• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

بلاد العطايا والأوهام

بلاد العطايا والأوهام
بسام الطعان


تاريخ الإضافة: 25/9/2011 ميلادي - 26/10/1432 هجري

الزيارات: 6371

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قصة قصيرة

بلاد العطايا والأوهام

 

ما أقربَه منها، وما أبعدَها عنه! فهل هي ذئبة بجلد غَزالة؟!

 

مشوار الخذلان بدأ، مِن هنا تغنَّى بها، صفَّق لها، وصفها بالأرض الخيِّرة، بلاد العطايا والأحلام دنيا لا عذابَ فيها.

 

حلَّ ضيفًا عليها وهو يمنِّي النفس بأشياءَ كثيرة، أشياء هو الذي اختارَها لنفْسه وليستْ هي، همَس في أُذنها أن تأخذَه لينابيع العطايا المختبِئة في الأقبية، ولأنَّها دائمًا تبوح بالحِقد والمكْر، ويزغرِد فيها حبُّ الأنانية، طلبتْ منه أن يخلعَ الإنسان مِن داخله أولاً.

 

لم يخلعْ ثوب التفاؤل، ولكي لا يقع أسيرًا في يدِ الخيبات، اتَّكأ بـنفس مرحة وقلْب أخضر على أرائِك الأمَل، إلا أنَّ الأرض التي أسرفَ في عِشقها وترَك الطيبة والدِّفء مِن أجلها بقيت كعادتها شريرةً ولا تعرف إلا الخِصام.

 

عندما حصَل على (الفيزا) انطلقتْ من عينيه عصافير البشاشة، وندَّتْ عن شفتيه انفراجةٌ مشرقة تبعث في الروح والجسد تدفقًا وحيويَّة.

 

آن الأوان لكي يبدد عتمةَ حياته، يحضر الجرار التي ستمتلِئ بالعسل، لا وقت لديه لأنْ ينتظرَ طويلاً، أو يحسب حساباتِه التي طالما جعلتْه يعـيش في متاهات مزعِجة، ودَّع زمنه الخاوي، وبؤسَه الكاوي، وأشياءَه البالية ومضَى، فالحلم تحقق ولا داعي للانتظار ما دام العالَم المتمدِّن المليء بالعطايا بانتظاره.

 

رآها مِثل امرأة تتدثَّر بالصفاء، وتلمَع كالكوكب الدُّري، انبهَر بها، وتسرَّبت كل أحلامه دفعةً واحدة في دروبها، طلَب منها أن ترفُق به، تبعده عن دروب الخذلان، لكنَّها باغتتْه بصدرها البارِد، وسألته بهزء:

جئت لتأخذَ مِن خيراتي؛ أليس كذلك؟!

 

نشر الريح شراعًا، والأماني زورقًا، وانطلق ليبحثَ عن نجمة مشيدة في العُلا، كان يفرش أفكارَه التي لا تعرِف الحدودَ والممنوع والمحال مِثل مرْج أخضر، أُمنياته كانتْ كبيرةً، يجمع المال، يؤسِّس الشركات، يَبني القُصور، ويملأ الدُّنيا ضجيجًا بنجاحاتِه، كيف لا وهو يَعيش فوقَ الأرْض الخيِّرة.

 

اشتغلَ في النهار الطويل، وفي الليل القاتِم والبارد، وبعدَ شهور مِن التعب، اكتَشف بأنَّه يلهَث وراء السراب؛ لذا صار يحنُّ إلى أيَّامه السالِفة، الزاخرة بالرَّاحة والبَهجة، كم تأسَّف لأنَّها لم تكن تعجبُه في يوم من الأيام.

 

أيام تمرُّ مِن الأوجاع وصروف التهاوي، فيرسل لأهلِه رسائلَ عِدَّة، يبثُّهم لواعج قلْبه، يُذكِّرهم بأيامه المسربلة بالحكايات الجميلة، وببعادِه الذي تحوَّل إلى سكين في الخاصِرة، وظلَّتِ الصور البهية تركض أمامَ عينيه كجيادٍ تصهل وتدقُّ بحوافرها أبواب رُوحه المشتاقة.

 

لم تمضِ السنة الأولى حتى تاه في عوالِمَ غريبة في بلادٍ غريبة، فقد حلَّت في حياته مصيبةٌ على شكل جنيَّة شقراء، لم يكن يدري أنَّها ستكون نذيرَ شؤم وهلاك، كان يمتصُّ سمَّها بلذة وإدمان، ويشعُر وهو يقضي الساعاتِ معها بأنَّه بات يمتلك الدنيا.

 

ظلَّ يَمتطي صهوةَ الليل مع الجنيَّات الشقراوات والسمراوات، النحيفات والسمينات، اللواتي يقدمنَ له اللحمَ الساخن، غير أنَّه صار بعدئذٍ يبكي انهيار الحُلم فوق مذبحةِ الصمت بعدَما انكشف المستور وبانتِ الحقيقة المُرَّة، حقيقة الوباء الغريب الذي سمِع وقرأ عنه الكثير.

 

تخبط في وحلِ الهزيمة، هربتْ آماله وأحلامه، ارتسمتْ غمامة رمادية أمامَ عينيه، ولم يعدْ يرَى غير وحوش الكآبة، وهي تزمجِر في تجاويف رأسه المليء بالطنين.

 

ماذا عساه أن يفعلَ غير أن يتلعثمَ بين أسئلة النَّدم وأجوبة التعجُّب؟

 

مع مرورِ الأيَّام، أصابه شيءٌ من اللامبالاة، طمر قلبه وقناعاته في مهاوي النِّسيان، نسِي العطايا التي جاء مِن أجلها، ولم يعدْ يفكِّر في شيء سوى أن يحرقَ نفسه كأوراق الجرائِد القديمة، صارتِ الصور الشاحبة تمتدُّ كنُواحٍ طويل أمام ناظريه، وصار يرَى حياته مثلما يرَى المذهول أقدامه، وهي تقوده إلى ممالك الوجَع، بكَت عيناه مِن الغوريلا التي أحبطت أمانيـَه، وسلبتْ منه الأغنيات، ذاكرته اختبأتْ بين تقاطيع العتمة، وتأمُّلات الوهن، وصمْت الشرود، فأغرق ذاته مِن جديد في لُجَّة الملاهي وشُرب الخمرة حتى الانتفاخ.

 

شِبعه لم يكن له حدود، طمَّاع بمقدوره أن يبتلعَ البحر، وكان يحسُّ بذلك براحة فيَّاضة، وحالة مِن الأمان تدفعه إلى نِسيان الوجع القابِع بين تعاريج جسده.

 

هرَب الزمن بسرعة، وهرَبت بقايا صحَّته، في بعضِ الأحيان كان يبدو بلا ملامِح أو أحاسيس، وفي أحيانٍ أخرى كان ينتحِب فوق ضريح الخيبات.

 

مع لحظاتِ الصمت وتمْتَمات الأنين، كانتْ ذاكرته المدفونة بين بقايا أنقاض أوهامه، تنتفض وتعود إلى بَياضها، فيجلس مستوحدًا، يجمع شتاتَ الصور المتَّسخة بالسخام، ويفكِّر بالعودةِ إلى مرابِع طُفولته وميادين شبابِه، ولكن في كلِّ مرة، كان يقول لنفْسه: "سأجلب العارَ لي ولأهلي إذا رجعت، فأنا لم أعُدْ أصلح لشيءٍ إلا للموت".

 

في ليلةٍ باردةٍ جدًّا، شاهَدَه البوليس ملقًى على الأرض في زاويةٍ مهملة، كان يرتجف ويغرِس النداءات الذبيحة في خاصِرة الليل.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة