• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

أرض السعادة منبع الألم (قصة قصيرة)

أرض السعادة منبع الألم
مصطفى صلاح محمد


تاريخ الإضافة: 30/10/2011 ميلادي - 3/12/1432 هجري

الزيارات: 11068

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

يحلِّق عاليًا ذلك الطائرُ الصغيرُ، رقيقُ البدنِ، خافتُ الألوان؛ كأنَّه ضبابٌ على مرمى البصر، أو كأنه يعكسُ ظلَّ طائرٍ آخر، يلمسُ تلكَ السحابةَ في جوِّ السماء؛ كأنّه يستمدُّ منها طاقتَه، ثم يهبطُ فجأةً؛ ليعودَ بعدها فيحلق من جديد.

 

تستشعرُ من حركتِه سعادة، ومن دفقات جناحيه نشوة، ومن تحرُّكاتِه وانعكاساته شقاوة، لا يشغلُ عقلَه همٌّ، ولا يعكِّر صفوَه كدَر، بل رزقُه مقسوم، وعملُه مكتوب، وسعيُه مرسوم، فَهِمَ ما لم يفهمْه البشر، وما لن يفهموه!

 

يصل إلى نهرِ ماءٍ، تبدو عذوبتُه ظاهرةً خلالَ أضواءِ الشمسِ المتلألئةِ والمتراقصةِ على سطحِه، هدوءُه كضميرِ طفل، وحركتُه كنسمةِ هواء، وروعتُه كقلبِ أم.

 

يأسِرُ مشهدُ النهرِ قلبَ الطائرِ الصغير؛ فكأنَّما ازدادتْ طاقتُه جرأةً، وحركتُه سُرعةً، وبهجتُه نشوةً، ورقتُه انسيابًا، ولونُه ضياءً، فأخذ يدور ويدور، يهبطُ ليطيرَ بمحاذاةِ النهر، يزيدُ من سرعتِه، تنعشُه رذاذاتُ الماء التي تصل إلى جسدِه، يميلُ ليلمسَ الماء بجناحيه، ثم يحلِّقُ مرةً أخرى سعيدًا.

 

يرنو ببصره ليرى هؤلاءِ الناس المجاورين لهذه الروعة، المتاخمين لهذا الإبداع، ما أعظمَ صانعَه، وما أجلَّه!

 

يطير سريعًا قدرَ ما يستطيعه جناحاه، يصل إلى حافةِ النهر؛ ليرى حدود تلك القريةِ التي تقعُ على امتدادِ ذلك النهر، لكنَّ إعجابَه لم يلبث أن يتلاشى حينما يقع بصرُه أوَّلَ ما يعبر حافَّة النهرِ على حربٍ دائرة بين طرفين، لم يستطع أن يميِّزَ بينهما؛ التحمت الأجسادُ بالأجساد، واختلطت الأرضُ بالأشلاءِ والدماء، وانطلقت الصيحاتُ والصرخات تصمُّ الآذان.

 

راقبهم بدهشة، ولم يستطع أن يستوعبَ كيف لِمَن جاورَ هذه الطبيعةَ الخلابة أن يرتكبَ هذه الأفعال!

 

عبرهم بسرعة، وشاهد بعضَ الدور المحترقة؛ والتي ارتفعت أعلاها ألسنة اللهب المتراقصة، أحسَّ بالحرارةِ تكادُ تلفحهه، نظرَ بعيدًا فرأى سوادًا من النَّاس يهربون.

 

ثمَّ لمحَ بطرفِ عينِه طيفًا أسودَ يتحرَّكُ بلهفةٍ في أحد البيوت، رآه من خلالِ السَّقفِ المحترق، يئنُّ كما يئنُّ الفأر في المصيدة، وقد امتزجَ أنينُه بصوتِ طقطقةِ الأخشابِ المحترقة، وصيحات المتحاربين الهادرة.

 

حاولَ أن يقتربَ منه متحمِّلاً الحرارةَ الشديدة، فرأى صبيًّا صغيرًا قد حاصرته النَّار، ربما نَسَوْهُ في غمرةِ الهلع، أو ربَّما هو يتيمٌ تورَّط أبوه في المعركةِ الدائرةِ رحاها بالخارج، فزع الطَّائرُ وجعل يرفرف بجناحيه كأنَّه يخفِّف وطأةَ الحرِّ عن الفتى، ثم طارَ سريعًا إلى لجة النَّاسِ الهاربة، صاح فوقَ رؤوسَهم فلم يلفتوا إليه، أعاد الصياحَ مرَّاتٍ ومرَّات، لمحَ امرأةً بين النَّاس كأنَّما صياحه ذكَّرها بشيء، أمسكت رأسَها وصرخت، لم يسمعها، عاودت الصراخَ والالتفات، فلم يتجاوبْ معها أحد، حاولت - يائسة - أن تتوقَّف وتتراجع فلم يمهلها ذلك الطُّوفان المندفع، نظرَ إلى محاولاتِها اليائسة ثمَّ عاد أدراجَه إلى البيتِ فرأى الطِّفلَ وقد استكانَت محاولاتُه وقبعَ في أحدِ الأركان يبكي منتظرًا مصيرَه، لم يتحمَّل الطَّائر هذا المنظرَ فأسرَعَ إلى المتحاربين فوجدهم على حالِهم، حاولَ أن يلفتَ إليه الأنظارَ فلم يستطع، ماذا يفعل؟!

 

انحدرت من عينيه دمعةٌ حارَّة، نظر إلى البيتِ مرَّة أخيرة، ثم نظر عن يمينِه وشمالِه، قد أعجزته الحيلةُ تمامًا، وأدهشته تلك الطباعُ البشرية، ثم قرر أخيرًا أن يعودَ إلى النَّهر، وإلى عالَمِه الخاص، محاولاً أن ينسى.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة