• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

ندى والجبل (قصة)

ندى والجبل (قصة)
عادل عبدالله أحمد محمد الفقيه


تاريخ الإضافة: 16/2/2016 ميلادي - 7/5/1437 هجري

الزيارات: 4639

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ندى والجبل

 

ظهَر الصَّيف متبسمًا ومرتديًا حلَّتَه الجميلة؛ أورقَت الأشجار، وأثمرَت الثِّمار، وطاب ينعها، وفي صباح يومٍ مشمس توجَّه الرُّعاة صوبَ الجبل، تمرُّ أمامهم أغنامُهم ومواشيهم لتأكل ممَّا تُنبت الأرض.

 

كان من بين الرعاة طِفلة صَغيرة تَبلغ من العمر اثني عشر عامًا؛ إنَّها ندى، يملِك والدُها أغنامًا، وكان يَخاف عليها؛ فلا يجعلها تَخرج إلى الجبل لرعي الأغنام حتى يَخرج "جلالٌ" ابنُ جارهم لرعيِ أغنامهم، فيتوجَّهان معًا صوْبَ الجبل يدندِن كلٌّ منهما بما يَحفظ لينعِش الأغنامَ حتى تَصعد الجبل.

 

كان جلال يَبلغ من العمر ثلاثة عشر عامًا، إنَّه يماثِلها سنًّا، تربَّا معًا وكأنَّهم إخوة أو أبناء عمٍّ؛ فخروجُهما إلى الجبل في وقتٍ واحد، وعودتهما معًا، وجلوسهما معًا.

 

كانا يتركان الغنمَ تتوجَّه نحو المرعى وهما يَلعبان ويمرَحان، يتسابقان فمرَّة تَسبقه ومرَّة يَسبقُها، يضعان بينهما رهانًا؛ فإن سبقَته يَذهب ليعيد الأغنامَ ليذهبا إلى القرية فقد بدأَت الشمس تستعدُّ للغروب، وإن سبَقها تَذهب هي لتعيد الأغنامَ، هكذا كل يوم.

 

جلال ولدٌ قويٌّ، لكنَّه من باب المزاح يَجعلها تَسبقه؛ ليجعلها تَبتسم وتضحك ليتمتَّع بجمال ثغرِها، فيَسعد لسعادتها، ويَضحك لضحكها.

 

لقد طرقَت تلك الحسناء بابَ قلبه فَفُتِحَ على مصراعيه، فكان لا يطيب له يوم إن لم يرَها أو يسمع كلامَها.

 

وفي يوم من الأيَّام تعمَّد أن يسبقَها في الجري، فما إن سبَقها حتى جعلها تَذهب لتُعيد الأغنامَ، فقد حان وقتُ العودة إلى المنزِل، فبينما هي ذاهبة إذا بها ترى لصًّا قد اختطفَ إحدى الأغنام، فصاحَت عليه فعاد ليكتمَ أنفاسَها؛ خوفًا من أن يَعلم بقيَّةُ الرعاة، لكنَّها صرخَت بصوتٍ انتبَه له كلُّ من كان موجودًا، فهُرع الرُّعْيَانُ نحو القرية وهم يَصرخون بصوتٍ عالٍ:

• (لص لص)، لقد خطف ندى!

 

فرَّ الجميعُ إلَّا جلال، فكَّر ما هي الحيلة التي يُعيد بها ندى من يدِ اللِّصِّ، فهداه تفكيرُه إلى أن يَصرخ:

• أيُّها الرِّجال، إنَّه هناك فلتمسِكوا به! طوِّقوا عليه من الجهة الأخرى، ونحن من هنا.

 

فسارَع نحو اللِّص ونادى:

• إنَّه هناك الحقوا به!

فسمع اللصُّ فتَرك ندى لينجوَ بنفسه، فأخذ جلالٌ ندى وعاد بها إلى القرية.

 

نظرت إليه نظرة حبٍّ قائلةً:

• أشكرك لِصنيعك أيها الصَّديق الغالي.

 

فقال:

• لا شكر؛ فهذا أقل واجبٍ أقدِّمه نحوك، أفديك بروحي أيَّتها الحسناء.

خفق قلبُها حبًّا لهذا الفتى الشُّجاع.

 

أمَّا ما كان من الرُّعاة، فقد عادوا إلى القرية وهم يَصرخون، فسارع النَّاسُ نحو الجبل وكلٌّ قد حمَل معه عصاه وقنديلَه، فبينما هم في طريق الجبل رأَوا جلالًا عائدًا بندى فعادوا معًا.

 

لكنَّ أبا ندى أقسَم أن لا تَعود ندى إلى المرعى بعد اليوم، وفي اليوم الثَّاني ذهب بجميع أغنامه إلى السُّوق ليبيعها.

 

حزِن جلال على ما صنَع والدُها، فلم يطِق الرَّعي بدون ندى، توسَّل إلى والده أن يبيع الأغنامَ متعلِّلًا بأنَّ هناك لصوصًا فيخاف منهم، وفعلًا طبَّق له والدُه ما أراد.

 

ظلَّ جلال في البيت يَلعب ويَلهو، يساعِد والدَه في عمَل المزرعة، وظلَّت ندى تمرَح وتساعد أمَّها في شغل البيت.

 

كان جلال يتعمَّد الذَّهاب إلى بيت ندى ليراها، فقد اشتاق لها قلبُه، كان يتعلَّل أنَّه يَطلب غرَضًا من أغراض البيت، لقد طرقَت تلك المليحةُ بابَ قلبه ففُتح على مصراعيه، فكان لا يطيب له يوم إن لم يرها أو يسمَع كلامَها، لقد نحل جسمُه ورقَّ عظمُه، وتقرَّحَت مقلتاه مما يُعاني من لوعة الحبِّ لها.

 

كبِرَت ندى وكبر جلال، وكان كلٌّ منهما يحبُّ الآخر حبًّا جمًّا، فلا يطيق العيشَ إلَّا بالآخر.

 

ما هي إلا أعوام حتى تردَّد الخُطَّاب صوْبَ ندى؛ فهي فتاةٌ جميلة غنية، فيها كلُّ أوصاف الجَمال، ولكنها كانت ترفض مَن يتقدَّم لخطبتها؛ فهي منتظرةٌ فارسَ أحلامها لتستقبلَه، فقد اشتاقت إليه فلقد تعلَّق قلبها بمن تربَّت معه، لكنَّه كان مكتَّف الرِّجلين والقدمين، فلا يملِك مالًا؛ فأبوه رجلٌ فقير، لا يملك ما يَستطيع به طلَب يد ندى من والدها.

 

كثر الخطَّابُ، وكلما تقدَّم شابٌّ تَرفضه رفضًا قاطعًا، تُخرج به عيبًا ليكون سببًا في رفضها، عرف جلال أنَّ ندى قد صبرَت كثيرًا، فربَّما أنَّها يومًا تَفقد صبرَها ولا تَستطيع أن تتعلَّل بشيء.

 

فكَّر ماذا يَصنع حتى يجلب المالَ، فهداه تفكيرُه أنَّ عليه أن يهاجِر ليبحث له عن عمَلٍ يَستطيع من خلاله أن يطلب يدَ من يحبُّ، وما هي إلَّا أيام حتى أرسل أختَه الصَّغيرة مودِّعًا ندى، إنَّها الغربة في سَبيل من يحب، دعَت له ندى بالسلامة والعافية، وعاهدَته أن لا تتزوَّج غيرَه، وسوف تتحمَّل أقسى العذاب.

 

سافر جلال متوجهًا نحو الغربة، عانى الكثيرَ والكثير في سَبيل الوصول إلى ما يَطلب، مكث في غربته خمسَ سنوات حتى استطاع أن يَشتري سيارةً فارِهة، وجلب مالًا كثيرًا يَستطيع من خلاله أن يتقدَّم لخطبة ندى.

 

هذا ما كان من جلال، أمَّا ما كان من ندى فكلَّما جاءها خاطبٌ يَطلب يدَها ترفض، وفي يوم من الأيام تقدَّم لخطبتها ابنُ عمِّها، فرفضَته، لكنَّها عادات وتقاليد الآباء والأجداد، فلا يستطيع والدها أن يطبِّق رغباتها؛ خوفًا عليها من حُكم أهل القرية وأعيانِها بقتلِ أو حبس كل فتاةٍ تَخرج عن عادات القَبيلة وأعرافِها.

 

فقد نفد صبرُه، وبدأ النَّاس يَرشقونه وإيَّاها بكلام لا يَحتمله رغم عفَّتِها وشرفها، حاولَت ندى مرارًا وتكرارًا إقناعَ والدها بأنَّها لا تريد الزواج من الأقارب؛ فهم أكثر مشاكل من غيرهم، لكن والدها رفض كلامَها، ولم يطق لها كلامًا بعد كلِّ هذا.

 

فكَّرَت في طريقةٍ أخرى تجعل ابنَ عمِّها يترك خطبتَها؛ بأن أرسلَت له مَن يخبره أنَّها لا تطيقه زوجًا سكيرًا لا أخلاق له ولا قِيَم.

 

إنَّها الغيرة والأنَفَة، كان كلامها إليه كالنَّار تحرق جسدَه، فأقسم أن يتزوَّجها ليكسر كبرياءها أو ليلطِّخنَّ سمعَتَها وكرامَتها وعفَّتَها، وليجعلنَّ سمعتَها تلف أصقاعَ البلاد ليَسمع بها القاصي والدَّاني في كلِّ أرجاء المعمورة.

 

جاء والدُها إليها يقنعها بزواج ابن أخيه ولو كان به ما كان قائلًا:

• إنِّي أخاف عليكِ من قدَرِك، فقد رفضتِ أفضلَ الشباب وخيرتهم، لا تعلمين ما يكون قدَرُك، أجابت:

• أيُّ قدَر يَنتظرني يا والدي؟ أليس القتل أو السجن؟! أجابها:

• إنَّه حكم القبيلة، قالت:

• أوافِق على حكم القبيلة على ألا أتزوَّج من سكير.

 

كثر الواشون والواشيات من النِّساء، ومن يُكِنُّ حقدًا لندى، فأصدر أعيانُ البلاد أنَّ يوم الجمعة الساعة العاشرة صباحًا سيكون نُطق الحكم على تِلك الفتاة العفيفة الشَّريفة.

 

وفي ليلة الجمعة عاد جلالٌ من غربته، فسمع كلَّ ما قيل عن ندى، كانت تقصُّ عليه أختُه وعينها تَفيض بالدَّمع.

 

وفي صباح يوم الجمعة حضر كلُّ صغيرٍ وكبير، ذكرًا كان أو أنثى، حضر أعيانُ البلاد، وكان ممن حضر ذلك الجمْعَ كلُّ شابٍّ تقدَّم لخطبتها، جميعهم كان يَعرف شرفَ ندى وعفَّتها، ويتمنَّى كلُّ واحدٍ منهم لو توافِق عليه ليكون هو صاحِب الحظِّ الأعظم، انتظر الجميعُ وهم شاخصو الأبصار يتطلَّعون أي حكمٍ سيصدره أعيانُ البلاد.

 

فقام أحد الأعيان بعد أن همَس في أذن والدها قائلًا:

• إنِّي سأعرض أمرَها لمن يَرغب في أن تكون زوجةً له؛ حتى نخلِّصها ممَّا هي فيه.

 

فحرَّك والدُها رأسَه:

• أي نعم، إنِّي موافِق.

 

تقدَّم الرجل إلى المنصَّة قائلًا:

• أيُّها النَّاس، أيها الشباب، مَن منكم يَرغب في أن تكون ندى زوجة له؟ مَن منكم يَرغب في الزَّواج من ندى قبل حكم أهل البلاد؟

 

لم يجرؤ أحد على طلَب هذا العَرض خوفًا من كلام النَّاس، وما هي إلا دَقائق بعد عرْض هذا الأمر الغريب، فإذا بشابٍّ يلبس جاكتةً سوداء، وعلى عينيه نظَّارة سوداء، تقدَّم نحو المنصَّة قائلًا:

• أيُّها النَّاس، ما قولكم في شابٍّ أنقَذ حياةَ فتاة جميلة بعد أن استولى عليها اللُّصوصُ فخلَّصها منهم، ألا يحقُّ له أن يكون زوجًا لها؟ ما رأيكم في شابٍّ تغرَّب عمرَه من أجل أن يجمع المالَ ليحصل على مَن أحبَّ، أليس هو أحق بطلبها للزواج؟

 

عرفَت ندى أنَّ فارس الأحلام قد قدِم لينقذ حياتَها للمرَّة الثانية، تقدَّم الشابُّ نحو أعيان البلاد قائلًا:

• أيها السادة الكرام، إنِّي أعرف ندى جيدًا، أعرف حياءها وشرفَها وعفَّتَها، فهلَّا يَسمح لي السَّادةُ الكرام أن أتقدَّم بطلب الزَّواج من ندى إذا وافقَت هي أن أكون فارسَ أحلامها؟

 

نظر صاحبُ الحكم إلى ندى، فرآها تَبتسم، فعرف أنَّها موافِقة، نظرَت إلى كلِّ الحاضرين قائلة:

• أتذكُر والدي ذلك اليوم الذي اختطفَني اللُّصوصُ، مَن الذي أَنقذ حياتي؟ أتذكرون أيُّها الأعيان حين حملتم عصيكم وقناديلَكم متوجِّهين نحو الجبل لإنقاذ حياتي، أتدرون مَن ضحَّى بنفسه ذلك اليوم؟

 

إنَّه مَن هو بجانبكم، هو من انتظرتُه كثيرًا، وتحمَّلتُ من أجله، إنَّه مَن ضحَّى بكلِّ ما يملِك وتوجَّه نحو الغربة حتى يَحصل على مالٍ ليتقدَّم لخطبتي، ألا يستحقُّ أن أضحِّي من أجله كما ضحَّى هو من أجلي؟ أجاب الحاضرون:

• نِعم التربية تربيتُك يا ندى.

أخذ جلال بيَد ندى، وتوجَّها نحو القرية ليقيما العُرس...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة