• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

المغناطيس (قصة)

خالد الطبلاوي


تاريخ الإضافة: 12/8/2012 ميلادي - 25/9/1433 هجري

الزيارات: 15458

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المغناطيس (قصة)


كانت زهور الحياة تتفتح عند عمِّي شاكر وزوجتِه حنانَ حين يزورهما الربيع، ولم يكن الربيع  المنتظر إلا طفلاً من أطفال الحارة يرضَى بالمكوث في بيتهما قليلاً من الوقت، هذا البيتُ الواقع في آخر الحارة بعد خمسة انحناءات أضيقُها آخرها؛ حيث تختفي علاماتُ الحياة الغضة، وتختفي إشارات المحمول.

 

كان البيت الرابض في درب الثعبان - وهو الاسم الذي أطلقه البعضُ على الحارة - يضم تحت سقفه الطيني حجرةً تشتكي آلام الوحدة، لا يؤنسها إلا صالةٌ تئن من تقسيمها الجائر إلى قسمين: أحدهما تقبع فيه أريكةٌ قديمة تنتظر ضيفًا لا يأتي، والقسم الآخر تم ستْرُه ببعض الفرش القديم؛ ليؤدي دور الحمام والمطبخ.

 

كانت ضحكات الصغير تمثل لهما العيدَ بكل معانيه؛ حيث حُرما من الإنجاب، بل من الأمل فيه، بعد أن أزالت العمليات الجراحيةُ الكثيرة في المشافي الحكومية أسبابَ الخلف لديهما.

 

كنت أعجب من اهتمامهما بي ومن تسخيرهما كل ما يملكان لإضحاكي وخلْق السعادة في نفسي والابتسام على شفتيّ.

 

فما أعجب أن ترى رجلاً في سن الستين يصبغ وجهه بالألوان، ويلبس جلبابه مقلوبًا، الأكمام في رجليه بينما يطل برأسه من الذيل الذي جمعه حول رقبته، ثم يأمر زوجته أن تدق على الطبلية؛ ليرقص ويأتي بحركات تضحك طوب الأرض!

 

وبعد أن تنتهي طاقته - المنتهية أصلاً بأنياب الفقر والمرض - يتمدد على الأرض؛ حيث لا سرير ولا يحزنون، وضحكاته هو وزوجته لا تنتهي، فلا أتركه ليأخذ قسطًا من الراحة، فأبدأ الفقرة التالية التي أعرفها جيدًا، فألقي بنفسي فوق ساقيه، فيمسك بيدي وتعمل ساقاه عمل الأرجوحة، فيظل يرفعني وينزل بي وهو يغني: (حج حجيج بيت الله، والكعبة ورسول الله).

 

كان برنامجًا رائعًا لا تستطيع أبرع دور الملاهي إخراجَه، فأثناء عمل الأرجوحة تقوم أمي حنانُ - كما تحب أن أُناديها - بإخراج ما كنزته لي منذ آخر زيارة، فكنت أحس أنها تخرج ما لديها بحب فطري يُكسِب خبزَ السميط الناشف طعمَ الكباب، وكيف لا ولو كانت روحها ثمرة أو لعبة، لما استكثرتها عليَّ؟

 

ولعل عجبي من اهتمامهما بي، قد زال حينما تبيَّنت أنني الطفل الوحيد الذي ينعم بظلال حنانهما الوارف، فلقد كانت الإشاعة التي سرت بين الأطفال تَصرفُهم عنهما، وما علمتُ بها إلا حين أسرَّ أحد الأطفال إليَّ هامسًا:

• لا تزُرهما، فتقتلك الأمراض المعدية.

 

ورغم هذا، فليس مَن سمِع كمَن رأى، والحق أنني كطفل قلت: بركة يا جامع.

 

فلم أُرد غيبتهما؛ استئثارًا بنهر من الحنان لا يشرب منه غيري.

 

وكان أكثر ما يشدني إلى عالم عمي شاكر وبرنامجه الرائع، هو فقرة اللعب بالمغناطيس، فقد كان يضعه تحت لوح الأبلكاش الرقيق، ثم يضع بعض قِطع الحديد والمسامير التي صنع منها أشكالاً آدمية، ترقص حينما يحرِّك المغناطيس، فأضحك وأُصفِّق وأمرح، فأرى ورود السعادة وقد تفتَّحت على وجهيهما.

 

وذات مرة بعد عودتي من زيارة أخوالي، رأيت الحزن يخيِّم على ذيل الثعبان؛ حيث بيت عمي شاكر، ورأيت الصبارة التي غرَسها بيده أمام البيت قد بدت محنية على غير العادة، وقد مالت على أعواد النعناع التي ذبلت بفقْد الماء، ووجدت عُبوسًا شديدًا في واجهة البيت، حتى القطة التي كانت تسارع إليَّ حين تراني من بعيد، لم تبرح مكانها، ولم تكن الفرشة العتيقة التي يضعها فوق المقعد الطيني الملاصق لفتحة الباب في مكانها، فوقع في يقيني أن عمي شاكرًا جدَّد زياراته التي لا تنقطع إلى المشفى، فرجعت إلى بيتي وأخذت حصالتي، عازمًا على زيارته مع أمي حنان، حاملاً له الوردة الحمراء التي كان يحبها، خاصةً عندما تتبعها قُبلاتي ومسحي على جبينه، ودعواتي بالشفاء التي كان يقسم لي أنها تحييه من جديد.

 

ولَمَّا عُدت لبيتهما، وجدت أمي حنانَ ترتدي عباءتها السوداء التي كتب عليها الزمن تاريخَها الطويل مع الحرمان، ورأيت وجهها الأبيض الجميل يحكي حزنًا تَعجِز كلُّ لغات الأرض أن تُترجمه، فدار بيننا حوار تغلغَل الصمتُ بين مفاصله وهي تضمني إلى صدرها كمَن يسد ويداوي جرحًا يسغب، فكان كقطرات ماءٍ أخيرة تنزل من الصنبور بعد غلقه:

• أين عمي شاكر؟

• راح عند ربنا.

 

• ولماذا ذهب إلى هناك؟

• لينعم برحمته التي تُغنيه عن رحمات البشر.

 

• اطلبي منه أن يعود وهذه حصالتي؛ ليشتري ما يشاء من الرحمة.

• لا يمكنه أن يعود.

• إذًا فلنذهب إليه؛ فقد أوحشني غيابه.

 

وهنا زاد نحيبُها وضمُّها لي، ثم قالت وهي تشير إلى ركن الحجرة:

• بَعُد الشر عنك، لقد كان يحبك أكثر من نفسه، وقد ترك لك هذا الصندوق قبل أن يرحل.

 

جريت إلى الصندوق وفتَحته، لأجد فيه مسرح المغناطيس الذي أوصى به إليَّ قبل أن يلفظ آخرَ أنفاسِه متأثرًا بأزمة قلبية؛ حيث استصرخت أمي حنان في جوف الليل،  وما من مجيب.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
3- هذه النهاية
أحمد - السعودية 23-09-2012 04:01 PM

لماذا هذه النهاية الحزينة إذا كانت قصة للأطفال فالأطفال لا يحبون النهايات الحزينة ولا أنا كذلك, ألم تستطع أن تنهيها نهاية جيدة ولو كان لا بد من الموت في النهاية ولكن بطريقة غير مأساوية مثل هذه.

2- شهادة نعتز بها
خالد الطبلاوي - مصر 21-09-2012 02:50 PM

شهادة نعتز بها من ناقد وقاص وروائي نعرف قدره جيداً شكراً أخي الحبيب

1- حيوي
محمود توفيق حسين - السعودية 14-09-2012 02:49 PM

نص جميل شجي ، حيوي ، خال من المكملات الصناعية ، إنه نص جميل في بساطته وخضرته وتفاصيله البريئة التي تآلفت فيما بينها

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة