• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

عصفور في الغربة

عصفور في الغربة
بسام الطعان


تاريخ الإضافة: 25/10/2011 ميلادي - 27/11/1432 هجري

الزيارات: 6601

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عصفور في الغربة

قصـة قصـيرة

 

حدَّث نفسَه وهو يرفع رأسَه المتعب إلى زرقةِ السماء الصافية:

- إنَّ الحياة أحيانًا تبدو قاسية.

 

كثيرًا ما حاول أن يتأقلمَ مع الغربة؛ يعاندُها، يتناساها، يتغلبُ عليها، لكنه كان دومًا ضائعًا في أتونها، وغارقًا في خضم الهواجسِ والقلاقل.

 

الأفكارُ تتضاربُ في رأسِه، وكل شيء من حوله بارد وصامت، إحساس غريب يكتنفُه، ويشده إلى بئرٍ سحيقة بلا قعر، الصمتُ لغتُه الوحيدة، كثيرًا ما حاول أن يفجرَه، ولكن في كلِّ مرةٍ يكون الفشل من نصيبِه، الوحدة تحطِّمُ أعصابَه، وقلبه يخفق ويشتد وجيبُه، فلم يجد بدًّا من الخروجِ إلى الشارع الذي يصبُّ عليه شلالاً يثيرُ عواصف إحساسِه بالنزفِ والبكاء، والشعورِ برهبة الزَّمنِ والضجيج العاري بلا أجنحة.

 

كان يومًا جديدًا، يومًا لا يختلفُ عن غيره من الأيام المهلكة، في ذلك اليوم كانت ملامحه كلمات بلا نقط، حين ارتسمت على جمرةِ القلب كلُّ خرائطِ الحنين، قرَّر أن يبحثَ عن شـخصٍ ما، يؤنس وحدة روحِه الحزينة، يقاسمه المعيشةَ، الغربةَ، مرارةَ الفراق، الشوق للأحبة، ويشاركُه ما يجيشُ بين جوانحه، حينئذٍ سيتخلَّصُ من وحدتِه وغربته ومرارة أيامه.

 

لم يدر كم من الوقتِ مضى وهو يبحثُ بأفكاره عن الشخصِ الذي يرضى أن يشاركَه في ما يدورُ في أعماقِه، وإزاء الضغط النفسي الرهيب، حاول أن يجمعَ شتات أفكارِه من جديد، تذكَّرَ أحدَ زملائه، فأنشد لنفسِه سبيلاً من فرح، هو الشخص الوحيد الذي سيعطيه أذنيه، إنَّه يفهمُ معنى الغربة؛ لأنه مثله غريب عن هذه البلاد، وبالتالي سينصتُ له باهتمام.

 

في الصباحِ الباكر دخل عليه وقد داهمه تعبٌ واضح، وجده منهمكًا مع الآلاتِ وضجيجها، شعر بتيبسٍ في حلقِه، كأنه دُهِن بالسُّخامِ، كما كان يحدثُ عندما اعتاد أن يصففَ خيوط النسيج في بلدِه، دارت عيناه في المكان، ثم حاول أن يلفتَ انتباه صديقِه إليه، وقف أمامه مثل عصفورٍ كسير الجناح، نظر إليه كمن يلتقي حبيبًا فقدَ آثارَه منذ سنواتٍ طويلة، اقترب منه دون أن يخفي ثمة جرحًا مباغتًا، وعندما لم يهتم به، رفع صوتَه ليتغلَّبَ على ضجيجِ الآلات:

 

- أشعرُ بالوحدةِ، وأريد أن تشاركني في مسكني.

 

وقال كلماتٍ رقيقة عن عذابِه، وأشواقه التي ازدادت تجاه وطنِه وأهله وأصدقائه، غير أنَّ زميلَه لم يهتم به، بل تابع عمله.

 

بقلبٍ مثقل بالهموم، قال وعلى كلماتِه تلمع أطيافُ رجاء:

- لماذا لا ترد؟

 

دون أن يلتفتَ إليه، قال بخشونةٍ بالغة:

- دعكَ من هذه الأوهام، أريدُ أن أنجزَ ما تحت يدي بسرعة؛ فأنا على موعدٍ هام بعد قليل.

 

لم يكن يتوقَّعُ مِن مَن يقاسمه الغربةَ أن يرجمه بقسوتِه، وأن يكون قاسيًا بلا ملامح.

 

حاول من جديدٍ أن يتكلم، لكن الكلمات توقفت في حلقِه، وذاب الحديثُ الذي أعدَّه في ذاكرته، غيوم سوداء كثيفة، سماكتها آلاف الكيلومترات اكتسحت آفاقه، عواصفُ وزوابع عبثت بكلِّ شيء من حولِه، ظلَّ ثابتَ القسمات للحظة، ثم أجال بصرَه من حوله كأنما يبحثُ عن شيء مفقود، ثم سار عائدًا في شرودٍ؛ وفي عينيه حزنٌ بحجم الكرةِ الأرضية، واغرورقت عيناه بدموعٍ ساخنة، سكبها على وسادةِ الغربة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة