• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

هدية أمي (قصة قصيرة)

خلف أحمد محمود


تاريخ الإضافة: 4/1/2010 ميلادي - 18/1/1431 هجري

الزيارات: 33433

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
لا زلْت أذكر ذلك اليوم البعيد، الذي استصحبتني أمِّي فيه إلى المدينة، كانت تحمل فوق رأسِها قفصًا مملوءًا بالدَّجاج، وكنت أنا أمسك في يدي سَلة مَليئة بالبيض، نَظَرَت نحوي ونحن نعبر الطَّريق الأسفلتي المؤدي إلى سوق المدينة، وهي تقول عندما نبيع ما معنا: سأشتري لك هدية ثَمينة، أتَمنى أن تُحافظ عليها، وعندما بعنا ما معنا، شكرت ربَّها على هذا الرِّزق الوفير، ثُمَّ أمسكت بيدي، عبرت بي شارعًا مُمتدًّا.

توقفت أمام بائع للكتب، جالت بعينها فيما أمامه من كتب كثيرة ذات أغلفة سميكة، ثم قالت بصوت خفيض، وهى تخبئ وجهها وراءَ حجابِها: أريد مصحفًا كبيرًا، تناول البائع مُصحفًا من المصاحف المصفوفة أمامَه، أمسكته أمي برفقٍ، وهي تقول: بكم؟ رد البائعُ وهو يُشير بيده: عشرة جنيهات، أخرجت النقود من حافظتها، ناولتها للبائع.

احتضنتني تحت إبطيها، ناولتني المصحف، ابتسمت وهي تقول: ها هي الهدية الثَّمينة، التي وعدتك بها، أتمنى أنْ تُحافظ عليها، احتضنتُ المصحفَ في شَغَفٍ شديد، قَبَّلتُه في رفقٍ، وأنا أمرِّر يديَّ على غلافه المُذهَّب، وابتسامة عريضة ارتسمت على صفحة وجهي الأسمر، وعندما عدت إلى قريتنا، كان قَلبي يرقُص فرحًا بهدية أمي الثمينة.

اقتربت مني أختي الصُّغرى، أرادت أن تفتحَ مُصحفي، وتعبثَ بصفحاته، كعادتها في العبث بأشيائي الخاصَّة، منعتُ يدها العابثة أنْ تلوثَ جمالَ صفحاته الناصعة، انزَوتْ في ركنٍ قَصِيٍّ، ثم أجهشت بالبُكاء، اقتربت أمِّي منها، أخذت تداعب في رفق خصلات شعرها الفَاحِم الطويل، ثم احتضنتها وهي تقول: عندما تكبرين سأحضر لك مصحفًا مثله، في صباح اليوم التالي استيقظتُ من نومي مبكرًا، ذهبت إلى كُتَّاب القرية وأنا أحملُ مُصحفي الجميل، تحلق حولي أترابي من الصبيان، وهم يحدقون في غلافِه المذَهَّب، وأنا أحتضنه في قوة، كنت التلميذ الوحيد من تلاميذ الكتاب الذي يَحمل مصحفًا معه.

أجلسني الشيخ بجواره على المقعد الأمامي، رَبتَ على ظهري وهو يقول: حافظ على هذا المصحف جيدًا، ولا تعبث به، أومأت برأسي، ثم أخذ يتلو بعضًا من آيات القرآن الكريم، ونحن نُردِّد خلفه في خشوع، وعندما عدت إلى البيت وبعد تناوُل طعام الغداء، جلست في ساعات العصر على الأريكة الخشبية، التي تتوسط صحن دارنا، وأنا أفتح مصحفي برفق؛ كي أقرأ على نفسي ما حفظته على يد الشيخ من آيات القرآن الكريم، كانت أمي تنظر إلَيَّ وهي تبتسم، ثم تربت على كتفي، وهي تقول: أتمنى أن أراك مثل هؤلاء المشايخ، الذين أسمعهم في المذياع، وهم يرتلون آيات القرآن الكريم، كانت أمي حريصة على فتح المذياع في الصباح الباكر بعد أن تصلي الفجر؛ لتستمع لآيات القرآن الكريم، وهي تصك حبات مسبحتها الخضراء، التي ورثتها عن أبي، ثم تذهب لممارسة عملها البيتيِّ المعتاد.

ومرَّت السنون، وزحف الشعر الأبيض إلى رأسي، وعرفت التجاعيد طريقَها لصفحة وجهي، إلاَّ أن مصحفي ظل رفيقي في هذه الحياة كلما بقيت، أو ذهبت إلى مكان ما، كنت أول شيء أفعله أضعه في حقيبة سفري، وكنت كلما نزلت بمكان ما، أول شيء أفعله أنْ أخرجَ مصحفي من الحقيبة، ثم أحدق في غلافه المُذَهَّب، الذي لا زال متألقًا بنقوشه الذهبية الجميلة، وكنت كلما فتحت إحدى صفحاته على سورة من سُور القرآن الكريم، ارتسمت أمامي صورة أمي، وهي تقول بصوتها، الذي ما زال يطنُّ في سمعي حتى الآن: ها هي الهدية الثمينة التي أتمنى أن تحافظ عليها.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- ............
jawad - maroc 10-01-2010 01:04 AM
Merci frère ou une sœur à ce merveilleux texte
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة