العهدة (قصة)

العهدة

منذ أن جاء إلى المدرسة أحبه الطلاب، واحتفوا به، وتاقوا لحصته؛ فكم عرّجوا عليه التماسًا لمادة التاريخ الشائقة، التي يصورها لهم بحكاية جميلة، تتنوع ما بين الحماسة والهزل، وأحيانًا الوقوف على الأطلال؛ إذا ما جرى الكلام عن (الأندلس وبلنسية) وما شابههما!

المعلم: حصة اليوم يا طلاب تتطلب خارطة الوطن العربي الكبير.

الطلاب: إن الخارطة بمعمل الوسائل، مُغلَق عليها من فترة طويلة، وهي عهدة أستاذنا مسؤول المعمل.

المعلم: فليذهب أحدكم إليه، وليأتِنا بها على الفور.

هُرِع طالب أهوج، وقال: أنا سوف آتيك بها معلمي قبل أن تبدأ.

الزملاء: تريَّث؛ إنها من الجص، وإنها عُهدة؛ فكن حذرًا.

لم يلتفت، وإنما طار إلى المعمل، وجاء بها يجري، فجاءةً انزلقت قدماه بسبب حذائه غير الثابت على بلاط الطرقة الأملس، فسقط بها، فتكسرت جذاذًا، فتربع يجمع شتات الجذاذ، فنهره معلّمه:

ألم ننصحك بالتريث؟! ثم دلف إلى الفصل.

عاد الولد يحمل قلب الخارطة، ويقول:

" معلمي، لا زال هناك وطن لم ينكسر، ولم تتفتت معالمه، أعرف حدوده وجهاته الأصلية!".