• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

مولد سيدي البقلي ( قصة )

مولد سيدي البقلي ( قصة )
حسن عبدالموجود سيد عبدالجواد


تاريخ الإضافة: 9/1/2014 ميلادي - 7/3/1435 هجري

الزيارات: 4839

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مولد سيدي البقلي


نادرًا ما كنا نلبَس الأحذيةَ؛ فقد اعتادت أرجُلُنا المشققة على أن تُلامِس الأرضَ بكل ما فيها من أتربة وحصى وقاذورات وأوحال، وغير ذلك مما تَعِج به شوارع قريتنا الترابية.

 

لكن ذلك اليوم بالذات من كل عام كان يحظى منا باستعداد خاصٍّ، لا تَحظى به أيام الدراسة، بل حتى أيام الأعياد.

 

فمنذ الصباح تبدأ الطقوس المعتادة التي نَنتظِرها ونشتاق إليها رغم أنها لم تكن من طبيعتنا.

 

تضع أمي رحمها الله إناءً كبيرًا مملوءًا بالماء على (باجور الجاز)، ثم تُجهِّز (طشت الغسيل) و(صابونة وليفة) لمهمة قاسية، ليست علينا نحن فقط؛ بل على (الصابونة والليفة) ويد أمي الغالية!

 

لم نكن نهرُب من الاستحمام في هذا اليوم بالذات؛ فقد كنا - وللغرابة الشديدة! - نستقبِله في صبرٍ وثبات شديدين؛ لما يَنتظِرنا بعده من متعة، لم نكن نحظى بها إلا مرة واحدة في العام.

 

تقوم أمي بإزالة طبقات الطين المتراكمة على أجسادنا منذ أسابيع، بل علَّها شهور لم نكن نحظى فيها بهذه المياه الدافئة النظيفة المُعطَّرة بالصابون.

 

فقد كنا نكتفي بماء الترعة الطيني، الذي كنا نُشارِك بهائمنا الاستحمام فيه عند العودة من الحقل في ظهيرة كل يوم.

 

وبعد جهد كبير تُفلِح أمي في الكشف عن أُولى طبقات جلدنا الحقيقي، وبعد ساعة أو يَزيد نَلبَس ملابسَنا النظيفة وأحذيتَنا البلاستيكية، التي نَكتشِف أنها صارت أضيق بقليل عن العام الماضي، لكننا نتحمَّل ذلك دون ضجرٍ، ولا يُهِمنا أيضًا أن جلابيبنا شبه الجديدة غير مكوية، في بلدة لا تَعرِف الكهرباء طريقها فيها، إلا لبيوت تُعَد على أصابع اليد الواحدة.

 

يُنسينا الفرحُ ما قد نُقاسيه من جوع، فلا نكاد نتناول إفطارًا أو غداءً، وننتظر بفارغ الصبر أذان العصر، الذي كان إيذانًا بالانطلاق نحو (هوارة)؛ حيث (مولد سيدي البقلي).

 

يَنطلِق أبي بنا في رحلة اعتادها معظمُ أبناء قريتنا، حيث نتلاقى جميعًا في الطريق، بعضنا يَقطَع هذه المسافة - التي تَصِل إلى ستة كيلو مترات تقريبًا، من قحافة إلى هوارة - مشيًا، وبعضنا - وهو ما كنا نَعُده ترفيهًا - يَركَب (المقطورة)، وهي مركبة مكشوفة يجرها (جرار زراعي) حيث نُرَصُّ فيها كأجولة القمح أو الذُّرة أو - وبكل تواضع - كقطعان الماشية التي يُذهب بها إلى السوق بين ثُغاء ورُغاء.

 

وهناك.. قبل هوارة بقليل، يَقفِز مَن يَقدِر من شباب القرية من المقطورة؛ هاربين من دفْع القروش الخمسة التي يُحصِّلها صاحب المركبة بعد نهاية الرحلة.

 

لا أستطيع أن أصِف لكم ما كان يَنبِض فينا من مشاعرَ فيَّاضة عندما تَظهَر بهرجة المولد وأضواؤه وأعلامُه من بعيد، حتى إننا كنا ننسى صوابَنا، وكنا نجد أنفسنا نصيح من كلِّ أعماقنا بلا وعي أو تفريق بين صغير وكبير.

 

إذًا هذا هو المولد الذي كنا ننتظره على أحرِّ من الجمر.

 

شارع طويل مليء بالأضواء الملوَّنة، والأعلام المزركَشة، وبائعي الحلوى والحِمَّص والفول، والأحصنة والكرات البلاستيكية، وبضائع مُتراصَّة هنا وهناك في نظام بديع لم نَعهَده في قريتنا المُبَعثَرة.

 

ومن بعيد تلوح لنا الأراجيح الدوَّارة العملاقة، وحلقة الحاوي الواسعة، التي كنت أَستَرِق النظرَ إليها من فوق كتفَي أبي.

 

لا أستطيع أن أُنكِر ما كان يُقدِّمه لنا أهلُ هوارة من كرمٍ زائدٍ، فقد كانت البيوت مفتوحة يقف أصحابها يتجاذبون بينهم الضيوف الغرباء، وكل منهم قد أَعدَّ عدَّته وذبح خروفًا أو اثنين؛ احتفالاً بسيدي البقلي، الذي لا أعرف عنه غير هذا الضريح الأخضر الذي كان يقع وسط مقابر هوارة المضاءة.

 

سامحه الله أبي! فقد قادني في طَوافه حول الضريح متلمسًا قماشه الحريري الأخضر، أميل بين حين وآخر لأقبِّله؛ أُسوة بالطائفين أمامي، ولم يكن يعنيني ذلك في شيء؛ فقد كان كل ما يَشغَل بالي أن ألتهم كميات اللحم العملاقة التي كانت تُقدَّم لنا في منازل القرية وحول ضريح الشيخ.

 

ولم أكن أنسى أمي وجدتي وأختي اللاتي تُحرَمنَ من الذَّهاب لهذه الأماكن، فأدسُّ في جيب جلبابي الجانبي العملاق ما أستطيع من (هُبر) اللحم الضخمة.

 

وقبل منتصف الليل بقليل يَصحبنا أبي في جولة بين البائعين، أكرمه الله لم يكن يَحرِمنا من شيء ننتقيه من حلوى أو أحصنة أو كرات، ولم أكن أنسى أختي فأنتقي لها عروسةً وبضع أساور من البلاستيك.

 

نعود آخر الليل في جماعات نحو قريتنا حيث تَنتظِرنا أختي هناك أمام بابِنا الخشبي العملاق في قحافة بلدتِنا الساهرة.

 

رحِم الله البقلي الذي لا أعرف عنه شيئًا.

 

ورحِم الله أمي؛ فقد كنا نُكلِّفها في هذا اليوم ما لا تُطيق.

تعليق من الألوكة:

لا يخفى أن ما يحصل في هذه الموالد فيه كثير من الأشياء الشركية والمحرمة، لكن المقصود بالقصة نقل صورة حقيقية تمثل نموذجا لحياة الناس في مثل هذه الموالد.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
2- شكر وعرفان
حسن عبد الموجود سيد عبد الجواد - مصر 11-01-2014 04:08 AM

أخواني الأحباب القائمين علي شبكة الألوكة الحبيبة نعم قصدت من تلك القصة نقل جزء من الواقع الذي عشته في قريتي البسيطة قحافة غيرأنني أؤكد هنا أن الفهم الصحيح للدين بدأ والحمد لله يعم أرجاء القرى وأن تلك الأضرحة التي كان الناس يؤدون الطقوس حولها قد تم هدمها بفضل الله وحمده ومنته جزاكم الله خيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

1- تعليق مميز  تنبيه
الألوكة - السعودية 09-01-2014 05:18 PM

لا يخفى أن ما يحصل في هذه الموالد فيه كثير من الأشياء الشركية والمحرمة، لكن المقصود بالقصة نقل صورة حقيقية تمثل نموذجا لحياة الناس في مثل هذه الموالد.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة