المحدَث وحَسُن حتى لقد هممت بروايته"[2].

فاستبعاد هذا المقياس إذًا يُؤيِّده الواقع، ويتَّفق مع المنطق، وهو ينفي التعميم في الحكم من غير تمييزٍ بين النصوص التي أبدَعَها القدماء أو المحدَثُون، فهي - بمقياس العقل والواقع - لا يمكن أن تكون متساوية: لا جودة، ولا رداء، فليس كل ما أنتجه القدماء حسنًا أو قبيحًا، ولا كل ما أنتجه المُحدَثون حسنًا أو قبيحًا، بل في كلِّ هذا وذاك من الحسن ومن القبح نصيبٌ، قلَّ أو كثر.

ثم إن مما ينافي العدل الإلهي أن يقتصر الحسن أو القبح على القدماء أو المحدَثين؛ لأن هذا يعني أن الله - جل في علاه - أعطى هؤلاء وحرم أولئك، ومنح قومًا الذكاء والعبقرية ومنع منهما قومًا آخَرين، وهذا لا يتَّفق مع العدل، بل العدل - كما قال ابن قتيبة - أن الله "لم يقصر العلم والشعر والبلاغة على زمنٍ دون زمن، ولا خصَّ به قومًا دون قوم، بل جعل ذلك مشتَرَكًا مقسومًا بين عباده في كل دهر".

إن الحكم على الفكر إذًا - قديمًا كان أم حديثًا - هو في ضربه على محكٍّ معنوي أو لفظي معين، فيكون الحُسْن والقبح في النص ذاتيين، كامنين في داخله.
وعندئذ، فمثلما أن اعتقاد العصمة أو الحُسْن في كلِّ قديم مرفوض؛ لاحتكامه إلى معيار زماني بيَّن ابنُ قتيبة بطلانَه - فكذلك اعتقاد الحُسْن في كلِّ حديث، أو الجري وراء كلِّ نزعة جديدة تظهر هنا أو هناك، أو الحرص على هدم كلِّ قديم لمجرَّد الهدم وحده، وسعيًا إلى الجديد وحده - مرفوض كذلك.

ليس كلُّ جديد حسنًا دائمًا، ولا كلُّ قديم حسنًا دائمًا، ليس الحق أبدًا مع الغابرين أو التالدين، وليس الصراع في العادة بين العصور أو الأزمان، أو الماضي والحاضر، ولكن الصراع في حقيقته الجوهرية بين القِيَم والأفكار، بين المبادئ والتصوُّرات، ومن حق كل جيل أن تكون له تصوُّراته الخاصة، وآراؤه الخاصة، ولكن هذا لا يعني أن تصوُّرات هذا الجيل أو ذاك هي أصحُّ أو أجود، ولا يعني كذلك أن كلَّ تطوُّر يمضي دائمًا نحو الأحسن، بل لا بُدَّ أن يكون لدى كلِّ أمة ثوابت فكرية، أو عَقَدية معينة، تزن بها الأشياء في قديم أو حديث، فتحكم عليها بهذه المعايير الموضوعية وحدها، وإلا تحوَّل التاريخ إلى ضربٍ من الهدم، ينسِف فيه كلُّ جيلٍ فكرَ مَن تقدَّمَه، معتقِدًا - كما ذكرنا - الحسنَ في الجديد، والقبحَ في القديم.
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] الشعر والشعراء: 1/63.
[2] السابق.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة