• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

التوبة (قصة قصيرة)

إبراهيم الفتاحي


تاريخ الإضافة: 12/8/2009 ميلادي - 20/8/1430 هجري

الزيارات: 31225

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

استَيْقظ من نومِه مذعورًا، يتَصَبَّب عرقًا، وكانت عقارب الساعة تغازل الثالثة فجرًا، بقي مذهولاً للحظات، وهو يستحضر صورة الحلم الرهيب، فقد رأى في منامه أنه يتقيَّأ في برميلٍ لا يمتلئ أبدًا، بل يغور قعره كلما زاد تقيؤُه.

لم يغمض جفنيه حتى لاح نور الصباح، وبقي لساعات يتدبَّر حلمه، وأمعاؤه تتمَزَّق كأنه تقيَّأ فعلاً، اختلط لديه الحلم بالواقع، وبدأ التغيُّر يدبُّ في تصوُّره للأحلام شيئًا فشيئًا، فبعدما كان هواه فرويديًّا في تفسير الأحلام، تبَيَّن له أنها قد تحمل معانيَ أعمق من ذلك بكثير، فقرَّر البحث عن تفسير ديني أو روحاني لحلمه الرهيب.

قام باكرًا من فراشه على غير عادته، وقد عافت نفسه الطعام، ولم يستطعْ أن يقرب الإفطار؛ استشار أخته في الأمر، فدَلَّتْه على فقيه سوسي[1]، بمدينة تارودانت[2]، مشهور بين الناس بتفسيره الأحلام على طريقة ابن سيرين.

استقلَّ سيارته متَّجهًا صوب المدينة، حيث الفقيه، وفي ذهنِه تتدافَع الأسئلة ليصلَ بعد سبع ساعات من السفر، فكان استرشاده بأول شخص يلقاه على مداخل المدينة كافيًا ليبلغ ضالته، فقد كانتْ شهرة الفقيه تطبق الآفاق كنار القرى ليلاً على علم.

انتظر ساعات قبل أن يحل دوره لكثْرة المترَدِّدين على الفقيه، وما أن حدثه بالرؤيا حتى بادره بالقول: "أفطرت رمضان عمدًا ولسنوات عدَّة".

اقْشَعَرَّ بدنه، وهو يسمع هذا التفسير من رجلٍ لا يعرف عنه شيئًا، وهو الذي عاش ملحدًا يساريًّا منذ ما يزيد عن عشرين عامًا، ينكر كل شيء يتجاوز المادة، ويرى أن العلوم المادية وحدها ما يفسر العالم ووقائعه، وأن كل الارتباطات التي تفَسِّر الأشياء سببيَّة، يُمكن تفسيرُها بقواعد علميَّة دقيقة، دونما الحاجة إلى الإيمان بقُوى خفيَّة تحكمها، وأن نظام الوجود لا يحتاج إلى إلهٍ بتاتًا!

دمعتْ عينا الرجل، وهو ينظُر إلى الفقيه الذي يعلوه الوقار بِلِحْيته الكثَّة البيضاء، والتي يتخلَّلها بضع شعيرات سوداء، ثم نطق قائلاً: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله".

فابْتَسَم الفقيه برِقَّة دون أن تظهرَ أسنانُه، وهو يقول: "كأنِّي بك لم تسلمْ إلا اليوم"، فردَّ الرجل بكلمات مخنوقة بالبكاء: "لقد عشتُ ملحدًا منذ سن الواحدة والعشرين، وهأنذا اليوم قد قاربتُ الثانية والأربعين، وقد أفطرت رمضان عمدًا كل هذه السنوات".

نظر الفقيه إليه مليًّا بعينيه المغرورقتين بالدمع، وتنَهَّد بعمق قبل أن يحدثه قائلاً: "الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنَّا لنهتديَ لولا أن هدانا الله".

تلمظ الرجل وعلى وجنتيه يلمع الدمع الذي جادتْ به عيناه، وقال: "لا أجد رقابًا أُحَرِّرها، ولا أملك المال لإطعام مئات المساكين، وصيام يكفر عن واحد وعشرين رمضان أمرٌ بعيد المنال، ولا طاقة لي به".

ضحك الفقيه من كلمات الرجل وقرأ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، ثم قرأ: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، فتابع كلامه قائلاً: على أي حال تُبْ إلى الله، وأَكْثِر من الصلاة والاستغفار والصدَقات، ولاَ تنْسَ أن رحمة الله وسعتْ كل شيء، والإسلامُ يجبُّ ما قبله.

قام الرجل وقد دَبَّ الإحساس بالطمأنينة والأمان في قلبه، وتثاقَلَتْ خُطاه، وهو يغادر مجلس الفقيه، ثم وقف هنيهة على خطوات منه، وأصاخ إليه السمع، وهو يقرأ بصوت رخيم: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].

منذ ذلك اليوم لم ينسَ الرجلُ أنَّ الله أعظم مِن أن يحيط به عقله الصغير.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] نسبة إلى سوس، وهي منطقة جنوب المغرب، اشتهر أهلها بالفقه وعلوم القرآن.
[2] مدينة جنوب المغرب.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
2- الايمان
مجمد ناجح محمد عبد الطيف عزام - فلسطين المحتلة 18-08-2009 03:50 PM

إن الله تعالى قال "إنما يخشى الله من عباده العلماء" وأنتم اسرة موقع الألوكة لكم مني كل الاحترام والشكر على ماتقدمونه في هذا الموقع وثوابكم عند الله تعالى
وشكرا

 أخوكم محمدناجح محمد عبد الطيف عزام من دولة فلسطين اتقدم لكم بشكر الجزيل والسلام عليكم

1- عمل متميز
ناصر علي - المغرب 13-08-2009 04:57 PM

أخي ابراهيم،
لقد تمكنت من حبك القصة بأسلوب أدبي رائع و لا أخفيك مدى تأثري بالقصة، ومن الناحية النقدية فأنت توصلت بشكل رائع الى نسج خيوط الحكي و الربط بين الحلم و الواقع. أسأل الله لك التألق في مسيرتك الأدبية بما فيه النفع للمسلمين، فللأدب تأثير قوي في نفوس الناس، و ما أروعه حينما يكون هادفا و مساهما في الدعوة إلى الله و التذكير بفرائضه.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة