• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية


علامة باركود

الشعر الغرناطي وثيقة تاريخية

الشعر الغرناطي وثيقة تاريخية
السعيد الدريوش


تاريخ الإضافة: 15/8/2015 ميلادي - 29/10/1436 هجري

الزيارات: 8306

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الشعر الغرناطي وثيقة تاريخية

 

لئن كان الشعر العربيُّ منذ بزوغه في الصحراء العربية تصويرًا فنيًّا بديعًا، يَستمد مقوِّماته الجمالية من أسُس البلاغة الجميلة، وجواهر الألفاظ الصَّقيلة - فقد أضحى في حدائقِ غَرناطة الأندلسية وثيقةٌ تاريخية تَزخر بالأحداث السياسية والعسكرية والاجتماعية، بل أصبح المصدرَ الوحيد والأوحدَ لمعرفة فترة تاريخيَّة مهمة من تاريخ المسلمين بالأندلس؛ على اعتبار أنَّها مرحلةٌ تاريخية مهمة سكتَت عنها كتب التاريخ العربية؛ نظرًا لحالة الالتباس والغموض التي عانَت منها، أو نتيجةً لفقدان العديد من الكتب والمصادر الأندلسية التي تحدَّثَت عنها وعالجَتْها، خصوصًا مع سقوط غَرناطة آخرِ مَعاقل المسلمين وما تعرَّضَت له الآثار الإسلامية المادية والفكرية من طمسٍ وعبَث؛ بُغيةَ وأدِ ما تبقى من الصَّرح الحضاري الإسلامي في الأندلس.

 

وبالفعل ساهمَت هذه الدواوين الشعرية الأندلسية في إضاءة جوانبَ مظلمة من تاريخنا المنسي، كاشفةً عن حقائقَ تاريخية هامة، ومساهِمة في تعميق البحث على المستوى التاريخي بخاصة، وبالتأمل في النِّتاج الشعري الغَرناطي نجده كشفًا جديدًا أثرى الخِزانة الأندلسية ببُروز شعراء مُجيدين جدُد، انضافوا إلى قائمةِ سابِقيهم ممن بصَموا على عُمق الإبداع وغزارة الإنتاج، ويتقدم هؤلاء الشعراءَ الملكُ الشاعرُ يوسف الثالث الذي خلَّف ديوانًا شِعريًّا طرَق فيه جميعَ الأغراض الشعرية، وحقَّقه الدكتور عبدالله كنون[1]، يَليه ديوان وزيرِه وشاعره المدَّاح أبي الحسين بن فُرْكون، بتحقيق الدكتور محمد بنشريفة[2].

 

إذًا ما هي أهمُّ المضامين التاريخية المبثوثة في شِعرهما؟ وكيف ساهَمت هذه الحقائق التاريخية في تعزيز التراث الإسلامي بالأندلس؟

1 - القيمة الوثائقية في شعر الملك الشاعر يوسف الثالث[3]:

لم تكن هذه الفترة التاريخية المتأخِّرة من تاريخ الأندلس سوى تقليدٍ أدبي متوارَث، بل ترديدٍ لأصداءِ الماضي وأحداثِه، سواءٌ على المستوى الفنِّي أو الوثائقي التاريخي؛ فقد كان رائدُ البلاغة الأندلسية ذو الوزارتين لسانُ الدين بن الخطيب سبَّاقًا إلى تضمين شعره أحداثًا تاريخية نوعية لم تُشِر إليها مصادرُ التاريخ المغربي والأندلسي، حين أشار في قصيدته اللاميَّة الطويلة المؤلَّفة من مِائتي بيت والمسمَّاة (المنح الغريب في الفَتح القريب) إلى حدثٍ تاريخيٍّ بارز؛ يقول لسان الدين بن الخطيب [الكامل]:

والرُّوم لاسترجاعِ حقِّك شمَّرَت ♦♦♦ هذا هو النَّصر المُعَمُّ المُخْوَلُ[4]


هذا البيت علَّق عليه شيخ المحققين المغاربة وعميدُهم الدكتور عبدالهادي التازي رحمه الله بقوله: "أمام سكوت مصادرِ التاريخ المغربي والأندلسي عن الذين ساعَدوا السلطان الغنيَّ بالله على العودة إلى عرشه، نُلاحظ أهمية هذا البيت الذي ينصُّ نصًّا على أن الروم كانوا بتَنسيقٍ مع المغاربة وراءَ ذلك، والإشارة إلى بيدرو الملقب بالقاسي الذي هيَّأ الجو وأعد قطعًا من الأسطول لذلك، وتدل عبارة "المعم المخول" على أنه نصرٌ تضافرَت عليه جهودُ المغاربة: أبناء عَمِّ الملك النصري وجهود القُشتاليِّين أبناء خال الملك المذكور..."[5].

 

إذًا مِن خلال ما سبق نُدرك أهمية الشعر في توثيق الأحداث التاريخية، وإبراز ما أفَلَ مِن محطَّات حاسمةٍ في سماء الحضارة الإسلامية في الأندلس؛ لذلك لم يُفوِّت الشعراء الغَرناطيون على اختلاف مَراتبهم فرصةَ تسطيرها في شعرهم؛ ربما خوفًا من ضياع الحقائق، أو لجَعلِها خالدةً جليَّة بعد زوالهم، تَشهد على ماضيهم، وما قدَّموه في سبيل نُصرة الإسلام على العدوَّة النصرانية.

 

وها هو الملك الشاعر يوسف الثالث يُساهم بدوره في تقييد أحداثٍ سياسية كبرى في شعره، جاعلاً من ديوانه وثيقةً تاريخية تَزخر بوصف جلِّ المعارك السياسية التي خاضها، إضافةً إلى انتصاراته الخالدة، ولحظات سَجنِه العصيبة بعد أن استولى أخوه محمَّد السابع على الحكم.

 

وهذه بعضُ الأحداث التاريخية في شعره:

أ - تحرير جبل طارق:

وقد ورد في شعر يوسف الثالث تحت اسم (جبل الفتح)، ونستشفُّ من خلال التقديم النثريِّ للقصيدة السَّنةَ التي تم فيها الفتح والتحرير بعد التغلُّب على جيش المرينيين؛ يقول الملك الشاعر: "من منظومنا على أثر استفتاحنا جبَل الفتح في أول شهر جُمادى الثانية عام سبعة عشر وثمانمائة"، [الكامل]:

في المُلحِدين عداتنا لنجازِ
حيث الحقيقةُ لم تدنْ بمَجازِ
عنَّا الكتائبُ دائمًا إنجادُها
مُتضافرُ الإغراءِ بالإيعازِ
ولنا المَنابرُ أصدرَت دعَواتِها
بعوارفِ الإعلاءِ والإعزازِ
خُطباؤها أهلاً بهم قد أعلَنوا
ببلاغةِ الإطنابِ والإيجازِ
وطَريقُنا الأهدَى لحلَّة طارقٍ
لم يَدْر إلاَّ عَزْمة الإجهازِ
ومَعادنا الأرضَى مِن استِفتاحِه
قد زانَ حلَّةَ فخرِه بطِرازِ
وزهَى المركَّب والبسيط بأنْ زَكا
عَملُ المقيمِ الرَّحلِ والمجتازِ
وبِبذلِنا الآلافَ بحث نِضارها
لم يتَّخذ سببًا إلى الإكنازِ
في نُصرَةِ الإسلام قد جُدْنا بها
ليُثيبَنا ربُّ العُلى ويُجازي[6]

 

فمِن خلال هذه القصيدة الشعرية، يُبرز الملكُ الشاعرُ العواملَ التي تضافرَت لديه ومكَّنَته من هذا "النَّصر؛ وهي: الجيش القوي، والدعوة المستجابة، والعزيمة الثابتة، والبَذل الوفير"[7].

 

فربما كان النَّصر السلطاني مَدعاة لتفتُّق شاعرية الملك يوسف الثالث، فنَجده يُكثِر مِن الإنشاد وصياغة القريض في هذه المناسبة السعيدة؛ يقول من قصيدة أخرى: "وعند افتتاحنا جبل الفتح في أول جُمادى الثانية من عام سبعة عشر وثمانمائة نظَمْنا" [مجزوء الرمل]:

رُبَّ ظبيٍ سنَحا
فأهاجَ البرحا
حَضرة قد أصبحَت
للعيونِ مَسرحا
كيف لا وملكنا
للمعالي طمَحا
يوسفيٌّ كلما
قد عفا أو صفحا
قال غيث السُّحب: يا
جودَه، ما أسمَحا[8]

 

نلاحظ من خلال هذه الأبيات المقتطفة أن الشاعر يَفتخر بملكه وجُوده وبطشه، هذه الخصال التي ساهمَت بكل تأكيد في تحقيق النصر والفتح؛ متَّكئًا على وزنٍ خفيف يتَّسم بـ "النَّشوة والطَّرب"[9]، وهو مجزوء الرَّمل، وذلك من أجل ترديد القطعة الشعرية كنشيدٍ احتفالي بهذا النصر الكبير، نشيد يردِّده الجميع في مملكة غَرناطة الصغيرة، "ويترجح عندي أن هذا الوزن ظل نشيدًا تَرنُّميًّا، وخاصة بين الصغار والعامة"[10].

 

2 - القيمة الوثائقية في شعر أبي الحسين بن فُركون[11]:

لن أبالغ إن قلتُ: إن ديوان ابن فُركون هو وثيقةٌ تاريخية بامتياز؛ على اعتبار أن تقديماته النثرية تعجُّ بالتواريخ وبالأحداث، كما أن في "قصائده إشارات مهمة تَزيد التاريخ وضوحًا وتفصيلاً، وتتدارك أحيانًا ما أهمله من حقائقَ ومعلومات دقيقة، وهو ما يؤكد القيمةَ التاريخية للقصيدة الشعرية، ويجعل وضعها في عداد الوثائق التاريخية المساعدة - أمرًا غيرَ قابل للاعتراض، بل قد يتوافر من الأسباب ما يجعل القصيدة وثيقةً أصلية في موضوعها"[12]؛ فها هو شاعرنا يَجول بعَدستِه التي تلتقط كلَّ حدثٍ داخل المملكة الغَرناطية الصغيرة ليُخبرنا بها في حينها، فنجده يقول في إحدى تقديماته النثرية: "ولما دخل المسلمون من أهل رُنْدة صخرة عناد - أعادها الله - واستَأصلوا مَن وجَدوا بها قتلاً وإسارًا إلا قليلاً منهم اعتَصموا بقصبتها، ووَرد البشير بذلك قلتُ: أهنِّئ مقامه الكريمَ للحين وهي مِن المرتَجَلات في يوم الأربعاء الرابع لذي الحجة عام اثني عشر وثمانِمائة"[13]، وجاء في أخرى: "ومما صدَر عني في هَنائه أيَّده الله بحلول ركابه العليِّ بظاهر مالقة بإثر مخالفة المارقين من أهل جبل الفتح، وهي السفرة التي أجاز فيها السلطان السعيد إلى الغرب، ودخل مالقة في يوم الاثنين الثالث لشعبان عام ثلاثة عشر وثمانمائة"[14].

 

والسعيد المذكور في النصِّ هو محمد السعيد بن عبدالعزيز بن أبي الحسن المريني[15]، الذي كانت تجمعه بالملك يوسف علاقةٌ متينة، وصلَت إلى حدِّ إقامة تَحالُف مشتركٍ بين الاثنَين؛ قصد الإطاحة بالمرينيين في فاس، وخصوصًا حكم أبي سعيد عثمان المريني، إلا أن المحاولة باءت بالفشل عندما لحقَته الهزيمة على حُدودها، وقد أشار ابن فُركون إلى هذا الحدث في قصيدة عيديَّة رفَعها إلى السلطان يوسف الثالث؛ يقول الشاعر [البسيط]:

وكَيف تَدفع عن فاسٍ أسودُ وغًى
وما مَرابِضُها إلاَّ مَرابعُها
إن أجفلَت فئة التَّوحيد ها هي قد
عادَت تُنازل فيها مَن يُنازعُها[16]

 

وختامًا فقد حاولتُ من خلال هذه الإطلالة السريعة من شُرفة الشعر الغرناطي إبرازَ بعض الحقائق التاريخيَّة المبثوثة في الشعر الأندلسي في أواخر عَهده بالعدوَّة النصرانية، والتي بكل تأكيد تَحتاج إلى المزيد من التوسُّع والبحث بُغية استِكْناه ما تَجود به الدواوين الأندلسية من حقائقَ وأحداث ستُساهم بدون شكٍّ في تبديد بعض الظلام الذي يُحيط بالقرنين الثامن والتاسع الهجري.



[1] ديوان يوسف الثالث، حققه وقدم له ووضع فهارسه عبدالله كنون، الطبعة الثانية 1965.

[2] ديوان ابن فركون، تقديم وتعليق محمد بن شريفة، الطبعة الأولى، 1987.

[3] هو السلطان أبو الحجاج يوسف الملقب بالناصر لدين الله، ولد السلطان أبي الحجاج يوسف الملقب بالمستغني بالله، بنشريفة، ديوان ابن فركون، ص 19.

[4] ديوان لسان الدين بن الخطيب، تحقيق محمد مفتاح، الطبعة الثانية، 2007، المجلد الثاني، ص 500.

[5] ابن الخطيب سفيرًا ولاجئًا سياسيًّا، الدكتور عبدالهادي التازي، ص 84، مجلة كلية الآداب بتطوان، 1987.

[6] ديوان يوسف الثالث، ص 78.

[7] جمعة شيخة، القيمة الوثائقية في شعر يوسف الثالث، ص 188، حوليات الجامعة التونسية، العدد رقم 28، 1 يونيو 1988.

[8] الديوان، ص 27 - 28.

[9] عبدالله الطيب، المرشد إلى فَهم أشعار العرب وصناعتها، الجزء 1، الطبعة الثالثة، الكويت، 1989، ص 148.

[10] نفسه، ص 149.

[11] أبو الحسين بن أحمد بن سليمان بن هشام القرشي المعروف بابن فُركون - بضم الفاء - بنشريفة، ديوان ابن فركون، ص 9.

[12] قاسم القحطاني، الشعر الأندلسي وثيقة تاريخية، شعر ابن فركون (9 ه) نموذجًا، ص 85، التراث العربي، سوريا، العدد 117 - 118، 1 يناير 2010.

[13] الديوان، ص 156.

[14] نفسه، ص 161.

[15] انظر ترجمته في جذوة الاقتباس في ذكر من حلَّ من الأعلام مدينةَ فاس، أحمد بن القاضي المكناسي، دار المنصور للطباعة والوراقة، الرباط، 1973، ص 209.

[16] الديوان، ص 211.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة