• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

خطبة الجمعة (قصة)

خطبة الجمعة (قصة)
محمد كساح


تاريخ الإضافة: 25/2/2016 ميلادي - 16/5/1437 هجري

الزيارات: 10462

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة الجمعة


في إحدى البُقعِ المحاصرَة من كلِّ الجهات، حيث سُدَّتْ جميعُ المداخل والمخارج، حتى لو أن عصفورًا صغيرًا أراد الخروج، لالتقطَتْه عشرون قناصةً، وحوَّلتْه إلى قطعٍ صغيرة من الريشِ واللَّحم المحروق؛ توافد الناس زُرافاتٍ ووُحْدانًا يُلبُّون نداءَ التكبير، مسارعين إلى مسجد الحي القريب.

 

كان المؤذِّنُ قد فرَغ لتوِّه من أذان الجمعةِ، بينما جرَى بين أبي سعيدٍ وأبي محمود الحديث التالي:

• لا إله الا الله... اللهم ربَّ هذه الدعوة التامَّة والصلاة...

 

وهنا خَفَض أبو سعيدٍ صوتَه متابعًا الدعاءَ بخشوعٍ وتبتُّلٍ، وعندما انتهى قال أبو محمود:

• ما أجملَ يومَ الجمعة يا أبا سعيد! لكنه كان أفضلَ بكثيرٍ في الأيام الماضية التي سبقت الحربَ؛ كان أحدُنا يدخلُ الحمَّامَ فيجدُ الماء ساخنًا، والحمَّام نظيفًا فيغتسل ويصبِّن شعره ويَفرُك جسدَه بالصابون المُعطِّر، ويتنظَّفُ جيدًا!

 

أما الآن فيا حسرةً!

 

وهنا قال أبو سعيد الذي أعجبَه الموضوع - على ما يظهر:

• معك حقٌّ؛ اليوم انتظرْتُ ساعتَيْنِ حتى تمكَّنْتُ من تسخين قليلٍ من الماء على مَوْقدِ الحطب، ولا تسأَلْ عن الوَسَخِ المتطاير من الدُّخان الذي سوَّد جسمي بدلًا من تنظيفه!

 

فردَّ أبو محمود:

• مَوْقِدُ الحَطَبِ أَضَعُ فيه كل شيءٍ يَخْطُرُ ببالك: البلاستيك، النَّايلون، الكرتون، القماش، كل شيء ما عدا الحطَب!

• ما أتعسَ هذه الحياةَ! تَمْتَمَ أبو سعيدٍ، هَلُمَّ ندخل إلى المسجد؛ علَّنا نسمعُ كلامًا حُلوًا يُريحُ القلب، ويُسرُّ الخاطرَ.

 

وهنا كان الاثنان يتخطَّيان عتَبَةَ مسجدٍ قديم بلا مِئذنة، فقد تهدَّمت بفعل القصف، وجثا نصفُ جسمِها على الشارع الملاصق للمسجد كأنه في سجودٍ لا ينقطعُ.

 

دَلَف الاثنان مع الداخلين، وكان الخطيبُ قد صعد للتوِّ على المنبر الخشبي، وسلَّم ثم قام المؤذِّن ليصدَحَ ثانيةً بكلمات الأذانِ في صوتٍ عَذْبٍ، ولحنٍ مُنغَّمٍ، وبعد انتهائِه قام الخطيبُ وهو رجلٌ أربعينيٌّ ما يزال شعرُ رأسه الكثيف محافظًا على سوادِه دون خِضابٍ، أو أيَّة صبغةٍ سوداء، كان يَلْبَسُ عباءةً فضفاضة بدَتْ كبيرةً أكثرَ من اللازم، لكنَّ أحدًا من المصلِّين لم يُشِرْ ولو بغمزةٍ خاطفة إلى هذه العباءة، وهل بالإمكان التكلُّم عن الشيخ أو عن لباسِه في تلك المدينة التي نسيها الزمن؟

 

إنه يتكلَّم عن الله، و يخطب على مِنبرِ رسول الله، كما كان يحبُّ أن يردَّ على معارضيه القلائلِ في تلك الأيام العصيبة.

 

تَنحْنَحَ الشيخُ، وسَعَل سعالًا خفيفًا، ثم شرَع في الخطبةِ.

 

أطال في الحَمْدلةِ، واستفاض في الصلاةِ على النبي، وجَلْجلَ صوته بالدعاءِ بعد انتهاء الخطبة، ولكن عمَّ كانت الخطبة؟

 

لا أحدَ يعلمُ ... غير أن الحاضرين سمعوا كلامًا مُنمَّقًا، وشعرًا موزونًا أحيانًا، ومكسورَ الوزن في أغلب الأحيان.

 

وكان الشيخُ يرفعُ صوتَه تارة، ويَخفِضُه في خضوع وخشوع تارةً أخرى، ولن نُطيلَ في وصف الخطبةِ التي بدَتْ غيرَ مفهومة للحاضرين، والتي استمرَّت ساعةً من الزمن؛ ساعة كاملة ... أحس بها المصلون كأنها أربعٌ وعشرون ساعة! وربما تبيَّن السبب في نوم أغلب المصلين في الصفوف الخلفيَّة للمسجد، الذين كانوا يَسندون ظهورَهم على جدران المسجد!

 

وعندما انتهى الخطيب قال للناس:

• وها قد انتهينا من الحديثِ عن محبَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفي لقاءٍ قادم سوف أُحدِّثُكم عن الأدلَّة الواضحة التي تُوجِبُ علينا قول: "يا سيدي يا رسول الله"؛ خلافًا لأولئك البُخلاء الذين يَضَنُّون على النبيِّ بهذه الصفة.

أَقِمِ الصلاةَ، وسوُّوا الصفوفَ...

 

كانت البلدُ في تلك الأثناء تعاني من أزمة الحصارِ واشتدادِ الجوع، وكان من المُقرَّر عقدُ هُدْنة مع العدوِّ، أو الاستمرار في الحرب، لكن مع تفعيل سلاح القصف على المدنيين، كانت المسألةُ مُعقَّدةً للغايةِ، وتقاطر الناسُ إلى الخطيب المحترم؛ ليعرفوا المزيد حول هذا الموضوع الهامِّ.

 

وعندما انفتَل الخطيبُ من صلاة الجمعة قام فصلَّى السُّنة، ثم خرج مشتملًا بعباءتِه الفضفاضة، بدَتْ عباءتُه في نظر المصلين أكبرَ بكثير، حتى كأن الشيخَ اختبَأَ تحتها؛ كي لا يراه أحد، وعندما كان المصلُّون يحملون نِعالَهم ويَلبَسُونها ثم يخرجون من المسجد، قال أبو سعيدٍ لصديقه أبي محمود:

• أتذكرُ يا أبا محمود في يومٍ ما، عندما حدَثَتْ مجزرةٌ كبيرة في مدينتي، حضرتُ الجمعةَ، وكان الناسُ متلهِّفين لسماع شيء ما من الخطيب، أيِّ شيء يُخفِّف عنهم، لكن الشيخَ افتَتَح خطبتَه بالقول: إنه سيتكلَّمُ في هذه الخطبة والخطب القادمة عن الحج وأحكام العمرة!

 

وسار الجميعُ متقاطرين يلفُّهم الصمتُ، وكثيرٌ من الأسى والحزن، وكانت شمسُ شباط الدافئةُ تُدَغْدِغُ مشاعرهم بكل حنانٍ؛ كأنها تحرسُهم بيديها الحانيتَيْنِ كأم رؤوم عطوفٍ!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة