• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

كم عمري!! (قصة قصيرة)

علي حسن فراج


تاريخ الإضافة: 5/1/2010 ميلادي - 19/1/1431 هجري

الزيارات: 15783

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
ليست هي المرة الأولى التي يتوجَّه فيها إلى الطبيب، فهو وإن كان لا يُحبُّ زيارة الأطباء ولا يروقه تعليماتهم، ولا يستمر على الأدوية التي يعطونها حتى تنتهي الجرعة، بل بمجرد نشاطه يتركُ العلاج، لكنه تردَّد على المشْفَى كثيرًا، كما يتردَّد عليه كلُّ الناس، لذا فهو يعرف جيدًا أن أول ما يبدأ به الطبيب، هو الأمور الروتينية: اسمك، عمرك، المهنة... إلخ.

جلس على الكرسي، وقد بلغ به الجَهد كلَّ مَبلغ، السُّعال لا يتركه يتنفس بسهولة، وضع منديلاً ورقيًّا في يده، ثم جعله على فمه وأنفه؛ حتى يخفف به حِدَّة سعاله.

السلام عليكم يا دكتور.
وعليكم السلام، ألف سلامة، تفضَّل.
الاسم؟
أجاب كالعادة: (أمل اليزيدي).
السنُّ؟
أَحَسَّ كأن شيئًا غريبًا اجتاح كلَّ جسمه حتى ألهاه عن الحُمَّى والزكام اللذين أتيا به إلى هنا، وفجأةً، أغمض عينيه وأخذ نَفََسًا عميقًا، وهو يتمتم:كم عمري؟! نعم! كم عمري؟!

تعجَّب الطبيب - الذي كان ممسكًا بقلمه؛ ليكتبَ المعلومات في الورقة التي بين يديه - من عدم سرعة الإجابة، كما هو عند الناس، وهمَّ بالضحك لتلعثُم المريض في جواب سؤال عن سنِّه، ثم إنه انتبه إلى أنَّ هيئة المريض تدلُّ على أنه ليس بأُمِّي، ولا معتوه، فرمى ببصره نحوه وهو ممسك بالقلم، فإذا بالمريض قد أسندَ ظهره إلى كرسيه، ورفع بصره إلى سقف الغرفة، كأنما هو عند طبيب نفساني يبثُّه شكواه، ويحكي له عن أزمة نفسيَّة يمرُّ بها.

تَمتمَ الرجل في داخله مرةً أخرى – وهو على حاله في جلسته -: كم عمري؟! تُرى كم عمري؟ 
فوق عشر سنوات، وأنا ألهو كما يلهو الصبيان، ليس يعنيني من أمر الحياة إلا ما يعني كلَّ الأطفال من الحرص على اللعب، والفرح بلذيذ مطعوم وأنيق ملبوس.

ثم جاء الشباب وفورته وصَخبه ومُجونه وشهواته، فضاعت سنون أخرى كتلك السالفة وأكثر، ما سَلِمَ منها إلا "أفاويق" كنت أحرص فيها على القراءة الأدبية، وأنظم الشعر، وأكتب المقالة والقصة، انتبهت، فإذا أنا لم أستثمر مرحلة الصِّبا فيما ينفع، وها أنا في فورة الشباب أتابع تفاهات المباريات والمسلسلات، طرحتُ اللهو وأقبلتُ على القراءة والأدب، وأمّلت أن أصبح شيئًا: أن أغيِّر في ملامح الدنيا، كما تُغيِّر هي في ملامحي، أن أزيدَ فيها كما تنقص من عمري؛ آمنت أنه لا بدَّ للمرء من هدف يسعى إليه وغاية يصبو نحوها؛ ما قيمة الحياة إذا عشناها دون أن تشعر بنا وبوجودنا؟!

صارت أمنيتي أن أصبح أديبًا كبيرًا، وشاعرًا مجيدًا، ومفكِّرًا مشهورًا.

حاولتُ أن أراسلَ بعض المجلاَّت بأعمالي لكنه لم يُقدَّر أن ينشرَ لي شيء، آه! شعرتُ بالحسرة، هل أنا مخدوع في نفسي؟! هل أنا متميِّزٌ في الأدب حقًّا، فيمكنني احترافه يومًا ما؟ أم أنا مجرد هاوٍ، فليبحث في نفسه عن عمل يتقنه، والأدب لا يزيد أن يكون من هواياته؟!

استسلمتُ للوظيفة الروتينية بعد تَخرُّجي، وظيفة لم أحبَّها يومًا ما؛ ولكني بقيتُ فيها إلى يومي هذا من أجل لقمة العيش، تمرُّ الأيام وراء الأيام، وهي تُؤذِنُ بضياع أحلامي واستسلامي للأمر الواقع، أديب هاوٍ وشاعر مُتكلِّف، ومرارة اليأس تقتلني؛ تخرَّج أصدقائي في الدراسة في كليات الطب والهندسة والشرطة، وأصبحوا اليوم أطباء مشهورين ومهندسين ناجحين وضباطًا مرموقين، وأنا في مكاني لم أحترف ما أحب، ولم أحب ما أحترف!

فجأة تحوَّل خطُّ سير حياتي مائة درجة؛ ذات مرة ألقى واعظ خطبة الجمعة عن قِصَرِ الدنيا وبقاء الآخرة، فدخلت كلماته في قلبي وسكنت الشغاف وأحاطت بعقلي، فانقلب أمري كله رأس على عقب.

ألقى الطبيب بالقلم من يده واسترخى في كرسيه، وتملَّكه العجب؛ لكنه لم ينطق بكلمة، وكأنما هو يسمع كلام الرجل الذي يقوله في داخله.

رأيت الدنيا على حقيقتها: قصيرة، قليلة، لا تساوي شيئًا بجوار الآخرة، ما قيمة الشهرة والمجد في سنوات معدودة لا يُعرف متى تنتهي؟!

صار همِّي إرضاء خالقي، إن الجنة هي الحلم الكبير، والأمل الحقيقي الذي ينبغي أن يسعى إليه كلُّ مؤمن بوجود خالقه، وإلا فلا معنى لإيمانه، هجرتُ لذَّاتي وشهواتي وعاداتي السيئة، لقد ولدتُ من جديد وابتدأتُ عُمرًا آخر، عرفت لذةَ الصلاة والخشوع فيها، وسعادة قيام الليل ومناجاة خالقي في وقت السَّحر، عشتُ مع القرآن بقلبي وعقلي، فأحسست بنعيم الحياة ولذة العيش مع كلِّ ما كان يصيبني من متاعب وآلام، هذه هي حياتي الحقَّة.

من هنا فقط ينبغي أن يُبتدأ حساب سنوات عُمري، نسيت أحلامي القديمة تقريبًا، أظنُّها كانت أحلامًا أرضية رخيصة، قوامها أن أصبحَ مشهورًا يُشار إليه بالبَنان في وسائل الإعلام ودنيا الثقافة، ومثل هذه النية كيف تنفع صاحبها يوم القيامة؟! وكيف يكون له من الثواب الأخروي نصيب وهو لم يرد إلا الشهرة والسمعة؟!

لكن همَّتي التوَّاقة لم تستجب للسكون والهدوء أبدًا، أرادتْ أن تكسوَ أحلامي الماضية لباسًا شرعيًّا، فإذا بها تقول لي: لابدَّ أن تترك في الأمة أثرًا يبقى بعدك، لا بدَّ أن تقف حَجَر عثرة في وجه الملحدين والعلمانيين، لا بدَّ أن أخلف من الكتب ما تنتفع به الأجيال القادمة، أن يكون لي دور في قضايا الأمة، لابدَّ أن أكون من العلماء.

عكفتُ على القراءة الشرعية فيما لدي من وقت فراغ بعد وقت وظيفتي، وشرعت في تصنيف بعض الكتب، لكني دومًا كنت بين أهل العلوم الشرعية مجرد هاوٍ ولست بالمتقِن المحترف، لم تصبح كتبي بالكتب المؤثِّرة، وفاتتني الأدوار الحيوية في الأمة، فإنها لا تكون إلا للعلماء المبرزين أو أصحاب المناصب العلمية، ولست من هؤلاء ولا أولئك، قادني الحنين إلى الأدب إلى الرجوع لممارسة كتاباتي الأدبية، لكن قد فاتني القطار فيها، كما فاتني قطار العلم الشرعي، وها هي سنوات عُمري تبخَّرت أمام عينيَّ دون أن أصل إلى شيءٍ مما كنت أصبو إليه.

فتح المريض عينيه، فإذا بالطبيب يحدِّق فيه باستغراب شديد.

عفوًا عفوًا يا سيدي! يبدو أنني سرحت بعيدًا.

كنت تسألني عن عُمري، هاك هويتي، فاكتب السن منها!




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
3- الايمان بالملائكة
رحمة - الجزائر 31-03-2014 05:40 PM

قال الرسول صلى الله عليه وسلم ..( خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم من ما وصف لكم ) رواه مسلم. على ضوء هذا الحديث الشريف أتمنى منكم كتابة فقرة وجيزة تتحدث عن أثر الإيمان بهم في حياة الخلق

2- صحتك
رحمة - الجزائر 31-03-2014 05:27 PM

صحتك أهم من كل شيء وطاعة الله ستسهل كل الأمور تمنح فرصة الشفاء إلا لمن يستحقها

1- جزاكم الله خيرا
Heri Afrizal - Indonesia 09-01-2010 05:26 PM
جزى الله الكاتب خيرا وبارك الله فيه أسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المخلصين فى عبادته ومن خيار عباده الذين أعز الله بهم دينه ونفع بهم الإسلام والمسلمين
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة