• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

وداعًا صديقة عمري

بدر الحسين


تاريخ الإضافة: 9/2/2009 ميلادي - 14/2/1430 هجري

الزيارات: 18385

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
أمي الحبيبة، يا أيتها الغالية:
اشتقتُ إليكِ كثيرًا.

اشتقتُ لرؤيتكِ، لوقع خطواتكِ الوقور التي تملأ الدار أُنْسًا، لسماع صوتك النَّدِي، الذي يلون دنيانا بالفَرَح والأمان.
لَكَمْ أنا مشتاقٌ للون الحنَّاء في يديكِ، والكحل في عينيكِ، والضفائر الشَّقراء التي تختبئ تحت شالك المنسوج من خيوط الطُّهْر.
اشتقتُ إليكِ - يا حبيبتي - اشتياقَ الظامئ لقطرة الماء، واشتياق البلبل الحبيس لأفق السماء، واشتياق الفطيم للرضاع.

يا الله، كم كنتُ أسعد عندما كنتُ أضع رأسي بين يديك، وأنت ترفعينَ شعري الكثيف عن جبيني بأناملك الحنونة، ثم تُمَررينها بين خصلات شعري.
كنتُ أنظر في عينيكِ فأرى الحقيقة، حقيقة المحبَّة، والتضحية، والإخلاص.
أقرأ في عينيكِ يا أمي قصائد تعجز السطور عن حملها، والحروف عن نَسجها، والفضاء الرحب عن احتوائها.

اشتقتُ لسماع صوتك الدافئ الهامس، بتُّ أتخيله، وأتخيَّل أنَّك تنادينني وأنا أجيب، ما أعذبَ صوتَك يا أمي! ما أنبله! ما أغلاه! ما أقربه!
صوتك يا أمي يملؤني بالأمل، يزرع في نفسي وُرُودًا تنشر عبير الطمأنينة الشذي في أرجاء جسدي المُحبّ.
صوتكِ يا أمي معزوفة الفرح على أوتار القلب العاشق، وقافية الحنين الصَّادقة في قصائد المحبِّين.

آه يا أمي، ما أجملَ تلك الأيامَ، عندما كنَّا نلتف حولك كالفراشات حول الغصن المزهر! كنتِ تحكين لنا الحكاياتِ المسلِّيةَ في ليالي الشتاء الطويلة، كنا ننصتُ إليكِ بمحبة، وأنت تَتَحَدَّثين عن طفولة كلِّ واحد منَّا، وعن عبثنا المحبب، ومواقفنا المُضْحكة.

أمي، يا أغلى من رُوحي التي بين جنبي، وأغلى من فَلَذات كبدي، وأحلى في نظري من كلِّ شيء.

أمي الحبيبة:
شريط الذِّكريات الجميل يمرُّ أمام ناظري، وكلَّما حاولتُ أن أوقفه لأتأمَّل وجهك الجميل، وحديثك الرقيق، أفلت منِّي، أتابع الشريط فأراكِ جالسةً على مقربة من سفرة الطعام، تسخنين لنا الخبز على المدفأة، ولا تأكلين حتى نشبعَ جميعًا، وعندما نقول لك: كلي معنا يا أمي، كنتِ تقولين بكل نُبل: كلوا، لا عليكم منِّي، مائة صحة يا روحي.

لَكَم كنتُ أشعر بالفرح عندما يزورني أصدقائي، فتبادرينهم بالسلام، والسؤال عن أهاليهم، ثم تُحَضِّرين لنا الضيافة والطعام!
كان أصدقائي يهنِّئونني، ويقولون: ما أطيبَ أمَّك! وما أروعها!
سلَّم الله روحك يا أمي، وجَعَلَها في عِلِّيين، تُرَفْرف كحمامة بيضاء في سماء الجنَّة.

عندما كنتُ أُسافر إلى الجامعة، كنت ألْمَح الدُّموع في عينيكِ، كنت تضعينَ لي في الحقيبة ما لذَّ وطاب، رغم قلَّة ذات اليد، وعندما أعود منَ الجامعة في نهاية الأسبوع، كنت تنتظرينني عند موقف سيارات القرية، وعندما أدخل إلى البيت تعدِّين لي الطعام اللذيذ، ولَكَم كنتُ أفرح عندما كنت تخبِّئين لي صحنًا مِنَ الأكلات التي أحبُّها!

ومرَّت الأيام يا أمي وافْترقنا، فبتُّ أقضي معظم شهور السنة بعيدًا عنك، كنتُ أتَّصل بك فتغصّين بالبكاء، كنتِ تقولين لي دائمًا: كفى غربةً يا بنيَّ، تعالَ وعِش بيننا لنراكَ، ورَحِم الله الشاعر الذي قال:
تَمَتَّعْ  مِنْ  حَبِيبِكَ  كُلَّ  يَوْمٍ        فَلاَ تَدْرِي الْفِرَاقُ مَتَى يَكُونَ
ليتني سمعتُ كلامكِ يا أمي، ولكن لا أحد يعلم الغيب.

صديقة عمري:
يشهد الله يا أمي أنَّني أقدِّر كل صديقاتك، أفكِّر في دعوتهنَّ إلى منزلي، عندما أرى واحدة منهنَّ يخفق قلبي خفقاتٍ سريعةً، كأنَّه رآكِ أنتِ، أودُّ أن أقبِّل رأسَ كلِّ أمٍّ؛ إكرامًا لكِ.

صديقة عمري:
رحلتِ، ولكن لوحة خيالي تزدحم بذكراكِ، فتعيشين بيننا، وتسافرين معنا، وتصومين معنا، وتفطرين معنا.

أبنائي يحفظون كلماتِكِ الأصيلةَ، وأمثالَك المعبِّرة، ودعواتِك التي كنتِ ترددينها عندما تستيقظين قبل الفجر.. يا لَها من دعوات جميلة! وأُبَشِّرُك يا أمي أنني أحفظها، وأرددها كلَّما استيقظتُ في الصباح:
اللهم أصبحنا على بابك، وليس على باب طلابك.
اللهم سترتَ على ما مضى، فاسْتُر على ما بقي.
اللهم كَفَيْتنا من خيرك، لا تحوجْنا لغيرك.
اللهم يا رب البيت، برحمتك احتَمَيْت.

أصبحتِ المقبرة في نظري مكان أُنس بعدما سكنتِها، وكلما ذهبتُ لزيارتك قبَّلت الثرى الذي يحوي جسدك الطاهر، ودعوت الله لكِ، ولكل موتى المسلمين بالمغفرة.

هل تسمعين صوتي عندما أجلس على ضفَّة مثواك المبارَك، وأدعو الله لك بالمغفرة والرحمة،  وأحدِّثك عن غربتي وعن أبنائي؟

هل تذكرين يوم حدَّثتك عن نجاح ابنتي غالية في الصف الثاني، وطلوع أسنان محمد، وسلامة تميم من الحادث الذي تعرَّض له؟

لا أزال أحتفظ بسبحتك الجميلة، التي أحسُّ في كل حبة من حباتها بدفْء أصابعك، وصدى صوتك، وعندما قالوا لي: ضع هذه الأغراض بعيدًا عنكَ؛ كي تنسى أمك. فقلتُ: ومَن قال لكم: إنني أريد أن أنسى أمي؟!

لن أنساكِ يا أمي، سأظل أذكرك ما كرَّ الجديدان، وما غرَّدت البلابل على الأفنان، رحمك الله يا أمي، وجعل مثواك الجنة، وجمعنا بكِ في مستقرِّ رحمته في الجنان.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
21- رحمك الله أم بدر
د. ياسر سقيرم - السعودية 23-04-2012 02:36 PM

رحم الله أمنا أم بدر وأودع روحها الفردوس وجمعها وبنيها البررة بها, أخي صاحب الكلمة الحنون مددت إلينا بصدق كلماتك حزناً نبيلاً أطلق فينا العنان لزفرات حرّى ودموعاً جزلى حبستها القسوة وغلفتها الغفلة فلك منا الثناء ولأمك منا أصدق الدعاء في أوقات نرجو فيها الإجابة ولن يزال برك بها فيك ما طرفت لك عين فالله الله في الدعاء.

20- أمك أمنا
د. حسان الطيان - الكويت 23-04-2012 12:58 PM

بدر أنت يا بدر
وحسن بل رائع كل ما تخط يداك
فقد رأيت في أمك أمي
وتبدى من خلال كلماتك العذبة
حنوها وحدبها
ونبلها وأصالتها
ودعتها ورضاها
ودعاؤها وحنينها
أسأل الله سبحانه
أن يرحمها ويزيد في إحسانه إليها
وان يجعلنا وإياك راضين مرضيين
وأرجوك أرجوك أن تدعو لأمي عساني أراها
وأسألها الدعاء لك ولأمك أعلى الله مقامها
ولك مني خالص الود والتقدير

19- شكر وتقدير
د سميرة صندوفة - السعودية 23-04-2012 12:57 PM

لقد هزتني كلماتك ولم لا وهي تمس شغاف القلب لاحن وأفضل شخصية وأروع قلب ألا وهي الأم

رحمها الله وأسكنها فسيح جناته وغفر لها فلقد أنجبت الشخصيات الرائعة ربت على الأخلاق والفضيلة فلذة كبدها ... فليست هي ذكرى عابرة بل هي مغروسة باليقين مغروسة بالكيان مثبته على جدار القلب وفي الوجدان

فما أروع الكلمات وأنت تصوغها حتى أذابت كل الحواجز وكأن أمهاتنا معنا الآن رحمهم الله جميعا هي أنجبت ابنا بارا يذكرها ويتذكرها بالخير فلا حرمك الله بر أبنائك

ذكراهم كلما بزغ النور بفجر جديد نبتهل إلى الله لهم بالدعاء وكلما هم السحر بالميلاد ندعو لهم بالمغفرة ......

إبداعك أين ما كنت استاذ بدر وأينما حللت

كل التحية

18- ....
alukah - BGD 03-08-2010 08:23 PM

غفر الله لها وأسكنها الفردوس

17- بارك الله فيكم
بدر الحسين - سوريا 09-05-2009 08:24 AM

أحبتي الفضلاء
الأستاذ بهاء الجمعة والأخ سامر الإبراهيم والأخ محمد الكلباني
جزاكم الله خيرا
وغفر الله لموتاكم
وأسكنهم جنات الفردوس

16- ايقظت القلوب المتحجره
محمد الكلباني - سلطنة عمان 26-04-2009 10:29 AM

اخي الحبيب ابا تميم والله لقد ابدعت في ايقاظ القلوب الغلف فقد ابكيت قلبي قبل مقلتي اسأل الله ان يجعل ما كتبت في ميزان حسناتك‘ كما اسأله سبحانه ان يتغمد والدتك بواسع رحمته وان يجلها في اعلى عليَين وأن يلهمكم الصبر والسلوان انه ولي ذلك والقادر عليه وانا لله وانا اليه راجعون .

15- تعزية من القلب
سامر غازي الابراهيم - ايطاليا+جزيرة سردينيا 16-04-2009 11:22 PM
عزائي اليك اخي ابو تميم من القلب وعظم الله اجركم وجعل مثوا الخالة ام احمد في جنان الخلد
14- رحمك الله ايتها الحنون
بهاء الدين الجمعة - سوريا 13-04-2009 08:31 PM
عزيزي الا ستاذ بدر ان هذا الوصف لامنا وجدتنا ام احمد رحمها الله واسكنها فسيح الجنان
قد ابكى احد اصدقائي وهو يقرأ هذة الكلمات الجميلة والنابعة من قلب الابن البار
التي تصف تلك الام البارة والمكافحة والمربية المثالية
فيكف سيكون شعور من عرفها عن قرب وعرف حنانها وطيبة قلبها وان لست أهلاً للكلام عن تلك الام الفاضلة للأني لأن أستطيع ان اعطيها حقه بالوصف
ولك من احر التعازي يذكرى رحيل هذه الشمعة............!!!؟؟؟؟
رحمها الله واسكنها الفردوس الاعلى
13- شكر وتقدير
بدر الحسين - سوريا 04-04-2009 07:59 PM

الأخ الفاضل الأستاذ علاء الجمعة
الأخت الفاضلة الأستاذة أروى الغلاييني
شكرا لكما على تعزيتكما وأسأل الله أن يوفقكما ويغفر لموتاكما
ودمتما مسددين موفقين

12- لاجف مداد قلمك
أروى الغلاييني 03-04-2009 08:45 AM
أسطر وكلمات مؤثرة جدا ........... صادقة ...

رحم الله الوالدة وأسكنها فسيح جناته .............
و رزقك بر أولادك .............

يهون الفقد حينما نعلم أننا في هذه الدنيا كالأغراب نستظل بظل شجرة ..
وإنا إلى الله عائدون
نرجو رحمته بأن يجمعنا في جنانه على سرر متقابلين ....
1 2 3 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة