• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية


علامة باركود

محمود سامي البارودي في شعره (2)

محمود سامي البارودي في شعره (2)
د. إيمان بقاعي


تاريخ الإضافة: 17/6/2014 ميلادي - 19/8/1435 هجري

الزيارات: 15629

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

محمود سامي البارودي في شعره (2)


ومن السَّيف إلى الخيل، والخيل إرث يعتز به ابتداء مِن الموطن الأصلي في القفقاس وظل موضع اعتزاز وفخر في الوطن البديلِ. وكما يعتز البارودي بالنَّسب الأصيل لنفسه ولقومه، فللخيل أنساب أصيلة أيضًا تليق بالرّجل الأصيل؛ فالخيل الأصيلة تتقن فن الحرب وتتقن - كما المحارب الأصيل - الارتواء من نبع النصر:

وخيلٌ يعُمُّ الخافقين[1] صهيلُها
نزائعُ[2] معقودٌ بأعرافِها النَّصْرُ
معوَّدةٌ قطعَ الفيافي كأنَّها
خُداريةٌ فتخاءُ ليسَ لها وَكْرُ[3]


وهذا الخيل "المعقود بأعرافها النصر" لا تليق برجل عادي، بل تحتاج إلى مقاتل غير هياب. هنا، يصف البارودي مقاتلي قومه بأنهم شجعان في ساحة الوغى: شبابهم وشيبهم. ففي المعركة لا يميز بين قوة الشَّاب والأقل شبابًا، بل يملأ الحماس المقاتلين في كل عمر، تمامًا كما يتصف الشَّاب بالحكمة كالشَّيخ في أوقات السّلم.

 

وحين يصف شاعرنا أبناء قومه بالشَّجاعة الّتي لا تضعفها الأيام وبالحكمة الّتي لا تنقص منها قلة التجارب، فهو يصف قومًا بالكمال:

فأشْيَبُنا في ملتقى الخيلِ أمردٌ
وأَمْرَدُنا في كلِّ مُعضلة ٍكهلُ[4]


إن الشَّجاعة تورث الإقدام والعزة والاندفاع، وتورث كذلك المصداقية في القول والفعل:

رجالٌ أولو بأسٍ شديدٍ ونجدةٍ
فقَوْلُهمْ قَوْلٌ وفعلُهم فعلُ[5]


وهم مقاتلون أشداء "حازوا المجد فرسانًا تحت ألوية النّصر الحمراء، يرمون بالصليبيين إلى البحر، ويحمون بشجاعتهم الشّرق العربي مِن زحف التّتار والمغول المدمر ويهزمونهم في "عين جالوت" ويركزون أعلام مصر على ربوع الشَّام وجزر البحر المتوسط"[6]:

مساعيرُ حربٍ[7] لا يخافونَ ذِلَّةً
ألا إنَّ تَهْيابَ الحروبِ هو الذّلُ[8]


وكيف لمن لا يخاف الحرب ألا يكون إلا متوهجًا، مشرقًا، مقدامًا، يحمل معه ضوء الشَّجاعة منيرًا به دروبًا كانت ستغرق في الظلام لولا حمله النور:

مِن كلِّ أزهر كالدّينارِ غرتُهُ
يجلو الكريهةَ منه كوكب ضرم[9]


إننا نجد تلازم الشَّجاعة والشّرف وتلازم الخوف والذلة. والشَّجاعة تدفع قوم الشّاعر للاقتصاص من أعدائهم إذ لا ينامون بذلٍّ على ثأر لهم:

إذا نامَتِ الأضغانُ عن وَتَراتِها[10]
فقومي قومٌ لا ينامُ لهم ذَحْلُ[11]

 

على أنهم وقت السلم يتميزون بالقدرة على العيش الهنيء وعلى التّمتع بالرفاهية والغنى والترف.

 

وإذا أسقطنا صفات الشّاعر على صفات قومه، وجدنا أنه مثلهم: قادر على عيش الحرب بتفاعل كامل والسّلم بتفاعل كامل؛ وهذا ما شرحه العقاد أثناء كلامه عنه بقوله:

"وكان على العهد في رجال الحرب مستخفًّا بالحياة في ميدان القتال، محبًّا للحياة أيام السّلم، مفرطًا في حبها والمتعة بها، كأنما يعوض أيام المخاطرة والمغامرة بأيام الرغد والنعمة، أو كأنما يتناول من مائدة منزوعة، فيأخذ منها كل ما طاب إذ هي حاضرة بين يديه، وهو على أهبة الزّهد فيها والحرمان منها"[12].

 

ويخلص العقاد إلى أن هذا التفاعل الكامل، إنما يدل على إيجابية في الشَّخصية، "وتلك حال خليقة بأصحاب الطّبيعة الحيوية الّتي تنقاد لدفعة الجسم وسورة اللّحم والدم في ثورة الغضب والنخوة وفي ثورة الطرب والمتعة"[13]، ومن هنا كان وصف الشّاعر لقومه وصفًا لنفسه:

لهم عُمُدٌ مرفوعةٌ ومعاقلٌ
وألويةٌ حمرٌ وأفنيةٌ خضرُ[14]

 

وإذ تدل الأفنية الخضر على الكرم والغنى والرّفاهة، تدل النّار المشتعلة على كرم الضّيافة والسّخاء، فهي تضيء ليل الجوع وليل الضّياع وليل الوحشة وتفتح بابًا للكرم واسعًا:

ونارٌ لها في كلِّ شرقٍ ومغربٍ
لِمُدَّرعِ الظَّلماء السّنةٌ حمرُ[15]

 

وكما الشَّجاعة مفتاح إلى العز والسّؤدد والحرية، كذلك الكرم مفتاح إلى عالم واسع من الأخلاق والشيم الّتي تدل على العراقة والاكتفاء وعزة النَّفس. ومن هنا، يكون الكرم فعلاً لا قولاً، ويكون مرتبطًا بالآنيَّة لا بالمماطلة كما يكون أصالة لا ادِّعاء. إنَّ شاعرنا يبرع في التَّحليل النَّفسي للكرم، فالكرم فياض، معطاء، مقدام، ذو كلمة حازمة واضحة لا تأويل فيها ولا خبايا ولا زمن يتباطأ أو يتثاءب أو يوشك على مرض مفاجئ أو انقطاع مميت.

 

الكرم فعل لا يقدر عليه إلا العريق الأجداد الكريم النسب والخلق. الكرم فعل سريع شجاع تنبئ عنه حاجة ملحَّة استجيبت:

يفيضونَ بالمعروفِ فيْضًا فليسَ في
عطائِهِم وعدٌ ولا بَعْدَهُ مَطْلُ[16]
فَزُرْهُم تجدْ معروفَهُم داني الجنى
عليكَ وبابَ الخيرِ ليسَ له قفلُ[17]

 

إن قومًا جمعوا الفروسية إلى الكرم وصدق التّعامل، يستحقون مِن شاعرنا أن يتوقف عندهم طويلاً ليلقي الضَّوء على صفحاتهم المجيدة الّتي عادت بالخير - لا عليهم فحسب - بل على المشرق العربي الّذي كاد لولاهم أن ينسحق فأنقذوه.

 

على أن شاعرنا يتوجع بالدرجة ذاتها الّتي يفخر فيها بأجداده. فهم، رغم إقامتهم في داخله ورغم استعادته لهم بالفعل - الاستمرار وبالقول - البعث، ورغم إحيائه لهم في ذاكرة الأيام وإنعاشها بالمآثر، قد رحلوا.

 

إنه يشعر بالغصة! ونحن لا نشعر عادة بالغصة لفقدان أمر غير ذي قيمة، بل العكس هو الصّحيح؛ لذا فهو يحاول الوقوف موقفَ حياد مِن الزَّمن الّذي يجتاح الأمم دونما تفريق بين قوم وقوم:

عمروا الأرضَ مدةً ثم زالوا
مثلما زالَتِ القرونُ اجتياحا[18]

 

بيد أنه لا يلبث أن يتخلى عن الحياد في موقفه من الزّمان، فيرى في اجتياحه لهم بالذَّاتِ عبثًا ولهوًا وملولاً وغدرًا وإزالة استقرار أو تفجير شمل:

أقاموا زمانًا ثم بدَّدَ شملَهُم
مَلولٌ مِن الأيامِ شيمتُهُ الغدرُ[19]

 

ويعود مِن جديد لمحاوِلاً استيعاب لعبة الزّمان العابثة المؤمنةِ دائمًا وأبدًا بالتّغيير:

لعمركَ ما حَيٌّ وإنْ طالَ سيرُهُ
يُعَدُّ طليقًا والمَنونُ له أسْرُ
وما هذه الأيام إلا منازلٌ
يَحُلُّ بها سَفْرٌ ويتركها سَفْرُ[20]

 

وإذ يصل إلى بعض مِن رضا لا يخلو مِن وجع، يحاول شاعرنا أن يتقبل الواقع أكثر، فيجمّله ويضفي عليه مِن أفكاره الإيجابية ما يجعله أكثر قبولاً.

 

إنه يلاحق آثار الزَّمن، ويجد لنظرية النّسب العريق في الآثار موضعًا يدخل منه مِن الباب الواسع؛ فهذه الآثار - رغم عدم موازاتها للواقع الّذي كان يجب أن يسود - آثار طيبة عابقة بالعطر والمجد:

فلم يبقَ منهم غيرُ آثارِ نعمةٍ
تَضُوعُ بريَّاها[21] الأحاديثُ والذِّكْرُ[22]

 

النّعمة تكمن في الحرية الّتي علمها قومه للأمم وتكمن في الأثر المتروك على العلا:

ماتوا كرامًا وأبقوا للعُلا أثرًا
نالَتْ به شرفَ الحريَّةِ الأمَمُ[23]

 

والعُلا أثر لا يستهان به ولا يمحى:

إنَّ العلا أثرٌ تحيا بذُكرَتِه
أسماءُ قومٍ طوى أحسابَها القِدَمُ[24]

 

وإن كان لا بد مِن الإقناع أو الاقتناع بأن الآثار لا تصمت، بل تتحدث بطلاقة حين يكون الماضي يستحق أن يُتَحَدث عنه، فليس أمام شاعرنا إلا موقفان:

الأول: دعاء بالسّقيا لمن رحل على عادة العرب القدامى:

فسَقاهم مُنَزِّلُ الغَيثِ سَحْلاً
يجعل النَّبتَ لِلْعراءِ وِشاحا[25]

 

والثّاني: إبقاء على طيب الذّكر من خلال استمرار الأبناء بما قام به الآباء، والمرء قادر - إن شاء - على متابعة رحلة المجد.

 

هنا يتصالح الشّاعر مع الزمن إذ يثبت له أن الاستمرارية فعل ممكن عندما يكون الوارث على قدر مسؤولية الإرث العظيم:

لنا الفضلُ فيما قد مضى وهو قائِمٌ
لدينا وفيما بعدَ ذاكَ لنا الفضلُ[26]

 

مِن الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل، والمجد إرث يعتز به ويحافظ عليه. وإن زال، فلا بدَّ وأن يكون زواله مؤقتًا مِن أجل إعادته إلى صانعيه. كان المجد مدرسة أيضًا لشاعرنا.



[1] الخافقان: المشرق والمغرب أو أفقاهما.

[2] النزائع: الغرائب أو النجائب التي تنزع إلى أصل كريم* الأعراف: جمع عرف، وهو الشعر النابت في رقبة الفرس.

[3] الديوان، ص217، والخدارية: العقاب، وهو طائر من عتاق الطير ويضرب بها المثل في القوة وسرعة الطيران* فتخاء: من صفات العقاب، أي لين الجناح لأنها إذا انحطّت كسرت جناحيها وغمزتهما.

[4] الديوان، ص428.

[5] الديوان، ص425.

[6] علي محمد الحديدي، ع.س، ص36.

[7] مساعير: جمع مسعار (بوزن مفتاح): اسم آلة من سعرت النار؛ أي: أوقدتها وألهبتها، وقومه مساعير حرب: أي يقدمون على الحرب فيؤججون نارها.

[8] الديوان، ص425.

[9] علي محمود الحديدي، ع.س، 37.

[10] الوترات: ج وترة: اسم مرة من وترت الرّجل، أدركته أو قتلت حميمه فأفردته منه.

[11] الديوان، ص425.

[12] عباس محمود العقاد: شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي (القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1950)، ص133 - 134.

[13] م.ن، ص.ن.

[14] الديوان، ص217.

[15] الديوان، ص217.

[16] الديوان، ص426.

[17] نفسه، ص427.

[18] الديوان، ص117.

[19] الديوان، ص218.

[20] الديوان، ص218.

[21] وللشاعر بيت يتحدث عن ريا الآثار يقول فيه:

وقد تنطق الآثار وهي صوامت
ويثني برياه على الوابل الزهر

[الديوان، ص218].

[22] الديوان، ص218.

[23] نفسه، ص602.

[24] نفسه، ص603.

[25] الديوان، ص117، السّحل: الدلو العظيمة إن كانت مملوءة. الوشاح: أي فرعان من لؤلؤ وجوهر منظومان يخالف بينهما معطوف أحدهما على الآخر، أو أديم عريضٌ يرصّع بالجواهر تشده المرأة بين عاتقها وكشحها، والمراد غيث غزير يجعل النبات زينة للفضاء.

[26] الديوان، ص429.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة