• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

وكيل النيابة (قصة قصيرة)

علي حسن فراج


تاريخ الإضافة: 26/10/2009 ميلادي - 7/11/1430 هجري

الزيارات: 14468

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
ما أنْ دقَّت عقارب السَّاعة مشيرةً إلى السَّابعة، حتَّى كان (محمَّد) قد انتهى من لبْس ثيابه وهو في توتُّر شديد، وقد بدا عليه أثَر السَّهر؛ فإنَّه لم ينَمْ ليلَتَه تلك، قالتْ له أمُّه وهي تُحاول التَّخفيف من توتُّره: لا تقلقْ؛ سيحقِّق الله لك كلَّ آمالِك، وسيُعْطيك أكثر ممَّا تتمنَّى، وستُصبح - بإذن الله - وكيل نيابة بل قاضيًا.
 
قال وقد اتَّجه نحوَ الباب: يا ربّ يا ربّ، لا بدَّ الآن أنَّ صاحب البقالة الَّتي بأسفلِ العمارة قد فتحها وجاءتْه "الصحف"، كلّ شيء سيتَّضح الآن.
 
اندفع إلى داخل البقالة، واتَّجه بسرعة إلى موضِع الصُّحف، مدَّ يدًا إلى الصَّحيفة، وأُخرى إلى جيْبِه مخرجًا ثَمنها معطيًا إيَّاه للبائع، تذكَّر أنَّه لم يُلْقِ عليْه أيَّ تَحيَّة: عذرًا، السَّلام عليْكم.
 
وانصرف خارجًا تأتيه تحيَّة البائع الَّذي اندهش من منظرِه: وعليْك السَّلام.
 
في أثْناء صعودِه فتح الجريدة الصَّفحة الخامسة، بسرعة البرق وصل نظرُه إلى حرف الميم، إنَّ اسمه موجود "محمد أحمد القصير"، لَم يتمالَك نفسَه، صاح بأعلى صوته: "ماما"، اسمي نزل.
 
ثمَّ شرع يدقُّ الباب بقوَّة، فتحتْ أمُّه الباب فوجدته قد أُغْشِي عليْه.
 
عمِل أهل البيت على إفاقتِه، فأفاق وقد أحاط به أمُّه وأبوه وإخْوتُه وهم يهنِّئون وينادونه: قُم يا حضرة وكيل النيابة، انتبه يا باشا، لا يكن قلبُك ضعيفًا من أوَّلها.
 
دقَّ جرس التليفون، جاءتْه التَّهاني من خطيبتِه وأهلها، الكلّ يُبارك والكلّ سعيد، فهم يعلمون أنَّ هذا لم يكُن حلم "محمَّد" فحسب، بل هو حلم جَميع الأسرة التي كانت تنتظِر هذا اليَوم، وقد ضحَّى الجميع من أجلِه، فالوالد باعَ قطعة الأرْض الَّتي كان يملكُها في قريتِهم، والأمّ باعت حليَّها، والإخْوة شاركوا بما كانوا يدَّخِرونه، ثم قدَّموا المبلغ لسعادة (المستشار) مقابل أن يتوسَّط في تعْيين ابنهم في النيابة، كما جرت العادة، لكن كان خوفهم أن يقعوا ضحيَّة لعمليَّة نصب ككثيرين قبلهم.
 
لَم يهدأ البيت في هذا اليوم لكثرة زيارات المهنِّئين من جيران وأصدقاء وغيرهم.
 
عند السَّاعة الواحدة صباحًا ألقى محمَّد بنفسه على السَّرير، واضعًا ذراعَه اليُمنى قائمةً تحت رأسِه، وقد أخذ نفسًا عميقًا وتأويهة شديدة:
آه، أخيرًا ستتحقَّق أحلامي!
 
أغمض عينيْه من غير نوم، فإذا به يمارس مِهْنَته:
• أجِبْ، ما علاقتك بالمجني عليْه؟
• علاقة عادية يا باشا.
 
قام مِن كرْسيه وأخذ يدور حول المتَّهم، ثمَّ رفع صوتَه صارخًا:
• لا تلف ولا تدور، ماذا تعني بعلاقة عادية؟ وضّح كلامك خيرًا لك، فاهم؟!
 
تقلَّب إلى شقِّه الآخَر وجعل ينظر إلى الجدار، ثمَّ أغمض عينيْه: قد اشترى "شقَّة" تمليك في (مدينة نصر) - تشطيب لوكس - كانت المنطقة تعاني من السَّرِقة، لكن عندما سكن فيها وكيل النّيابة هجرها اللصوص تمامًا، فرِح بسكْناه الجيران كثيرًا؛ أيّ لصٍّ يَجرؤ أن يسرق في حيٍّ يقْطنه وكيل نيابة؟!
 
نام على ظهْره جمع كفَّيه ووضعهما تحت رأسه وأغمض عينه: جاءت ليلة الزّفاف، وقد أقيم الحفل في فندق "انتركونتنال"، المشهد مهول، احتاج أن يأتي برجُل متخصِّص لينسِّق فقرات الحفل، ويشْرف على إخراجه، كان حفلاً عجيبًا كأنَّه مشهد من قصَّة "ألف ليلة وليلة"، حضر كثيرٌ من الزّملاء: وكلاء النيابة وبعض القضاة، ومع ذلك كان هو متواضعًا للغاية؛ ذهَب وصافح أقاربَه الَّذين جاؤوا من القرية بثيابِهم الريفيَّة، لم يَخجل ولم يستحِ من ذلك؛ بل كان فخورًا.
 
أخذ عروسه في سيَّارته (المرسيدس)، من صِغَره وهو شغوف بهذا النوع من السيَّارات، لا يفضِّل عليه غيره؛ ولكنَّه لَم يملكْها يومًا ما، أمَّا سيَّارة والدِه فكانت متواضِعة للغاية.
 
أخذ نفسًا عميقًا جدًّا: يبدو أنَّ النَّوم سيهجرني الليلةَ كما هجرني بالأمس.
 
قُبيل الظُّهر بساعة كان قد تجهَّز ليمرَّ على صديق عمرِه، الَّذي حرص - حبًّا له - على الذَّهاب معه ليتسلَّم خطاب تكليفِه بالعمل وكيلاً للنيابة، قال لأمِّه وهو يودِّعها قبل أن يفتَح الباب:
هذا اليوم من أسْعد أيَّام حياتي، بل أنا أسعد إنسانٍ في الدّنيا.
 
قالت وهي مبتسِمة:
أسعد الله حياتَك كلَّها، هناك شخصٌ أكثر منك سعادة؛ أنا!
 
وقفت سيَّارة الأُجْرة عند بيت صديقِه الَّذي كان بانتِظاره، تصافَحَا، وقام صديقُه الَّذي لا يكفُّ عن الدّعابة برفْع يدِه إلى رأسِه على شكل التحيَّة العسكريَّة:
 
مرحبًا يا حضرة المستشار.
 
انخرطا في الضَّحِك، قال له صاحبه:
أخوف ما أخاف أن تتغيَّر علينا بمجرَّد دخولك المحكمة، وتنسى صداقتنا كلَّ هذه الأيَّام الخوالي.
 
ردَّ بسرعة:
طبعًا؛ أمِن المعقول أن يصادق المستشارون أمثالي الصعاليكَ من أمثالك؟!
أخذا في الضَّحِك مرَّة أخرى.
 
تسلَّم "محمَّد أحمد القصير" خطابَ تكْليفه ثمَّ نزل هو وصاحبه من مبنى الوِزارة، بيْنما كان الظُّهر يؤذَّن له، قال له صاحبه: نصلي في هذا المسجِد الآن أم نصلِّي إذا رجعنا؟
 
قال مبادرًا صديقَه بالمزاج: وكلاء النيابة يصلّون بالمسجد ويدْخلون دورة مياه عموميَّة؟! لكن سأتواضع هذه المرة لأنَّك معي.
 
• "خليها عليك هذه المرَّة"، وأنت وإن تسلَّمت الخِطاب لكنَّك لم تُباشر العمل؛ يعني: إلى هذه اللحظة أنت وكيل نيابة مع إيقاف التنفيذ.
• إذا كان كذلك فهيَّا بنا.
 
بعد الصلاة قام الإمام ليُلْقي على النَّاس موعظة، قال الصَّاحب: هيا، أم ستجلِس تسمع هذا الرَّجُل؟
• نصبر لمَ العجلة؟ تريد أن يقول النَّاس: وكيل النّيابة لا يحب المواعظ والخير؟ 
• ما شاء الله تبارك الله، ومنذ متى وأنت تسمع المواعظ؟! هل التزمت بدخولِك النيابة؟!
• اسكت يا صعلوق، فأنت لا تفهم في الإتيكيت، دعنا نسمع الشّيخ.
 
أخذ صوت الشَّيخ يرتفِع في كلِمَتِه الَّتي كانت تدورُ حول الدُّنيا وحالها:
الدنيا يا أحباب ظلٌّ زائل وخيال زائر، صغيرها يهرم وصحيحها يسقم وكبيرُها يموت، إذا كسَتْ أوكست وإن دنت أودنت.
 
كم من دار مُلِئتْ في الصباح فرحًا وحبورًا، وفي المساء ملِئتْ حزنًا وثبورًا!
 
الموْت يأتي بغتة، يأتي فجأة، لا يستأْذِن من أحدٍ، لا يفرِّق بين صغيرٍ وشابٍّ وكبير، ليس له موعد معروف، فلا ينبغي للإنسان أن يفرِّط في التعلُّق بها أو يُطيل آماله فيها فينسى آخرَتَه، ويجعل دنياه أكبر ومبلغ علمِه، ثم يفجؤه الموت وقد تعلَّقتْ كلُّ طموحاته وأهدافه بالدُّنيا فحسب، وليْس للآخِرة من تفكيره أو عمله أيُّ نصيب، فساعتها سيتحسَّر كلَّ الحسْرة ويندم كلَّ النَّدم على تفريطِه في أمر آخرتِه، وهي باقية دائمة، وتعظيمه واهتمامه البالِغ بأمر دنياه وهي زائلة فانية، فاعتبروا يا أولي الأبصار، ولا تخدعنَّكم الدنيا بما فيها من مُتَع وشهوات، فما هي إلاَّ أيَّام قليلة وتنقضي آجالنا، ونرحل منها إمَّا إلى الجنَّة وإمَّا إلى النار".
 
أمام باب المسجد قال الصَّاحب: ها نحن قد أطعْناك وجلسنا، فهل سمِعْنا إلا النَّكد ووجع القلْب، ونحن اليوم في يوم فرح!
• لكن الرجُل قال الحقيقة المرَّة التي نهرُب منها جميعًا! 
• ألَم أقل لك: إنَّك تدرْوشت؟! لعلَّك تترك النيابة وتصبح واعظًا!
 
التفت إليه وهو يتنهَّد: أمر الدنيا محيّر وغريب، لقد أصابني اكتِئاب.
• ليْتَنا لم ندخل!
• وما يُدْريك؟ لعلَّه الأفضل، دائمًا الحقيقة مرَّة في كلّ شيء، نحنُ نحبُّ الباطل والزَّيف لأنَّه خفيف ويوافق أهواءنا، ما عليْنا! معي أوراقٌ أُريد تصويرَها، هل بجوارنا ماكينة تصوير؟
في هذا الجانب لا، لا بدَّ من عبور الشَّارع العام، لكن ليس هنا مكان عبور المشاة، لا بدَّ أن نَمشي قليلاً، أو نقطع الطَّريق كعادتِنا إلاَّ ألاَّ يسمح "برستيج" وكيل النيابة! 
• وكيل النيابة أو وكيل البطّيخ؟! ما يهم: الكلّ إلى الموْت. 
• الحمد لله أنَّك لم تتكبَّر إلى الآن وقد مضى ساعةٌ على استلامِك الخطاب، هذا إنجاز تُحْسَد عليْه، هيَّا نعبُر؛ لكنِ انتبه فإنَّهم يُسْرِعون سرعة جنونيَّة.
 
دخل الصَّديقان إلى ساحة الطَّريق، تقدَّم الصَّاحب راكضًا مرَّة واحدة حتَّى صار على الرَّصيف الآخر، أمَّا "محمد القصير" فسمح لسيَّارة مسرعة بالمرور ومشَى بعدها، وأشار إلى أُخْرى بأنَّه سيمرّ فأبطاتْ؛ ولكن سيَّارة متجاوِزة لها كانت متقدِّمة بسرعة شديدة، لم يبصر صاحبُها "محمدًا القصير" فصدمتْه.
 
التفتَ الصَّاحب فجأة على صوْت فرملة السيَّارة، فإذا بصديقه صريعٌ مضرَّج بالدّماء، توقَّفت السيَّارات كلّها، تجمَّع النَّاس، جاءت الشّرطة، الجثَّة أصبحت أشلاء ممزَّقة، فارق "محمد القصير" الحياة الدنيا، صار رجالُ الإسعاف يجمعون أطرافَه وما تناثر من أشيائه: ساعته وخاتمه وحذائه، وأوراق الملف الَّذي كان يحمله في يده يجمع فيه أوراقه، تتبَّع أحدُهم إحدى هذه الأوْراق التي كانت تطير في الهواء، وعندما استقرَّت على الأرض أمسكَها وقد علتْها الدماء، وإذا فيها: وزارة العدل، محافظة القاهرة: تمَّ تعْيين محمد أحمد القصير وكيلاً للنيابة بمحْكمة العباسيَّة قسم ثان!




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- هذه هي أمنياتي
محمد حسين احمد ابراهيم الرشيدى - مصر 11-02-2014 01:14 PM

يارب حقق حلم كل من أراد أن يحلم حلما كبيرا أو صغييرا

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة