• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

بعض البشر (قصة)

حمزة حرب الرقب


تاريخ الإضافة: 31/12/2014 ميلادي - 9/3/1436 هجري

الزيارات: 4459

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بعض البشر


فزّ أحمدُ لما سمع الخبر، فاستعان بالله على كربه، ووطَّن نفسه أيَّما توطين، فلم يبالغ في بكاء، بل تراه يتصبر على صوارف الدهر، ويتجرع مناهل القهر، فما كان منه إلا أن استرجع، وأحال لله الأمر، وهتف قائلاً: ما خاب من استعان بالله.

 

دائمًا ما برح ينشدها، لم يتركها قط، بل جعلها شِعارًا ودِثارًا له، يتوقى بها من قصمات الدهر؛ لذا لن تتركه أبدًا.

 

إيمانٌ وتوكلٌ كانا كفيلين بجعل أحمد يغدو بثقة في طريقه لمحطة الحافلات؛ ليواكب سكة الحياة، ويدفن دَنَف الذكريات.

 

فما إن عاينه معارفه تعجّبوا وحدَّقوا، وبعبارات مجهولة تمتموا، فقابلهم بابتسامة نصفها وجع، فمسح على قلبه، بذكر كلام ربه، فسكنت خشخشة الحزن، وصاح: ما خاب من استعان بالله.

 

عظيمٌ حقا أن ترى الإنسان قد تغلب على نفسه، وأخنس هواجس خلده، وهذا ما حدث حديثا، فنرى أحمد يصر عازمًا على مزاولة عمله، وطوي حزنه، ونراه زاهيًا بحُلّة الأمل، خالعًا لثام الألم، قاصدًا باب السعادة، موصدًا أبواب الشقاوة.

 

ويدخل كسالف أيامه، مسلِّمًا على زملائه، فيرون الصمت حينًا، ويسود الوجوم أحايين أخرى، ومِن بينهما تسمرٌ عجيب، تراهم وقد جعلوه مرمًى لأعينهم، يقنصون إصراره على الحياة، يغبطون جرأته على الأحزان بعين، ويتمزقون غيظًا بالأخرى، هكذا هم بعض البشر لا يَهنؤون لفرح، ولا يَغَصُّون لتَرَح.

 

يكسر تلك العبثية صليل العبثيين، فتراهم يتهامسون، منهم من يستمرئ حقارةً، ومنهم من يزداد عجبًا، ومنهم مَن لم ينتهِ بَعْدُ من استنزاف أحقاده، هكذا هم بعض البشر، لا يتوقفون عند أخطائهم فيباشرون إصلاحها؛ بل يُصرُّون عليها ويجرُّون أخطاء على أخرى.

 

ليتهم يعلمون أنه أحيانًا إن كان القلب جريحًا طريحًا غريقًا، وقد رأيته يُضمِّد نفسه، ويستعلي على جراحه، وينقذ نبضه، فقد تدميه أصغر كلمة، ولا تنفع معه كثرة المسلّين والباكين، فيؤول في غمرات الدماء والأحزان.

 

ليتهم يعلمون أن البشر ليسوا آليين، وليسوا جمادًا لا يأبهون بصفعات السنين، فكم يُضني البشرَ الفراق والحنين!

 

وها هو يرقب تعرّيهم عن أدنى صفات الرجولة، ويتجرع أُجاج القهر، ويستنزف سالف الويلات والخيبات، فيتقهقر من نفسه، ويتقدم إلى مكتبه وهو ينشد: ما خاب من استعان بالله!

 

يا لقلب هذا الملهوف! يأتي الدم لقلبه مفعمًا باليأس، يا لقلبه وقد سورته النوائب!

ما أثقل تلك الدقائق! تلك الدقائق جعلته يلقي برأسه على مكتبه؛ علَّ ما بها من هموم تتسابق في السقوط، لكنها آثرت البقاء في وطنها الجديد المغرق في القِدم، فتراها يشد بعضها بعضًا؛ خشية أن ينزلق واحد منها!

 

يرفع رأسه وقد عزم على مغادرة عمله قبل انتهائه، ويقرر أن يمنح نفسه إجازة؛ علَّها تساعده على فك محنّته.

 

فيضرب في الأرض يبحث عن شق يتغلغل فيه الفرج، إلى أن استجاب له بعض الغمام على حرج، تلك الغمام الذي انتظره طويلا ارتطمت بريح ساقها لبلاد أُخَرَ، فيهز رأسه قائلاً: ما خاب من استعان بالله!

ما كربت الدماء أن تجف ويدور في السوق.

 

ما زالت الدموع على الخدود وتخرج من بيتها.

 

لم يلبث أن يطلقها وتراجع الطبيب.

 

لم يخرج أبوه من المستشفى ويذهب للمطعم.

 

لم يمضِ اليوم الأول على وفاة قريبه ويذهب إلى عمله.

 

وماذا بعد؟! أتريدون أن تفصلوا للناس لباسًا وتجبروهم على لبسه؟!

أتريدون مني أن أبقى متقوقعًا في صومعة الأحزان والأوهام؟!

هاته حياتي أنا، وأنا فقط من سأحاسب عليها، فأنا فقط من يختار عيشها، وفق منهج الله، وما خاب من استعان بالله.

 

بين ركام الألم وظلمته، يتسرب شعاع الأمل وفسحته؛ ليبددَ كيان الأحزان، ويصيّر وحشتها أنسا وسعادة.

 

وتجري سنة الله في خلقه،فترى ذاك المكروب زاهيا منتشيا برحمة الله، فيكسف الطريق على مصيدة الأحزان، ويذهب إلى عمله صلبا لا تكسره قسوة الكلمات، ولا يبزُّه اللمز بالحركات، فيقابلونه أعوان الشيطان، بسخرية وتعجب، فيمحق خستهم بنظرة الواثق بنفسه، المتوكل على ربه.

 

يوما بعد يوم تقل سخريتهم، إلى أن وصلت إليهم إنسانيتهم بسلام، فقرروا أن يفاجئوا زميلهم صباح وصوله إلى عمله، بباقات ورد تغطي ما كان من تعرٍ عن المروءة، وتقدم كل الأسف والحب والاعتذار.

 

فيصل أحمد إلى فَرَجِهِ، وتحوِّطه الدهشة، ينهيها ببسمة، من بعدها يردد همسة: ما خاب مَن استعان بالله.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة