• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

أمام المرآة ( قصة )

أمام المرآة ( قصة )
سعيد بوطاهر


تاريخ الإضافة: 16/5/2014 ميلادي - 16/7/1435 هجري

الزيارات: 4065

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أمام المرآة


لم يَسبِق له أن وقف أمام المرآة كلَّ هذا الوقت، اليوم ليس كباقي الأيام، أربعون سنة من عمره تبخَّرت، ذابت في بركان الضياع، تسلَّلت منه بدهاء، ثم وقفت بعيدًا تُودِّعه بسخرية وشماتة، ولكن أيضًا بحسرة وشفقة.


بالأمس فقط كان شابًّا يافعًا، وأول أمس كان طفلاً بريئًا، إنه يتذكَّر صورًا من الماضي، وكأنَّها حدثت للتوِّ، مزيج من حنين ونَدَم يَعصِر قلبَه إلى درجة الألم؛ لم يكن سعيدًا في حياته، ولكن أيضًا لم يكن شقيًّا، كان في حالة من الوعي اللاواعي أو اللاوعي الواعي، لا يدري! كان فقط يَحلُم، طول الوقت يَحلُم، يَحلُم بالأفضل والأمثل، صار الحُلْم عنده إدمانًا يُرهِق أعصابَه، ويَستنزِف طاقتَه، ولكن كان أيضًا يستهويه ويَستعذِبه.


كان ذاهلاً عن الدنيا، يحياها ولا يعيشها، كان فيها حاضرًا غائبًا، كان كالورقة اليابسة اليتيمة، تَنقُلها الرياح من مكان إلى مكان، فلا تَستقِر في مكان، تتوق إلى اليوم الذي تعود فيه ورقة خضراء تنتمي إلى غُصْن وشجرة لها جذور، ورقة تَنبِض بالحياة.


نال شهادة الباكلوريا بمعدَّل كبير، كان مُتفوِّقًا، من الأوائل على صعيد المدينة وضواحيها، ورُغم ذلك اختار كلية عادية لا تشترط تفوُّقًا ولا مُعدَّلاً معيَّنًا، وشعبة جافة لا تستسيغها نفسه الرقيقة، فعانى من الدراسة أيَّما مُعاناة؛ ليس لأن الدروس صعبة مستعصية، إذ لم يكن الأمر يتطلَّب أكثر من رد البضاعة إلى أهلها، ولكن كان يَحلُم أكثر مما يُتابِع المحاضرات، ويَفِر من المقرَّرات والشروح إلى كتب الدين والأدب والفلسفة، حتى إذا لم يبقَ على موعد الامتحانات سوى أيام قام إلى مواد الدراسة يُواصِل الليل بالنهار.


أنهى دراستَه الجامعية، وحصل على وظيفة أقل من مؤهِّله التعليمي؛ لأن ظروف أسرته المالية لم تكن آنذاك بخير، ظلَّت أعصابُه لخمس سنين تئنُّ تحت مَعاوِل الروتين الإداري، ثم زاده عَنَتًا أن كان على رأس المصلحة جُرذ مُستأسِد يتربَّص به الدوائر، رَذْل، التقت فيه عروق الخِسَّة؛ فيه عجرفة الجاهل، ورَوغان الجبان، وجشَع اللص، كوكتيل نذالة كان يَجثِم على صدره ثماني ساعات لخمسة أيام في الأسبوع.


كان رئيس المصلحة هذا يُقسِّم الإدارةَ إلى معسكرين: المرضيّ عنهم ممن هم على شاكِلته، والموصى بهم خيرًا عنده من لَدُن كبير - ولا كبير إلا الله - والمغضوب عليهم "أولاد الناس".


لم يكن صاحبنا ليتحمَّل هذا الوضع طويلاً، لماذا يَنتقُون لهذه الكراسي السَّفِلة الهَمَج، يضعون في أيديهم أسباب الحل والعقد وتدبير شؤون الناس؟


لم يكن يَملِك إلا أن يَحلُم، والحُلْم ضرب من ضروب الصبر، ثم جاء الفرج؛ اجتاز مباراة لولوج منصب يَسيل له لُعاب أكثر الناس، وكان التوفيق من الله.


تحرَّر من الروتين، لم يَعُد آلته الطائعة، وودَّع وجهَ النحس ذاك، فعمله الجديد أتاح له فرصة استثمار عِلْمه وخِبْراته ومواهبه، والاستقلال بشخصيته، لم يَعُد يتلقَّى أوامر من أي قِزْم، ورئيسه الإداري ليس له عليه سلطة إلا التنقيط الذي يُعجِّل بالترقية أو يؤخِّرها، وصاحبنا لم يكن يُولي لهذا الأمر كبيرَ اهتمام، لا رقيب عليه إلا ربه ثم ضميره.


كان قد قرَّر في أول شبابه ألا يتزوَّج، ثم مضى به العمر حتى نيِّف وثلاثين، فساق له ربه فتاة خيِّرة فاضلة، فأقدم، ثم أَحجَم حتى كاد يضيعها من يده، ثم أقدم؛ تزوَّج وصار أبًا، أصبح مسؤولاً بكل ما تعني الكلمة من معنى، وظل رغم ذلك يَحلُم، ومرَّت السنون وألفى نفسَه يومًا أمام المرآة يتأمَّل نَفْسه؛ الناس على سَنَنٍ واحد وهو جامح شارد، يصيحون ملء أصواتهم، وهو يَهمِس الكلام همسًا، يطؤون الأرض وطئًا، وهو يمشي على أطراف أصابعه الهوينى.


قرَّر ألا يَحلُم بعد، تخيَّل نفسه كذلك فأَحسَّ بالاختناق والامتعاض؛ لم يكن ليَسعه واقع الناس.


فَهِم أخيرًا أن عليه أن يَغرِس قدميه في أرضهم ثم يرفع هامتَه إلى السماء، يَنقُل بصره بين نجومها.... يَحلُم!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة