• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

الحصاد المر

الحصاد المر
عادل مناع


تاريخ الإضافة: 18/12/2011 ميلادي - 22/1/1433 هجري

الزيارات: 6962

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحصاد المر

 

اتجه ذلك الطبيبُ المصري الذي يعملُ في المملكةِ العربية السعودية للاعتمار، وآثر أن يقضيَ أيامًا في ساحةِ الحرم، وشد انتباهَه مشهدٌ يومي متكرر لعجوزٍ تقيم في ساحةِ الحرم أمام باب الكعبة، يأتيها شابٌّ يقضي حاجاتِها في حنانٍ وود، ويؤكد عليها الاتصال به إن احتاجتْ شيئًا في فترة وجودِها في بيت الله الحرام، ثم يقبل رأسَها وينصرف، وأمَّا هي فتحرك شفتَيْها دائمًا وتسيل الدموع من عينيها بعد انصرافِه.

 

اقترب منها، وعرفها بنفسِه، وسألها ما إن كان بوسعِه تقديم خدماتٍ لها، ابتسمت ودعتْ له، مما شجعه على أن يسألَها عن سببِ بكائها المتواصل بعد انصرافِ الشاب، فاتسعت حدقتاها وكأنما أصابها السؤالُ بالرُّعب، ثم ارتخت أجفانُها وأسبلت الدمع يغرقُ خديها، وبدأت في الحديث، وقد تخطت ذاكرتُها حواجزَ الزمن إلى الماضي، وهي تقول:

قضيتُ خمسة عشر عامًا بعد زواجي دون إنجاب، لم يُظهر لي زوجي أيَّ تبرمٍ أو ضيق، بل كان يحنو عليَّ ويواسيني، ولكنني بحاسةِ الزوجة كنتُ أدرك حجمَ معاناته هو الآخر، فلذا قررتُ أن أزوجَه بنفسي، وبعد مناقشاتٍ تم الاتفاقُ على ذلك، فطمعت في المثالية، وبحثتُ له عن زوجة من أسرةٍ طيبة، وتم الزفاف، ولأول مرة يغيبُ فيها زوجي عنِّي شعرت بأوصالِ قلبي تتمزَّق.

 

زُفَّ إلى الرجل نبأٌ سعيد بأنَّ زوجتَه الجديدة تحمل في أحشائها جنينًا لطالما انتظرَهُ زوجي، ازدادت سعادتُه التي ارتسمت على ملامحه فبدا كشابٍّ في مقتبل العمر، ومرت الأيامُ وقد حمل زوجي لأول مرةٍ في حياته طفلاً من صلبِه، بعد أن كان يفرغ عاطفته في حمل أولاد الغير ومداعبتهم.

 

مرت الشهورُ وأنا في بحرٍ متقلب من المشاعر، الرضا والصبر تارة، والسخط والغيظ القاتل تارةً أخرى، إلى أن مرَّ على الطفلِ تسعة أشهر، يحبي أمام الجميع ويسلب قلوبَهم، فعزم زوجي على أداء فريضةِ الحج بزوجتِه الجديدة، وكانت المفاجأة أنه استودعني طفلَه لرعايتِه رغم اعتراضِ أمِّ الولد.

 

ذهبا الاثنان وتركا لي الأمانةَ وقد كنتُ أرعاه وأقوم بدورِ الأم الحنون، إلى أن جاءت ساعة شردت فيها نفسي من عقالها، وقفز من كياني ذئبٌ مفترس.

 

الطفل يحبو، يقترب من المجمرة، يوشكُ أن يضعَ يدَه فيها، شيء ما في داخلي يريدُ أن يكفَّه عن ذلك وينقذه، لكن ذلك الذئب بداخلي قد أسكتَ عواؤُه كلَّ همساتِ الضمير بوجداني، بل انتفضت من مكاني بكلِّ قسوة ووحشية، وأمسكتُ بيدِ الصغير ووضعتها في المجمرةِ أضغط وأضغط.

 

هنا انتفضت العجوزُ وهي تحكي وخنقتها العبرةُ بين ذهولٍ مني وحرقة في قلبي، فهدأت من روعِها فسكنتْ ثم استطردت:

ارتميتُ على الأرضِ كمشهد ذئب قد التهم فريستَه والدماء تسيلُ من فمِه، وظلَّ قلبي يخفقُ حتى كاد أن يقف، وأنا لا أصدقُ أنني قد ارتكبتُ هذه الجريمة، وأمَّا الطفلُ فقد اختلط جلد يده بلحمها، وبكى حتى أصابته سكرة، فهرعت به إلى المشفى، وادعيت بأنه قد حبا حتى سقطتْ يدُه في المجمرة.

 

ظللت الليالي يجافيني النوم، وكلما غفوتُ رأيتُ ذاك المشهد يتراءى لي فيسلبني النعاس، لا أصدق، ألهذه الدرجة كانت تكمن الوحشيةُ والقسوة في قلبي؟! ما ذنب هذا الرضيعِ وماذا جنتْ يداه، وزاد من ألمي اقترابُ موعد رجوع أبويه، أخشى أن تفضحني نظراتي وتدلَّ عليَّ.

 

دق صوتُ الهاتف، أمسكت بسماعته، استمعت إلى من يحدثني، ولم أستطع التحدثَ بكلمةٍ واحدة، ألقيتُ السماعة ولم تقلني قدماي، وسقطت على الأرضِ ولم أشعر إلا وأنا في المشفى، أفقت وأخذتُ أبكي وأنتحب على آخرِ كلماتٍ تناهت إلى سمعي في المكالمة الهاتفية، لقد مات زوجي وامراتُه الجديدة في حادثٍ مروع أثناء رحلة العودة!

 

تكاثرت في قلبي التبعاتُ بموتِهما بعد أن اقترفتُ هذه الجريمةَ البشعة بولدهما، وتدفقتْ في قلبي كلُّ مشاعرِ الأمومة لهذا اليتيم المسكين، أفنيتُ عمري في رعايته، أضحى كأنه قد خرجَ من رحمي، كان لي كلَّ شيء، وكنتُ له كلَّ شيء، وكان نعم الولد البار، ولكن...

 

عذاب الضمير لم يجعلني أهنأ بولدي وبرِّه، فكلما أحسن إلي تذكرتُ ما فعلته به، وأحرق ذلك فؤادي، وأحيانًا كان يسألني: أمي كيف حدث ذلك التشوهُ في يدي وجعلها بهذه البشاعة؟

 

أخبره بما ادعيتُه، وأخفي عنه ما لا يخفى علي ساعةً واحدة، وأحيانًا كنت أهمُّ بمصارحته، ولكن أقول: حسبه ما لاقاه مني، فلن أحرقَ قلبَه كبيرًا، كما أحرقتُ يده صغيرًا!

 

فرغت العجوزُ من روايتِها، والطبيب لا تكفُّ دموعه عن السيلان، فإذا به يبصر شابًّا يأتي إلى العجوز، وقد أحضر لها الطعام والمياه وهو يقول لها في حنان: أمي، لقد أحضرتُ لك المياه حتى لا تذهبي إلى المبردِ بنفسِك، ومد يدَه المشوهة إلى أمِّه يمسك يدَها ويقبلها ثم ينصرف.

 

وأمَّا العجوزُ فانتحبت وهي تستغفرُ الله على خطيئتها، فلقد زرعت طوال السنين بتربيتها ورعايتها لابن زوجِها، ولكنَّها لم تنعم بالحصادِ وقت الحصاد، لقد حصدت، ولكنَّه كان الحصاد المر!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- وفقك اله لكل خير
الجازي - السعودية 25-12-2011 01:58 AM

ما شاء الله عليك ... قصه رائعة أدميت قلوبنا وحركت جوارحنا . بارك الله في فيك

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة