• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

من يوميات ابن المعتز: يوم وبعض يوم

مصطفى بن عمور


تاريخ الإضافة: 25/12/2012 ميلادي - 11/2/1434 هجري

الزيارات: 4986

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من يوميات ابن المعتز: يوم وبعض يوم


1- بعض اليوم الأول:

استرخى على الكرسيِّ الوثير، شاعرًا بتنعُّم لذيذ، وبقَشُعْرِيرة الفرح التي سرَت مِن أعماقه، وتماوَجتْ في تفاصيل جلده، مدَّ يدَيه فوق ذراعَي الكرسي الذهبيَّين، أحسَّ ببُرودة الذهب تتسلَّل إلى مسام جِلده وتُوقظ فيه مشاعر ذاتَ ألوان وأخيِلة شتّى، يَركُض بعضها في أثر بعض، تنهَّد بعُمق: "الآن، الآن أترك شَهوة الشِّعر، وفراغ الشِّعر وأوهامه، الآن أنا مَلِك، خليفة، كان عِندي لسان، أما الآن فلسانٌ وسيف، آه، شعور رائع أن تَجلس على كرسيِّ المُلْك وتتمركَز في نُواة السُّلطة، وتَنظُر مِن عَلُ، وبدل أن تتلاعب بي الكلمات فأنا الآن أتحكَّم في الكلمات، أُلجِمها، وأصوغها، وأُطلِقها كالسهام، وإن شئتُ، أجعلها ريشَ نَعام، الآن لن يعود لكلماتي وجه واحد، ستُصبح ذات وجوه مُتعدِّدة؛ مُبتسمة كالرضا، عابسة كالغضب، تُفرح وتُرهب، رحم الله زمن الشعر، رحم الله زمن الشعر".

 

استفاق على صوت الحاجب القوي: حضَر الشعراء يا أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، أشار بيده إعلانًا للسماح بدخولهم، شَعر بزهوٍ عجيب، بالأمس القريب كان في عالَمِهم، واليوم هو خارج عالَمِهم، صار يَحكمه، يضعه في قبضته.

 

دخَل الشعراء، حيَّوْه بتحية المُلكِ والخِلافة، قالت له نفسه: "كان بينَنا نسَبٌ بالأمس، قطعه المُلْك اليوم"، حيَّاهم بإيماءة مِن رأسه، ثم أَذِن لهم بإلقاء الشِّعر.

 

تبارَوا بينهم في المدائح العجيبة، ركضت الكلمات مِن شفاههم، استعارات وتشبيهات ومجازات، وألوان مِن البديع والبَيان، بينما كان هو يُمارس نقدًا داخليًّا لكل كلمة وجملة، لكل معنًى ولفظ، يَطرب أحيانًا ولا يُبالي أخرى، " بينك وبينهم نسَب، قطعَه الملْك.

 

حينما أنهَوا مدائحهم أمر لهم بعطايا مُتساوية، قالت نفسه: فالمديح كله قصيدة واحدة، باعِثُها الكذب والنفاق أو الصدق والإخلاص، وهي أمور باطنة لا يَعلمها إلا الله وحده، إذًا لماذا يُفاضِل في العَطايا، انتبَه إلى نفسه قائلاً: هذا حكم ليس مِن معايير الشعر والخيال؛ وإنما من مقاييس السياسة والسلطان، وهو الآن ليس بشاعر؛ وإنما مَلِك.

 

فجأة، انتابه إحساس غريب ولمعَت في ذهنه فكرة عجيبة: نعم، نعم، يا للعجب! لقد مدحوني في شِعرهم كلِّه كمَلِك، كسلطان، كصاحب حكم وقوة وصَولَجان، ولم يمدَحْني أحدهم على أني شاعر، ولو تلميحًا، أو توريةً ولو على سبيل الذِّكرى، المُلك عندهم أحق بالمديح مِن الشعر، سلطان اليوم أحقُّ بالمدائح مِن شاعر الأمس، أرأيتَ كيف قطعوا نسبَك هم أيضًا، أرأيت؟!

 

2- اليوم الثاني وليلَتُه:

استيقظ عند الضحى، أفطرَ على مائدة ملكيَّة دسمة، كانت بعض أبيات مِن الشعر تتقافَزُ إلى ذاكرته، فيُلجم هياجها بسرعة، يُعيدها إلى أعماقه، كأنه يَشعُر بها تتلوّى وتُمانع، يُودعها وداعًا إجباريًّا، تحرَّك نحو قاعة العَرْش، انحَنى له الحاجب والوُزراء، سارَ كطاووس مُزركشًا نحو الكُرسيِّ، لمعانُ ذهبِه يُذكِّره بلمعان كلماته ومَعانيه حين كان يَغيب في فضاء الشِّعر، ويَفنى في غمراته الهائمة، تمكَّن مِن جِلسته فوق الكُرسيِّ، مدَّ يدَيه فوق ذراعَي الكُرسيِّ، لا زالت برودتهما اللذيذة تَسري في راحتَيه، أَذِنَ للوزراء بالجلوس، والحديث، قال أحدهم: الجند يا مولاي؟ قال مُستعلِمًا: ما بالُهم؟! قال الوزير: يُريدون أُعطياتهم ورواتبهم، قال مُبتسمًا بتعجُّب: أعطوهم حقوقهم؛ ماذا تَنتظرون؟! قال وزير آخَر بأسف: بيت المال يا مولاي، إنه مُفرَغ عن آخِره إلا مِن حِفنة دنانير لا تُغني ولا تُسمِن، اهتزَّ قلب الشاعر في أحشائه، وانكمشَ قلب السلطان، شعر بغمامة كثيفة تُظلِّل نفسه، كلَيْلٍ أرخى سدولَه، لم يَترك لمعنى البيت أن يُكمل هَمسَه، صاح بقوة ليَسترجِع قلب السلطان مِن جديد: فتِّشوا عن موارِد لجمع المال للجند، افعلوا ما بوسعكم، هذه والله حماقة كُبرى لا تَخطر حتى على بال الغُواة مِن الشعراء، سلطان على بيت مال مُفرَغ! هذه مهزلة، قوموا عن مجلسي الآن هيَّا، لا تَجتمِعوا لديَّ إلا وهذه المُعضِلة قد حُلت عقدتُها، هيَّا!

 

ظلَّ داخلُه يَنتفض غضبًا وأسفًا، لم يعد الشِّعر يُسعفه، ولو ببيت أو معنى يَحتوي غضبه، لم يعد السلطان فيه يُمدُّه بقوته، أحس بضياع مُفاجئ، انهالت عليه صورة جدِّه وأبيه، لوَّحَ بيدَيه كأنه يدفع عنه خيالهما المُفجِع، اتَّجه بسرعة واضطراب نحو مَخدَعِه، أحسَّ برأسه يدور، ويَهتزُّ، تمدَّد على الفراش الوثير ووضع رأسه على وسادة حريرية مُزركشَة، وغاب في لجَّة نوم عميق.

 

3- نهاية اليوم الثاني:

أحسَّ فجأة بأنفاسه تتضايق، كغريق يغالب أمواج بحر عاتية، والألم يَعتصِر عنُقَه الغضَّ الليِّن، فتح عينيه بصعوبة كأنه يُقاوم ظلامًا حالكًا، التقطَت باصرته صُوَر رؤوس عليها خُوَذ، وسيوف تلمع، لعلَّها أسنَّة، اختلطت عليه الرؤية، مد يدَيه نحو مصدر الألم، حبل حريري يَلتفُّ حول عنُقِه تشدُّه يد صُلبة عنيدة عند القفا، شعر بما حوله يتداعى، أبيات شعره مرَّت كقافلة ممتدَّة كأنها بيت واحد، لا قافية له، ولا رَوِيَّ.

 

قبل أن تميل عنقه نحو صدره صاح من أعماقه: يا ليت زمن الشعر يعود، يا ليت زمن الشعر...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة