• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

هسيس الأماني

هسيس الأماني
حسين محي الدين سباهي


تاريخ الإضافة: 22/10/2011 ميلادي - 24/11/1432 هجري

الزيارات: 5974

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قـصة:

هسيس الأماني

خطابٌ مُسَجَّل تسلمتُه صبيحة هذا اليوم من شركةِ الاستثمارات المالية تضمن في طياتِه تلك العبارة الموجزة جدًّا:

 

عناية (الأستاذ: أيوب عبد الغني صابر، بعد التحيةِ والتقدير، الرَّجاء التوجه فورًا إلى إدارةِ الشركة لتتسلمَ الجائزة الأولى).

 

قفزتُ على غير عادتي من شدةِ الفرح وتعالتْ ضحكاتي، وصرخت أنادي والدتي وشقيقي لينعموا جميعًا بلحظاتِ السعادة التي غمرتني، وأحسستُ بها تقربني من أملي في أن أبدِّدَ أيام الفقر، وشرعتُ أرقص طربًا وأنا أردِّدُ قائلاً:

 

• كسبتُ الجائزةَ الأولى ثلاثمائة ألف ليرة!

 

اندفع شقيقي الأكبر "مرزوق" يعانقني مهنئًا، وأقبل أخي الأصغر "مسعود" مسرعًا ليذكرني بوعدي له في تقسيمِ الجائزة حين حصلت على شهادةِ الاستثمار؛ جائزة تفوقي في المرحلةِ الثانوية منذ ثلاثة أعوام، وتمنيتُ الفوزَ بالدرجةِ الأولى.

 

كانت فكرتي في تقسيمِ الجائزة أن تحصلَ أمي على نصفِها، وأنا وشقيقاي على النصفِ الآخر، إنَّ والدتنا منحتنا كلَّ الحب والحنان والرعاية، وضحَّت بشبابِها وودعته مع والدي يوم وفاتِه منذ عشرين عامًا، وراحت تكدُّ وتعمل في حياكةِ الملابس؛ لتوفر لنا أسبابَ الحياة والدِّراسة، سيما وأنَّ أبي رحل ولم يترك لنا رصيدًا أو دخلاً نواجه به متطلباتِ الحياة اليومية، بعد أن حجز شريكُه نصيبَنا في المعملِ نظير تحملِه نفقاتِ العلاج عند مرضِ والدي، ويكفي أنها استبعدت فكرةَ الزواجِ بعد والدي؛ لتعيشَ لنا وحدنا، إنها أمٌّ مثالية، ويكفينا فخرًا أنها والدتنا.

 

أمَّا النصف الآخر فسوف أوزعُه بالتساوي بيننا نحن الإخوة الثلاثة؛ يحصل كلُّ واحدٍ منا على خمسين ألفًا من الليرات، وسوف أحول نصيبي إلى شهاداتِ استثمار ذات الربح الشهري؛ لأفتتحَ بقيمتها وعوائدها بعد عامين أو ثلاثة معملاً صغيرًا في إحدى زوايا منزلنا، ثم أطوره بعد أن أكون قد حصلتُ على إجازةِ الهندسة، ويكون "مسعود" قد نال "دبلوم" المعهد الصناعي، ليساعدني على مزيدٍ من النجاح، ولنكتفي نحن الإخوة ببعض، ولا يكون لنا شريكٌ آخر حتى إذا ما تعثرتْ خطواتُنا لا يبتزنا أحدٌ كما فعل معنا شريكُ والدي!

 

بكت والدتي بألم؛ تأثرًا من حديثي، وطلبت مني هي وشقيقاي أن أضم أسهمَهم إلى نصيبي ليكون المعملُ ممولاً من البدايةِ، ولأننا أسرة ولا بد أن نظل يدًا واحدة، وافقت والدتي وباركت ما قالوا شريطةَ أن آخذَ ثلثَ نصيبِ كلٍّ منهم لأضمه مع نصيبي، وباقي قيمة الجائزة أعودُ به لأمي لأريحها من عبء العملِ، ومشقةِ الجلوس على ماكينة الحياكة التي قصمت ظهرَها وسرقت بصرَها سنوات عديدة، لم تذق عيني النوم من شدَّةِ الفرحة، وبقيت ساهرًا أقسمُ وأجمع قيمةَ أرباح نصف المبلغ لمدة عام ثم عامين فأكثر، أثناء ذلك خطرت ببالي وساوسُ ومخاوف بددتْ استرسالي في الحلمِ الجميل بالأموالِ والأرباح، فيما لو سطا علي اللصوص، وكيف سأقابلُ أمي وشقيقي بيدين خاليتين إلا من خيبةِ الأمل؟ لا شك أنهم سيفقدون بقايا أعصابِهم، وربما سيصابون بصدمةٍ قد تجهزُ عليهم جميعًا قبل أن تعصفَ بأحلامهم وأمانيهم.

 

إثر تفكيرٍ مركز ودراسة معمقة لأنسبِ الحلول للتخلص من مخاوفي وإبعاد النقود عن يدِ اللصوص، قررتُ وضعَها في كيسٍ بلاستيكي سميك من أكياسِ الفاكهة؛ ليحسبَ من يصادفني أنني أحملُ ثمار العنب أو التين، كما أنني سأصحبُ أخي (مرزوق) ذا السواعد المفتولة والعضلات القوية، نعم إنه بطلُ الكاراتيه؛ ليدرأ عنَّا إذا ما هوجمنا خطرَ اللصوصِ، وقطاع الطرق المحترفون.

 

بعد أن تنفستُ الصعداءَ استرحت عقب اهتدائي لتلك الفكرةِ، ونمتُ نومًا عميقًا هادئًا، وفي الصباحِ مع ابتسامةِ الضوء الأولى داخل حجرتنا تفتحت عيناي، وأيقظت شقيقي (مرزوق) ليرافقني إلى الشَّركةِ، و"مسعود" ليذهبَ إلى المعهد، لم يرفض مرزوق مصاحبتي؛ لأنَّه كان في يومِ إجازته من محاضراتِ الجامعة، وعند الثامنة تمامًا وصلنا إلى مقر الشركةِ، وسلمت الخطابَ الذي يحملُ نبأ فوزي بالجائزةِ الأولى لمأمور الاستعلامات الذي قرأه بدورِه، ثم أعطاه لي وصحبنا إلى مكتبِ المدير العام.

 

سرتُ خلف المأمور بخطواتٍ موزونة حتى لا أفضح لهفتي على الجائزةِ، وقلت لنفسي:

• هكذا يجبُ أن يتمَّ الاستقبال للفائزِ الأول، أمثالي يجبُ أن يهنئني المديرُ العام بشخصِه، ثم يكرمني بمبلغِ الجائزة المقرَّر؛ أقصد الثلاثمائة ألف ليرة، بل ربما يكون قد رتَّبَ للقاءٍ صحفي أو اتفق - وهذه أقرب إلى المنطق - مع التلفزيونِ لتصويري وأنا أتسلمُ المبلغَ لأشاركَ في حملةِ الشركةِ الإعلانية لتشجيع المشاهدين على شراء هذه الشهادات الرابحة)، بالترحيبِ الحار والمصافحة استقبلَنا المديرُ العام، وأومأ لنا بالجلوسِ، ولما عرف أنني الفائز الأول هنأني والتفتَ إلى مكتبه الفاره، وفتح أحدَ أدراجه وظلَّ يعبث فيه، لكنَّه لم ينس استدعاء المستخدم ليأمر لنا بكوبين من الليمون - أخرج المديرُ العام من مكتبِه وبعد أن تجول بمعظمِ الأدراج بعض الرسوم واللوحات، ومن جملتِها وقعتْ عيني على لوحةٍ أعرف خطوطَها، بل وأعرف ألوانَها لونًا لونًا، ونموذج الورقة التي رسمت عليها هذه الخطوط، والزخارف التي تطوقُ جوانبَها، لا بل إنني أعرف أيضًا التوقيع الذي يقبع بذيلها، إنه توقيعي أنا، إنها اللوحة التي اشتركت بها في المسابقةِ التي أعلنت عنها الشركةُ لابتكارِ تصميمٍ جديد للشهادات في حملتها الدعائية الجديدة، لقد نسيتُ أنني تقدمتُ إليها بتلك اللوحةِ التي تؤكِّدُ لي الآن اشتراكي فيها.

 

أخرج المدير العام لوحتي من بينِ الرسومات التي كانت في مكتبِه، ثم استلَّ يدَه الطويلة ليصافحني؛ وقال لي مهنئًا بامتنان:

• مبروك حصولك على المركزِ الأول عن نتاجِك الفني الرائع، إنَّ لوحتَك تدلُّ على إبداعٍ وموهبة، بل وخيال خصب، ينتظرُك مستقبلٌ باهر في مجالِ الدعاية وتصميم الإعلانات، فالشهادةُ التي توسطت اللوحة متصدرة شراع السفينةِ تعبر عن أنَّ الشهادةَ هي سبيل الخير، والأسماك الذهبية التي تجري حولها تمثلُ الجوائز والأرباح الكبيرة التي تنتظرُ مالكَها، وكذلك الشمسُ المشرقة في جانبِ اللوحة تضيء له الطريق، إنها تعابير جميلة ومعانٍ متعددة لا يدركُها إلا كلُّ ذي حس مرهف، ونحن إذ نشكرك نقدر لك هذه الموهبةَ، وها نحن نمنحُك الجائزةَ الأولى، بشهادةِ تقدير وميدالية تذكارية باسمِ الشركة وأسطوانة لأغنيةٍ خصت إعلان شهادات الاستثمار التي تصدرُها!

 

انتابني وجوم، واعترتني دهشة، وفقدتُ الأمل في الثلاثمائة ألف ليرة حين سمعت من الرَّجلِ مضمون الجائزة، كما لم أقو على الردِّ، حينما تشدق بها صاحبُنا المدير، فقد تلاشى صوتي مع الصدمةِ في أحلامي المؤجلةِ، وتفكيري في ما سيحدث لأمي وأخي "مرزوق" حين يعلمان بحقيقةِ الجائزة، خاصة وأننا لا نمتلكُ جهاز تشغيلِ الأسطوانات (البيك آب) الذي سنسمعُ من خلالِه الأسطوانة، التي لو فكرتُ عرضها للبيعِ والاستفادة بثمنها فمن ذا الذي سيتورَّطُ في أغنيةِ إعلانات؟!

 

سألني السيدُ المدير العام عن سببِ صمتي، فاستعدتُ أنفاسي المكتومة وصوتي المبحوح، واستقرت نظراتي المبعثرة من هولِ المفاجأة، وقلتُ للرجلِ متسائلاً:

• إذن أهذه هي الجائزةُ الأولى التي كنتم تعنونها في مضمونِ خطابكم إلي؟!

 

أجابني المديرُ العام سعادته قائلاً:

• نعم يا بني إنها هي، ولكنْ هل بذهنِك جائزةٌ أخرى كنت تحسبُ أنك قد فزتَ بها؟

 

لم أجرؤ على البوحِ بما كان في خاطري وطي خيالي قبل وصولي إلى الشركة، كما لم يستطع أخي "مرزوق" ذلك، فقلتُ للمدير:

• لا، إنَّ هذه الجائزة بما تحملُه من معانٍ وتعابير هي الوحيدة التي كنتُ أنتظرها!

 

ومددتُ يدي الواهنة إليه لأتسلمَ شهادةَ التقدير والميدالية البرونزية؛ التي نقشوا عليها رسومَ لوحتي واسم الشركة وأسطوانة الإعلان الغنائي، وعدت أنا وأخي إلى بيتِنا، وكنت أتأبطُ الجائزةَ وبقية أحلامي العاثرة في الكيسِ البلاستيكي الشَّاحب، خوفًا من أن يسرقَها اللصوص!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة