• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

كيلاني .. راعي الكلاب

حسن عبدالموجود سيد عبدالجواد


تاريخ الإضافة: 26/12/2013 ميلادي - 22/2/1435 هجري

الزيارات: 4767

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كيلاني.. راعي الكلاب


كم كانت هذه المخلوقاتُ الشرسة تطارِدُنا صباحَ مساءَ!

 

ولطالما امتلأت بها شوارعُ قريتِنا وحقولُها، فلا نكاد نُفلِتُ من كلبٍ حتى يلحق بنا كلب آخر، والحقيقة أن اللائمةَ لا تقع على الكلاب وحدَها، فإننا نتحمَّل الجزء الأكبر منها، فلم نكن نتركها وشأنها تمضي أو تنام في سلام، وقد كنا نتسابق في جمع الأحجار من كل حدب وصوب، لا نبذلُ في ذلك جهدًا كبيرًا، فهي بطبيعة الحال تملأ شوارعنا، ثم نعكر صفوَ كلابنا التي كانت تشاطرنا الفقر والهزال، فلا تكاد تنام أو تأكلُ حتى تفاجأ بوابلٍ من أحجارنا تهرول أمامه هاربة إلى أطراف قريتنا البعيدة، حتى إذا انتهت ذخيرتنا الحجرية تنقلب الآية فنهرولُ هاربين يطارِدُنا النُّباح حتى عتبات ديارنا، ولا نكاد ننتهي حتى نبدأ من جديد.

 

وكم من مخالب وأنياب ما زالت آثارها في أرجلنا وظهورنا حتى الآن!

 

وكم من ضحايا لهذه الحروبِ الطاحنة عُولِجُوا ثم عادوا لصفوف الكتائب من جديد!

 

بيت واحد فقط لم تكن حملاتنا الحربية تجرؤ على الاقتراب منه، إنه بيت (عم كيلاني)، ذلك الرجل الذي عاشت كلابُنا في عهدِه عصرَها الذهبي، ونالت في رحابه من الكرم والأمان ما لا يصدِّقه سامع، إلا أنني رأيت ذلك بعيني.

 

أقصى ما كانت تحظى به قطةٌ من كرمِنا رأسُ سمكةٍ أو عظمة من دجاجة قد تتبعها قذفةُ نعلٍ إذا واصلت إلحاحها، أما الكلاب، فلم يكن لها في بيوتنا نصيب.

 

فأنا لا أذكر أننا أضفنا في بيتِنا كلبًا يومًا ما، فقد كانتِ الكلابُ تُطرَدُ دائمًا إذا اجترأت ووقفت على عتبة من عتباتنا، فلجأت كلابُنا مُرغمةً إلى السطو على حظائر الدجاج، واقتحام أكوام القمامة، والتهام ماشيتنا النافقة، نعم لجأ معظمها إلى هذه الطرق الصعبة للبقاء على وجه الحياة في قريتنا الجائعة، والبعض الآخر من الكلاب لجأ إلى دار (عم كيلاني)؛ حيث الحياةُ والأمان.

 

مَن منَّا كان يجرؤ أن يرفع حجرًا في وجه كلب من الكلاب التي كانت تتراصُّ في خمول وطمأنينة في ظل جدار الرجل الذي يملك ملاذَها ومأواها الوحيد.

 

لم يكن بالقوة التي تُرهِبُ أحدًا، ولكنه كان يملك قدرًا من الطيبة والسماحة، أجبرنا على احترامِه وحبه، لم يكن يرعى الكلابَ لحراسةِ منزله الفارهِ أو حدائقِه الغنَّاء، فهو لم يكن يملك من حطام الدنيا شيئًا.

 

لقد علمنا عمنا (كيلاني) أن الكرم غير مشروط بغنى، وأن الكريم يفيضُ على كل ما حوله من مخلوقات، كالنهر العذب الذي يشرب منه الإنسان والحيوان على وجهٍ سواءٍ.

 

لقد كان ما يُقدَّم لهذه الكلاب من الطعام بسيطًا، بل أقل من البسيط، قد لا يتعدى أحيانًا كسرات خبزٍ يفتُّها بيديه في الماء ثم يُقدِّمها لرعاياه في طبقِه الواسع الذي لا يكاد يفرغ، ولا يكاد يرتد عنه أحد أفراد رعيته خائبًا.

 

وعلى غير عادة الكلاب كانت تلتهمُ ما يُقدَّم لها من لقيمات في قناعة ورضا، ثم تشرب ما تبقى في الطبق من ماء لتملأ ما بقي في أمعائها من فراغ، ثم تعود لمكانها الآمن هناك في ظل الجدار لا تطارد أحدًا ولا تخاف من أحد.

 

كنتُ على صغر سنِّي أتعمَّدُ أن أُلقِيَ السلام على ذلك الرجل الذي علَّمَنا الكرم حتى في ردّه للسلام، فهو ما يكاد يسمع (السلام عليكم)، حتى يجيب في تواضعه المعهود: (وعليكم السلام يا عمي ورحمة الله وبركاته، تفضّل).

 

نعم، يقول لي ولغيري من الصغار: يا عمي، وهو في سن جدي أو يزيد!

 

لا أنسى أبدًا ذلك اليوم الذي جفَّ فيه طبق الكرم الواسع، وتجمعت النساء في ثيابهن السوداء حول الدار بين لاطمةٍ لخدٍّ وشاقَّة لثوب.

 

ووقفت الكلاب تَعْوِي من بعيدٍ!

 

فقد رحل راعيها في الأرض إلى راعيها في السماء!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة