• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

البرتقالة التي استوقفتني!!

حامد الإدريسي


تاريخ الإضافة: 21/2/2009 ميلادي - 26/2/1430 هجري

الزيارات: 7840

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
بعدما أخذتُ أنزع عنها لباسها الرقيق، وبعدما أخذتْ تُبْدي لي من لونِها المشرب ببياض ما أخذ بلبِّي، وجعلنِي أضْغط بأصابعي أكثر وأكثر؛ لكَيْ أنتهي بسرعة من مهمَّة عزْل هذا الغطاء الذي يبلُّ أناملي بِمائه البارد، وينعش أنفي برائحةٍ زكيَّة، وهو ينزاح برشاقةٍ ولطْف، وكأنَّه كساء حرير بطانتُه قطن، نظرتُ إلى شكلها المتراص، وحبَّاتِها المتآخية، وتأمَّلت عروقَها الرَّيَّانة، فبادرتُ إلى فصل شقَّيْها عن بعضِهما؛ لكي يخلص لي كل شق على حدة، ثم تسلَّطتُ عليْها أفرِّق بين حبَّاتها المنتظمة انتِظام الأنامل في اليد المجتمعة.

ما هذا الجمال؟! وما هذا الخَلْق العجيب؟! سبحانك ما خلقت هذا باطلاً!

وأنا أتذكَّر قول الشاعر:
                               
وَالقَلْبُ يَعْشَقُ قَبْلَ العَيْنِ أَحْيَانا
والذي أحرفه دائمًا بقولي:
                                
وَالعَيْنُ تَأْكُلُ قَبْلَ البَطْنِ أَحْيَانا
أصدرتُ أمري إلى أصبعين من أصابع يدي اليمين، وكلَّفت السبَّابة والإبْهام أن يتولَّيا تفْريق هذا الجمْع، وتشتيت هذا الشَّمل، وإرسال أوَّل قالب من قوالبها الثَّمانية إلى مثواه الأخير.

انتعشت شفتاي ببرْد وجفاف غطائِها الرقيق، الذي يُظهر أكثَرَ مِمَّا يُخْفي، ولم يكَدِ القالب يتجاوز الشَّفتين حتَّى أخذتا من لذَّته بنصيب، ونالَتا من جفافِه وبرودتِه ما حثَّهما على دفعه إلى اللسان الذي استلمه بِحنان الأم حين تستلم رضيعها، وحمله برفْق ليحيله إلى أضراس لا تشاطره نفس الحنان.

لم تطق الأضراس انتِظارًا، فبادرت إلى عصر ما بداخل هذا الجسم اللطيف، ونالَها من لذَّة الضغط ما نالَها، والويل لمن ينكر لذَّة الضغط هذه، إلا إن كان من أصحاب الأضراس الاصطِناعية، فليس عليْه في إنكاره هذه اللذَّة ملام.

حين سال ذلك العصير الطيِّب، الذي تساوت حلاوته بحموضته، فلم تطغَ الحلاوة على الحموضة، ولا استأثرت الحموضة بنصيب الحلاوة من اللسان، بل تَمازجتا وتعادلتا حتَّى انسابتا إلى الحلقوم، فملأتا الفمَ طراوة ونداوة، وأدْخَلتا على النَّفس من السُّرور والبهْجة، وعلى المعِدة من الرِّضا والغبطة ما لا يُدْرِكه إلا من منَّ عليه الله - سبحانه - بِمثل ما منّ عليَّ، وحباه ببرتقالة من أرض المغرب.

نعم، إنَّني أسْحَبُ كلامي هذا وأنزِّه عنه كلَّ البرتقال إلا برتقال بلدي الحبيب، فهو شيء لا يعرفه إلا مَن ذاقه، وذاق غيره من برتقال البلدان الأخرى، الذي تُنْتَزع منه قشرته انتزاعًا، ولا تفارقه إلا بالسكين، وإلا بإصرار الآكل وإلحاحه، ولا تُغادر القشرة برتقالتها إلا وقد أبقتْ فيها من البقايا ما يُتْعِب الآكل، ويجعله يمرر سكينته الحادة مرَّات ومرَّات قبل أن يقتنع بأنَّ البرتقالة أصبحت صالحة للأكل.

فإذا ما نظر إليْها رأى شحوبًا وانكِماشًا يحكي شحوب الجوِّ الذي نشأت فيه، حتَّى إذا ما أغمض عينَه ورماها في فمه رميًا، تقبَّلها الفم وهو في ترقُّب وتوجُّس من طبيعة الماء الذي سيخرج منها، فهو يستعدُّ لحموضة طاغية أو للذْعٍ مفاجئ، فإذا ما مضغها قطَّب جبينه، وشدَّ شفتيه، واعتراه شيء من الكمد والقلق، وكأنه رأى فزعًا، أو شكا ألمًا، فيبحث بعدها عن تفاحة يوازِن بها تلك الحموضة، أو موزة ينسَى بها تجربته المرَّة.

فسبحان مَن خلق هذه وتلك! وسبحان مَن فارق بينهما وهما شيء واحد!

أيًّا كانت البرتقالة التي بين يديْك، حلوة أو حامضة، فاعلم أنَّ الله - سبحانه - هو الذي أنبت زرْعَها، وأحكم صنعها، وأتْقَن تغليفَها، ومدَّها بعروق تغذِّيها وتحفظُها، وملأها بالحياة وشحنها بالطَّاقة، وسهَّل هضمها، وجمَّل شكلها، حتى تأكُلها هنيئًا مريئًا، أفلا يستحقُّ منك الحمد والشكر على كل هذا الجمال؟!




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
5- سبحان الخالق
شبل السنة المغربى - المغرب 05-03-2009 05:59 PM
بسم الله الرحمان الرحيم

مقال رائع بلاغة في الوصف والبيان

وعندما تتأمل أسطر هذا المقال يظهر لك وكأنك تشارك الكاتب في الأكل البرتقالة

وخاصة البرتقالة من أرض المغرب الحبيب

جزاكم الله خيرا أخونا الفاضل حامد ولاتبخل علينا بالمزيد

وفقكم الله لنشر الخير
4- شكرا لله
ليلى ادريسي - المغرب 05-03-2009 02:54 PM
بسم الله الرحمان
(فبأي حديث بعد الله وآياته يومنون)

وصف رائع واسلوب مانع جامع

لذات الدنيا لاتقاس أمام ما ادخره الله لعباده المؤمنين في الجنة
سدد الله خطاك ولدي
3- جميل
علي غي - السعودية 05-03-2009 02:35 PM
ما شاء الله جزاك الله خيرا على هذا المقال الرائع واللطيف، والحس الأدبي المرهف، والخيال الخصب.
اللهم إنا نسألك نعيما لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع
2- ماشاء الله
نسيم - السعودية 27-02-2009 03:50 AM
مقال رائع في الوصف والدقة التصويرية
ما يدهش القاريء ويمتعه ويذكره بنعمة عظيمة تستحق الوقوف عندها


ذقتها ..فكيف ببرتقال الجنة؟
فياكل من مر من هنا ..
دعواتكم لنا بنعيم الفردوس حيث لاوصب ولانصب
1- ابتسامة
محمود سفور - الكويت 23-02-2009 08:41 AM
مقال لطيف ينبئ عن كاتب ظريف بورك فيك
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة