• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

الفرحة العظمى (قصة)

الفرحة العظمى
الحسين جنوي


تاريخ الإضافة: 30/9/2012 ميلادي - 14/11/1433 هجري

الزيارات: 10205

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الفرحة العظمى


اندسَّ تحت فراشه الوَثِير بلونه الفيروزي، بعد أن طبعتْ أمه الحنون قُبْلَة على خده الأيمن، وطبع والده أخرى على خده الأيسر، وأوصياه بقراءة آية الكرسي؛ حتى لا يقربه شيطان.

 

ولكن لم يَنَم كما عاهَدَ والديه، بل بَقِي يتأمَّل غرفته الجميلة الهادئة، فقد حَرَص والداه على أن تكون ملاذًا له ومجالاً رحبًا للعِبِه ومراجعته لدروسه، وأن تغنيه عن الشارع، وما فيه من فساد وفجور.

 

بدأ يتأمَّل سقف الغرفة الجميل، الذي كلَّف والده مبلغًا لا يُستَهان به، فقد أتى بفنَّان تشكيلي محترف، حوَّل سقف الغرفة إلى سماءٍ بليل جميل ونجوم تتلألأ، حتى إن النائم تحته يظن أنه تحت سماءٍ ذات أبراج، التفتَ عن يمينه فوجد دُمْيَته الوردية تُحَملِق فيه بنظرات جميلة وهادئة، وابتسامة مُشرِقة، وأمام السرير مكتبته المزوَّدة بكل أنواع القصص الخيالية والموسوعات العلمية والأدبية، وبجانبها مكتبته الصوتية المزوَّدة بكل الأناشيد المرئية والمسموعة، التي تُدخِل في نفسه السرورَ والحبور.

 

وفي خضم تأمله للغرفة ومحتوياتها أحسَّ بضيق شديد، سببه أنه لم يَعُد يشعر بتلك الفرحة التي شعر بها يوم أن دخل الغرفة لأول مرة، وبدأتْ فرحته تختفي شيئًا فشيئًا، كأنه يسرق بدون أن يشعر بمن سرقه، ظنَّ أن إعادة تأمله الغرفة سيُعِيد تلك الفرحةَ الأولى لقلبه، ولكن باءتْ محاولاته بالفشل، وما زاد من تعاسته أن كل أثاث الغرفة جميل، ولكنه لم يَعُد يُدخِل الفرحَ إلى نفسه.

 

في الصباح الباكر - وهو على مائدة الإفطار - قرَّر أن يبوح لوالديه بما في نفسه، فقد عوَّداه على ذلك، فسأل والده بدون مقدمات:

• أبي، لماذا لم أَعُد أشعر بالفرحة كلما دخلت غرفتي، كما كنت في الأيام الأولى؟

•• هذا أمر طبيعي يا بُنَي، فلا يُمكِن أن تشعر بنفس المشاعر اتجاه أي شيء مع مرور الوقت.

 

• لم أفهم قصدك؟

•• إن مدة تلذذنا بأي شيء يكون للحظات فقط، ثم يختفي الشعور باللذة.

 

• ولكنني أريد أن أشعر بالفرحة، كلما دخلت غرفتي.

•• هذا مستحيل يا بُنَي، يمكن أن أشتري لك كل ما تحب، ولكن لا يمكنني أن أشتري لك الفرح.

 

• ولكن أليس من حل؟ فقد غَدَتْ الغرفة مصدر تعاستي، بعد أن كانت مصدر فرحتي؛ فقد تعوَّدتْ عيني على كلِّ شيء فيها، لم تَعُدْ تشعرني بالفرح.

•• هذا يتطلَّب تغيير أثاث الغرفة، وهذا أيضًا لا ينفع؛ لأنك بعد مدة ستشعر بما تشعر به الآن.

• إذًا ما العمل؟

 

كانت الأم تستمع للحوار الدائر بينهما، دون أن تبوح بكلمة؛ لأن الأمر كان صعبًا للغاية، خصوصًا وهي ترى طفلها شلال أسئلة لا تنقطع.

 

ساد الصمت للحظات، كأنهم في قاعة الانتظار، لم يكسر جدارَ الصمت إلا صوتُ الأب الذي خاطب ابنه قائلاً: غدًا - إن شاء الله - سأصحبك في نزهة جميلة، ولكن عليك أن تستيقظ باكرًا؛ لأننا سنغادر المنزل بعد صلاة الصبح مباشرة.

 

لم يُبْدِ الابن كبير اهتمام لكلام والده، فقد انتابه شعور بأن والده يحاول أن يدخل عليه السرور بأي شكل من الأشكال.

 

الأم بدورها اندهشت من سماع الخبر، ولكنها لم تكن تستطيع فعل أي شيء أمام الحالة التي كان عليها فلذة كبدها.

 

في اليوم التالي، بعد صلاة الصبح مباشرة اتَّجه الأب مع ابنه سيرًا على الأقدام نحو محطة الركاب، لم يسأل الابن عن وجهتهما، وكذلك لم يقدم الأب أي تفاصيل أو توضيحات عن الرحلة، بل سارا معًا في الطريق صامتين، كأنهما يسيران نحو المجهول.

 

أحسَّ الطفل بانتعاشة مريحة وهو يستنشق نسيم الصباح العليل، وما أعجبه كثيرًا وأدخل السرورَ عليه لحظاتُ تنفس الصبح، ولكن ما كدَّر عليه فرحتَه هو منظر طفل صغير في نفس سنِّه نائم بجانب سور المحطة في العَرَاء، يفترش عُلَب الكارتون، ويتوسَّد يديه، ويَلتَحِف الفضاء، كان منطويًا على نفسه كدودة خائفة، أو ككلب متشرد يحتمي بعض جسمه ببعض.

 

نظر إلى والده كأنه يريد أن يُبْدِي له حزنه على ذلك الطفل المتشرد، وكان الأب يتصنع عدم مشاهدة كل ذلك، والحقيقة أنه يريد أن يترك لطفله الصغير الوقتَ الكافي؛ ليتشبع ذلك المنظر المؤثِّر، وتترسخ صورة الطفل المتشرد في ذهن طفله الصغير.

 

سار الصغير خلف والده، وبصرُه مشدود نحو الصبي المتشرد، والأسئلة تنساب بلا توقف: هل ينام هكذا دائمًا؟ أليست له غرفة؟ أليس له والدان؟


دخل الأب مع ابنه - الذي ما يزال يقاوم عاصف المشهد الذي رآه قبل قليل - إلى المحطة، واتجه نحو الحافلة التي ستُقِلُّهم لوجهتهم، وفي انتظارهم لحظة انطلاق الحافلة، صَعِدت الحافلةَ طفلةٌ صغيرة تحمل بين يديها علبًا للحلوى والعِلْك، وهي تقف عند كل راكب تطلب منه أن يشتري منها سلعتها، تأمَّلها الطفلُ باندهاش كبير، كان شعرها مجعدًا من قلة التمشيط، وسروالها البالي يلهث من شدة حرمانه من الغسيل.

 

قدم لها الأب قطعةً نقدية، وأخذ منها علبة حلوى، وغادرت وهي تنادي على سلعتها، تتبَّعها الابنُ بنظراته المتعبة، وهي تحاول الصعود إلى إحدى الحافلات، ولكن أحدهم تحرش بها، ولما رأى الأب ذلك المنظر حاول صرف نظر ابنه؛ حتى لا يرى تلك الممارسات الشاذة التي تَعِج بها المحطة.

 

لم يكن يتوقع الأب من ابنه أن يطلب منه إلغاء الرحلة والعودة للبيت، حاول أن يُثنِيه عن ذلك، ولكن الابن أصرَّ على العودة للبيت، لم يكن بإمكان الأب إلا أن يستجيب لطلبه.

 

عندما دخلا للبيت اندهشت الأم من رجوعهما بسرعة، ولكن الطفل لم يَدَع لها مجالاً لتسأله، بل صَعِد مباشرة لغرفته، تَبِعته أمه يَجرُّها قلبها الخائف، لتجده منكمشًا على نفسه تحت غطائه، احتضنته الأم بقوة وحنو، بينما كان الأب يبتسم وهو يأخذ صغيره في حضنه:

هناك - يا ولدي - آلاف من الأطفال في مثل سنك، لا مأوى لهم، ولا آباء يرعونهم، يتعرضون لممارسات مهينة كل لحظة، ولا أحد يحميهم، وأنت هنا في غرفة لم تَعُد تُعجِبك، لا يحلم بها غالبية الأطفال، عندها قال الطفل بأسف بالغ: الحمد لله.

 

أجل - يا ولدي - الحمد لله، الذي كفانا وآوانا، وكم ممن لا مُؤوِي ولا كافي له.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة