• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

وتماطرت الدموع ( رسالة إلى أخي )

وتماطرت الدموع ( رسالة إلى أخي )
أحمد حمدي بن عبدالباقي


تاريخ الإضافة: 7/3/2013 ميلادي - 24/4/1434 هجري

الزيارات: 102678

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وتماطرت الدموع

(رسالة إلى أخي)


إليك أخي...

أكتبُ إليك في هذه اللَّيلة القرَّة، وقد انْتَشَر الظَّلام، وعَرِقتِ السَّماء، وكَثُرَ اللَّثَق، وخيَّمْتُ في هذا المكان، بعدما جَرَيتُ مع كلِّ ريح، ورأيتُ الأعاجيب، وعرفتُ السَّرَّاء والضَّرَّاء، واحْدَوْدَبَ قَلْبي من التَّجارب، وقيَّدني العجز، فكم مِن سِجْنٍ قد كابَدْتُه! وكم مِن عقل قد سَبَرْتُه، فعلمتُ مِن أسرار الصِّراع ما لم أكن أتخيَّل!

 

أكتبُ إليك بِيَد مُتَخَلِّجَة، وعين غارقة في الدموع، ما جرى معه بعد أنْ عزمتُ على إماطة اللِّثام عن قصته الَّتي تقطر دمًا وخيانةً؛ فقد رأيتُ بِعيْنَيَّ منه ما لم أرَه إلا فيه، ولا سمعتُ به في غيره!

 

وها أنا آخذُ في نَشْر ما جرى على وَجْهِه من طريق المَعْنى، وإن انْحرفتُ عن أعيان لَفْظِه؛ ذلك أنَّه لم يكن إملاءً ولا نَسْخًا، إنما العين وما رأت، وأجتهدُ أنْ أَلْزَم المراد باختصارٍ دون إخلال، فلو ذكرتُ كلَّ ما في النَّفس منه لطال الأمر وأَملَّ.

 

كان رجلاً ضَرْبًا، مُتَوقِّدًا، داهيةً، أَرِيبًا، سمحًا، فيَّاضًا، نزيه النَّفس، عفيف اللِّسان، محمودَ الشِّيم، خبرتُ مِن أمره الكثير.

 

لكن ...

كلُّ ذلك ذَهَبَ وبَادَ وامَّحَى!!

 

أَتْلَفَه إدمانٌ قد تَقَمَّمَه مِن هُلَّاك النَّاس وسُقَّاطهم، الذين تذاءبوا عليه، واختطفوه إلى طريق سحيق البعد، مكفوف بالظُّلمات والتِّيه، كريه المنظر، مما يهولك ويفزعك.

 

ثُمَّ تركوه حَطَبًا يابسًا لمن يستوقد!

 

كنتُ أَرِقُّ له وآسى عليه.

 

لكنَّه قد غَرَّقَ نفسه في دَهَارِيس قد جَلَبَت الشُّرور عليه من حيث يدري ولا يدري.

 

أسبابٌ تجمَّعتْ عليه، فَقَضْقَضَتْ أَوْصَالَه، وفَتَكَتْ به، مِن صَفَر اليد، وسُوء الحال، وعِشْقٍ أَحْرَقَ كبده، ثُمَّ حيرةٍ عَزَبَ معها عَقْلُه، وطَيْشٍ أَسْرَعَ به إلى متالف مهلكة.

 

ولولا هذه العوارض لما اغْبَرَّ وَجْهُ عقله، ولا عَلاه الشُّحوب، ولبَقِيَ على نضرته وبهجته.

 

وذات ليلة..

اسْتَفْحَلَ الأمر عليه، واشْتَدَّ هَوْلُه، لم يخطر بباله ولا جَال بفكره أن يصلَ إلى ما وصل إليه من عذابٍ وألم.

 

هَاجَ وارْتَعَدَ، لقد نَفِدَ ما كان يَتَقَمَّمه..

 

فإذا به مُسْرعًا قد جَمَعَ أطراف نفسه المبعثرة، وأَقْبَلَ يجُرُّ رِجْلَيْهِ على هذا المكان الحَرِج بالمكاره، المحفوف بالرَّزايا، الذي لم يفلح فيه أحد!

 

سَأَلَ عن صديق السَّمادِير: أين هو؟

 

فإذا بصوت يأتيه مصحوبًا بضحكات - يكره الأصمُّ سماعها لو سمع -: "لقد هَجَرَنا ورَحَلَ".

 

جَحَظَتْ عيناه، وبَكِمَ لِسانُه، وثَقُلتْ حركتُه، وأَحَسَّ أنَّه انْشَقَّ نصفين من هَوْل المفاجأة!

 

استَغرقَ في هذا دقيقةً أو أَشَفَّ قليلاً..

 

ثُم جاءه الملعون، وقال: أمعك ما تشتري به؟

 

فسَكَتَ سَكْتةً ظَنَنْتُ معها أنَّ أنفاسَه قد أبتْ عليه أنْ يتنفَّس بها!

 

فلما عَرَفَ الملعون حالَه لطَمَه على وجهه وقفاه، وقذف به في الطَّريق، ثُمَّ سأله: أَتَقْرَمُ إلى الزِّيادة؟ استهزاءً به واستخفافًا.

 

جُنَّ، واستغاثَ، وانْقَلَبَتْ حمَاليقُ عيْنيه، ثُمَّ سَقَطَ مَغْشيًّا عليه ..

 

وبعد بُرْهة..

إذا به يَعَضُّ بِنَابه، ويَخْمِشُ بظُفره، ويَرْكل برِجْله، ويُخَرِّقُ ما سَتَرَ عَوْرَتَه قِطعةً قِطعةً، ويَلْطِمُ وَجْهَه، ثُمَّ ضَرَبَ بنفسه الأرْضَ، وتَمَرَّغَ في التُّراب الذى ابْتلَّ بدموعه ودمه..

 

إنَّه في حالةٍ تُصيبُك بالهَيْضَة!!

 

قالَ في صوتٍ آسِفٍ - قد ثَقَبَ القلبَ، وأوْهَنَ الرُّوحَ، وجَابَ الصَّخرَ، وأَذَابَ الحدِيدَ-: "لقد أَطَعْتُ داعيةَ الشَّرِّ، وذَهَبْتُ مع سَانِح الوَهْم، فَصِرْتُ كهْفًا قد حُفِرَتْ فيه قبور موحشة، لا ترى فيها إلا الظلام!

 

دُمْية، الشَّأن كل الشَّأن لمن بيده خيوطها التي تحركها، لقد لجأتُ إلى غير مَلْجأ، وفزعتُ إلى غير مَفْزع، وكُبِّلتُ خلف جدران الوَهْم، لقد اغتررتُ بالسَّراب".

 

التَفَّتْ عليه فتنٌ لم تَدَع منه موضعًا إلا مَسَّته، ونَقَعَتْ فيه مِن شِدَّتها، حَلَقَتْ عمره حَلقًا، فتساقطتْ أيامه خَسِرة، لقد حَصَّتْ كلَّ شيء!

 

أتراني متواصل الأحزان، طويل السَّكْت، عزيز الكلام؟

 

أتريد أن ترى بقايا قلب، بل بقايا إنسان؟!


صار صورة قد استولتْ عليَّ، فأنْسَتني رَفَاغَة العيش، وطِيب الحياة.

 

صورة قد هَدَّتْ رُكني، وأمَرَّتْ عيشي، وأطالت لَيلِي، وشَرَّدَت النَّوم عن عيني، وملأتْ قلبي فزعًا من سوء الخاتمة.

 

وأكثر الذين لم يَغُورُوا في التَّجارب، ولا أَنْجَدُوا في الحقائق يَرَوْنَ أن العيش كلَّ العيش به وفيه!!

 

إنَّه قد خَلَبَ العقولَ، وخَلَسَ القلوبَ، وسَعَّرَ الصُّدورَ، وعَجَّلَ بِعُشَّاقِه إلى القبور..

 

يَصْخَبُون ويَلْغَطون، ولم يعلموا أنه يَسْرِقُكَ مِنْكَ ولا يَرُدُّك، يسلبُكَ إنسانيتك، ويُجَرِّدُكَ من الحياة.

 

فلا يَبْقى أحدٌ إلا ويَنْبِضُ عِرْقُه، ويَهَشُّ فؤادُه، ويقابِلُه بِمدْحةٍ إذا رآه! وكأنَّه قد لَقَطَ بأنامله النُّجوم!!

 

أحوال معروفة عند أهلها، فهم على جَدِيلةٍ لا تَخْطأ!

 

ولا يدري عاشقه أنَّه بهذا قد قَدَحَ في دينه، وأَلْصَقَ به الرِّيبة، واسْتَحَلَّ في عِرْضِهِ الغِيبة..

 

أخي..

لقد خططتُ لك هذا لتأتيَ ما تأتي عن بيِّنة، وتَدَعَ ما تدعُ عن خِبرة؛ إذ عرفت العِلل والأسباب، حتى كأنك مشاهد لها..

 

فإيَّاك وهذه الحياة التي تَسلب القلبَ إيمانه، وتملؤه وهمًا وإثمًا، وخداعًا وشهوةً..

 

إيَّاك أن تجعلَ نفسك عِظَةً لِغَيْرِك بعدما كان غَيْرُكَ عِظَةً لك..

 

وانتبه قبل أن تجد الذي تسمعه - ما تراه، وما تراه - تودُّ أنَّك لو سمعته قبل أن تراه..

 

ولولا علمي بضيق صَدْرك، وأنْ أكونَ سببًا لتلَف نفسك لذكرتُ ما يفيض دمعك منه..

 

فإنْ قلتَ: وما الدَّواء؟

قلتُ: ما لك إلا الله؛ ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135].

 

حفظك الله من شياطين الإنس، ومِن شَرِّ كلِّ ذي شَرٍّ، وأرْتَعَ قلبك بالعلم النافع، ووفَّقك للعمل به، وغفر لك ما أسلفتَ..





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة