• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

اكتشاف متأخر

اكتشاف متأخر
سعيدة بشار


تاريخ الإضافة: 4/2/2014 ميلادي - 3/4/1435 هجري

الزيارات: 5404

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

اكتشاف متأخر


إنّها تمطر خارجًا، أسمع زخَّات المطر المُقَبِّلَةِ للأرض كلِّ الأرض دون استثناء، لا يهمُّ أن تكون تلك الأرض طيِّبة، وأخرى تملؤها القذارة، هي تُقَبِّل كل الأرض دون استثناء، تَعرض عليها الطُّهر في لطف... هو ذاك عطاء الله الدُّنيوي يذهب للأخيار وللأشرار، يُعانقهم ويلفُّهم جميعًا، وسواء اعترفوا أم كفروا سيَّانِ عنده، كل ذاك لا يُساوي عنده جناح بعوضة.

 

كنتُ أنام إلى صدرها كلَّ ليلة، كانت تحكُّ لي ظهري وتمسَح شَعري لكي أنام، وتحكي لي قصصًا قديمة سمعتُها منها مرارًا وتَكرارًا، ولكني كنتُ أستمِع إليها كلَّ مرَّة بحماس من يسمعها أوَّل مرَّة، كانت تحبُّ وقْع زخَّات المطر على القرميد، كانت تقول لي: "كم أحب نزول المطر حينما أعلم أنَّ أبنائي نائمون في غرفهم بعد أن يكونوا قد أكلوا وتدفؤوا"، ثمَّ تستمر في مسْح شَعري، كنت كثيرًا ما أفزع في نومي فأستيقظ وأرى العتمة من حولي فأسرع لألتصقَ بها، كانت تَنتفِض من نومها، وإذا كانت نائمة على جنبٍ مخالفٍ لناحيتي تستدير نحوي وتُعانِقني مع كثيرٍ مِن القُبَل، ثمَّ أغفو ثانية في اطمِئنان، وأقيِّدها بيديَّ ورجليَّ وكأنِّي أمنعها من الابتعاد عنِّي.

 

لا أزال بعد عمر أقوم فزعةً من نومي لأرى العتمة من حولي، وأتذكَّر في كلِّ مرَّة أنَّها ما عادت هنا لتضمَّني إليها وتُطمئنني، فيزداد قهري ويَقيني أنَّ كل أحضان الدُّنيا لن تعوِّض حِضنها، ولا قلبها، ولا قُربها... هي وحدها من كان يستحق الحب، كل الحبِّ، وكل القرب، وكل العطف، ومشاعر كلِّ ذرَّة من وجودي، لكن اكتشافي متأخِّر جدًّا، ما عادت هنا لأُخبرها بذلك، ما عادت هنا لتضمَّ شتاتي، ما عادت هنا لتحدِّثني، ما عادت هنا أمي، وصِرتُ بعدها أشلاءً تتقاذَفها موانئ وهمية لسلامٍ مفقودٍ دون رجعة، سراب شائكٌ تتسابق سهامه المسمومة لإطفاء أيِّ فرحٍ ببطء قاتل، كم أعشق هذا التسارع في الأيام والليالي! ليته كان أسرعَ ليكون الخلاص أقرب، للحنين ذوقٌ خاص، بل ألمٌ خاص، وقهرٌ يَضرب في الأعماق بحرقة، ما أشدَّ طعناته لو أنها تعود! لكنها لن تعود، تحضرني حبيبته "عائشة" وزوجاته الأخريات، وأصحابه وأحبابه، كيف تحمَّلوا الحياة من بعده؟ كيف تحمَّلوا أن يَستيقِظوا ذات صباح دونه ثمَّ يستمروا؟! كيف كان ألمُهم؟ كيف كان حنينهم؟ كيف كان قَهرُهم؟! وكلُّ مَن على وجه الأرض قد فُقد، ثم يُفقَد بدوره، ويستمر الفقد إلى يوم الحق.

 

رخيصة هي في كلِّ نواحيها، لهذا لا تُساوي عنده جناح بعوضة، يا قارئ كلماتي قبل أن يستبدَّ بك الفقد، تحسَّس وجوه من حولك، هل ترى أمَّك، أمَّك، أمَّك، وأباك؟ هل تعلم؟ ستَفقدهما يقينًا، أو ربَّما يفقدونك دون رجعة، وإن بقيت بعدهما فلن ترى وجهيهما إلا في الصُّوَر القديمة، ولن تشمَّ رائحتهما حتَّى في ثيابهما المتبقية، قد تسمع أصواتهما إن كنت قد سجَّلتها، وحينها ستَشعر بتلك الحرقة في صدرك، فلن تستطيع أن تضمَّهما إليك، ولن تستطيع أن تُقبِّلهما، ولن تستطيع أن تُخبِّئ دموعك في صدرهما، وستَحترق أكثر، وستتألم بعمق، قد تتمنى الموت بسرعة عساك أن تلتقي بهما في مستقر رحمته، ولن يفهم ألمَكَ أحد، وستتعلَّم مع الوقت أن تُداري وجعك، وتحتَضِنَه وحدك كطفلٍ غير وديع، تضمُّه إليك بشوق، ويسحب منك وهج الحياة ببطء، لك الأيَّام ستُخبرك بالتفاصيل.

 

لكن إن كنت ذا حظٍّ عظيم، وكانا بجوارك أو على مقربةٍ منك فسابق الأنفاس إليهما، وضمَّهما إليك بلهفة قبل أن يُغادِرا، وأشبِعهما، بل أشبع حنينك القادم قُبَلاً مضاعفة، شَعرُهما الأبيَض، وقسمات وجهيهما المُتلاشية، وتجاعيد أيديهما، هي أجمل ما في الحياة، لو كنت تعلم كل ذاك كان الحياة بعَينها، كان فرحها، وأملها، ورحمات الله التي كانت تغمرك دون أن تَشعُر، هل ستَنتظِر مثلي عمرًا آخر لتُدرِك معنى ذلك؟ وهل ستَكون يومَها قادرًا على تحمُّل ذلك؟





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
2- رحمها الله
الخيزران - الجزائر 01-01-2023 01:02 AM

رحم الله والدتك الطيبة ورزقك العزيمة والصبر والقوة..
تملكين لغة جميلة وعميقة ومؤثرة

1- .....
شروق - السعودية 22-03-2014 12:02 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هل هي والدتك

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة