• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

كل يغدو (قصة)

كل يغدو
ناصر الحلواني


تاريخ الإضافة: 6/12/2012 ميلادي - 22/1/1434 هجري

الزيارات: 5727

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كل يغدو[1]


عابرًا، يجوز بَيْدَاء سادرةً في تِيهها، مبسوطة الأنحاء، لا يُحيط بها البصر، وليس في صدره من يقين، إلا متابعة الخَطْوِ، ولا سبيل، وإنما سُبُلٌ، تتكاثر بقدر التفاتاتِه، وتتوالى بقدر خفَقات الوَجَلِ اللاهيَّة في قلبه، يتردَّد صدى نبضِه، كدمدمة صلدة تتخبَّط بجدران يَكتنِفها الخَوَاءُ.

 

تصبُّ الشمس الفائرة أُوارها على جَفاف جُفونه، فتثقُلُ مُنهبِطَة، وتَجفُل عيناه عن تبصُّر طريقها، وتَهرُب إلى عتمَةِ إغماضها، يُلاحقها الوهج الطاغي، كستار يَنسَدِل بين الرؤية والمرائي، لا يَمنع عن أحداقها السعير المَصبوب مِن علُ.

 

وتَمضي الأقدام العمياء وحدها، لا تقودها إلا شهوة خوض المفازة.

 

تُناضِل جفونُه في لحظات الوهم بالظلِّ، فتَنفرِج بقدر ما تَسوطها شعرَة لهيب يَنهمِر مِن السماء، فيرتطم بجنبات الحبات الرمليَّة المَصقولة، فيرتدّ صاعدًا إلى وجهِه.

 

وفي البُعدِ، يَلمح بحرًا ممدودًا، يملأ الشق المُتاح بين جفنَيه، ترتسِم في ناظرَيه لمعَة أمواج تترقرَق، تتواتَر مثل سحابات مِن بخار شفيف، فتتصارع في نفسه آمال الرِيِّ وسرابات البِيدِ الغاوية، وبثقل وهنِه يَشرع في تجربة خوض اللجة البادية.

 

يَعمِد إلى سقائه نشوانَ، وإلى ما بقي مِن حميم مائه، يَسكبه جميعه في جوفه.

 

ويطلب البحر، وإليه يُهرَعُ، غير عابئ بمعارفه عن يقين الوهْم وتواريخ السراب، مخمورًا بنَشوة الحُلْم، وخرافة الفوز باجتياز المتاهة.

 

ويَغيب نهار المارِق إلى حتفه، وتَنكشِف البرية عن صباح جديد، وتَنفتِح المتاهة عن عابر آخَر، يَقرُّ في قلبه ألا سبيل إلى اجتياز المفازة إلا اتباع دليل السماء، فيترك ظلَّه خلفَه، ويستقيم على سبيله، فتخايله غوايات الفيافي، وتتعرَّض له بسَرابها المُخايل، فتجعل له بحرًا، يتهيأ له بأمواج مِن صهد متلاطِم، كوهمٍ ليِّنٍ يَغشى حقيقة رملية صُلبة، فيوقِن بالخديعة، ويوقِن أن ما يراه مُنطرِحًا في اللجَّة الموهومة هو جسد مَسكون بالموت، يراه طافيًا بين فراغ تَهدر فيه الريح، وبين رمال تبعث أحياءها الخبيئة لتهنأ بصيدها الجديد.

 

يعجب، كيف لجسد أن يَغرَق في سراب؟!


ينظر في معارفه، ويَصرف عينَيه عن غير سبيله.

 

يتناول سقاءه، يَرشف رشفةً مِن مائه العذب، يُبلِّل بها شفتيه ولسانه، ثم يُحكم إغلاقه، ويَقصد إلى الخروج مِن التيه المنصوب مِن حوله، يَنغمِر في سطوة البحر المتلاشي تحت خطواته، يمرُّ بما بقي مِن أجساد غَرقت في غيِّها، تتناثَر أحلامها الهشَّة من حولها، فيما تَنهشُها الرمال المائجة بجَفافها المسنون.



[1] قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها))؛ رواه مسلم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- نعم القص بفصيح اللفظ وبليغ الصورة.
هارون غزي المحامي. - مصر 08-08-2014 05:38 AM

نعم الشرح الفصيح للحديث الشريف. وأعترف أنني رجعت للمعجم لألم بالصور وأتمعن الأوصاف.
ذكرني النص بقول العقاد-ما معناه- فليرتفع القارئ إلى مستوى ما أكتبه.دام أستاذنا الكاتب مبدعا فصيحا ذا وجهة إسلامية نبتغيها .

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة